authentication required

قليلة هي القضايا التي تشغل بال الأمهات والآباء الجدد بنفس القدر الذي يشغلهم به موضوع النوم. وقليلة هي المواضيع التي تشهد جدلاً وسجالاً واسعين كذلك الذي يثيره موضوع نوم الرضيع، ليس بين الآباء والأمهات والمربين فقط، بل بين أطباء الأطفال والباحثين واختصاصيي علاج اضطرابات النوم. فلكل منهاجه الذي يدعي أنه الأفضل أو الأنسب لتعويد الطفل على النوم مبكراً والسماح من ثم لوالديه بأن يحظيا بقسطيهما اليومي من النوم. لكن هناك أيضاً من يعتبر أنه لا داعي ولا جدوى لتدريب الرضيع على النوم، بل ترك ذلك لساعته البيولوجية الخاصة. غير أن الأمر الذي يكاد يتفق عليه معظم أطباء الأطفال وخبراء اضطرابات النوم هو أن تدريب الرضيع على تهدئة نفسه بنفسه هي أحسن منهجية لتحسين جودة نومه وتخفيف الضغط على أمه التي قد تُصاب بإنهاك بدني واستنزاف عصبي إن طال سهرها وأرقها بسبب طفلها.

أظهرت دراسة جديدة نُشرت في العدد الأخير من مجلة «طب الأطفال» أن الآباء والباحثين ينقسمون إلى فريقين بشأن الآثار الحقيقية لتدريب الأطفال الرضع على النوم. وقد توصل الباحثون إلى ذلك بعد دراستهم مستويات هرمون التوتر «الكروتيزول» في أدمغة الأطفال في مراحل مختلفة خلال فترة رضاعتهم.

الدكتور بيل سيرز أستاذ مشارك في طب الأطفال السريري بجامعة كاليفورنيا ومؤلف نحو 30 كتاباً عن الأبوة والأمومة، وهو أحد معارضي تدريب الأطفال على النوم. فهو يرى أن ترك الطفل الرضيع يبكي ليس سليم العواقب كما يدعي البعض، بل إنه يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول لديه ويضر بنمو دماغه. ولكن الدراسة الجديدة توضح أنه ليس للتدريب على النوم أية مضار عاطفية طويلة الأمد. ويقول الدكتور سكوت كوهن من عيادات «بيفرلي هيلز لطب الأطفال» ومؤلف كتاب «كلْ، ونَمْ، وأفرغْ معدتك» في إشارة إلى الرضيع الذي تبدو حياته في الأشهر الأولى تتمحور حول هذه الأنشطة الثلاثة، «إن التدريب على النوم يعد آمناً عند بلوغ الطفل نحو أربعة أشهر، أي حينما يصبح قادراً على تهدئة نفسه بنفسه». ويتفق سكوت مع النتائج التي توصلت إليها الدراسة الجديدة، والتي تفيد أن الأطفال الرضع الذين يُتركون يبكون فترات قصيرة لا يصابون بتوتر شديد كأولئك الذين يقضون الليل كله في البكاء ويُسهرون آباءهم.

 

مخلفات ثقافية

 

يعتقد كثير من الآباء للأسف أن الاستيقاظ المتكرر من النوم ليلاً من أجل إسكات الطفل هو أمر عادي سيلازمهم طوال أشهر السنة الأولى من عمر المولود المرتقب، ويتقبلون هذا الأمر وكأنه إحدى ضرائب الأبوة والأمومة. غير أن أطباء الأطفال يقولون إن هذا الاعتقاد غير سليم، وأن بإمكان كل أبوين أن يحافظا على جودة نومهما منذ الشهر الأول من عمر الرضيع. وفي هذا الصدد، يقول جي جوردون، طبيب أطفال في سانتا مونيكا «لدينا نظرة ثقافية متحيزة إلى حد بعيد تُجاه النوم، لدرجة أننا صرنا نتقبل باعتياد حقيقة ألا أحد يحظى بقسط كاف من النوم خلال الليل عندما يرزق بمولود». ويضيف جي «أُخبر الأمهات دوماً بألا يجعلن حياتهن تدور في فلك نمط عيش الطفل الرضيع، بل أن يوائمن حياة هذا الأخير بما يتماشى مع مجرى حياتهن». ويضيف مخاطباً الأمهات «اتركن كل شيء يأخذ مجراه الطبيعي قدر الإمكان. فسيبلغ الطفل السن التي يكون فيها مؤهلاً لتعلم وقت النوم ليلاً عندما يقترب من ولوج الروضة، وفي هذه المرحلة مثلاً يكون النوم المبكر بالنسبة إليه ولوالديه أمراً مفهوماً ومبرراً. غير أن اتباع منهجية موحدة لتدريب الطفل على النوم من أشهره الأولى هو سلوك تربوي غير دقيق، وقد يكون ذا عواقب وخيمة وخطيرة على الطفل». ويؤكد جوردون على أن لكل أسرة ظروفها الخاصة، وإذا كان تدريب الطفل على النوم قد أجدى في هذا البيت، فهذا لا يعني أنه سيجدي في بيت آخر، ومع طفل آخر، وبيئة أخرى.

الشكوى رقم 1

يقول هارفي كارب، طبيب أطفال ومؤلف سلسلة كتب «أسعد رضيع» التي تعد من أكثر الكتب مبيعاً، «أكثر من نصف النساء حديثات العهد بالأمومة يقلن إن الشعور بالتعب والإنهاك والاستنزاف البدني هو شكواهن الأولى والرئيسة خلال العام الأول من الوضع». ويضيف «أوضحت دراسات عديدة أن نوم أقل من ست ساعات يومياً بشكل متكرر ومتراكم يجعل الأم شبيهة بمن يقود سيارة وهو ثمل ومواصلته القيادة مع إدراكه في الوقت ذاته أنه قد يرتكب حادثة». لكن هارفي يقول أيضاً إن الاعتقاد السائد بأن كل طفل ينبغي أن ينام طوال الليل في سن معينة عار عن الصحة، وهو اعتقاد قريب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة. وتقول مارشا واينراوب من جامعة تمبل في دراسة نشرتها مؤخراً في مجلة «علم النفس» إن الرضع والراشدين يتنقلون في دورة نوم تستغرق من 90 دقيقة إلى ساعتين ما بين الاستيقاظ والعودة إلى النوم. وتضيف أن «بعض الرضع يبكون ويصرخون مُنادين أمهاتهم بمجرد استيقاظهم واكتشافهم أنهم بعيدون عن حضن الأم. وكانت مارشا قد أجرت دراسة أشركت فيها أكثر من 1,200 رضيع تتراوح أعمارهم بين 6 و36 شهراً. وقد خلصت مارشا في دراستها إلى أنه يفضل ترك الطفل يعود إلى النوم لوحده عند استيقاظه من النوم ليلاً، وأن ذلك يعوده على تهدئة نفسه بنفسه، وعدم قض مضجع أمه التي قد يهرب النوم من جفونها بعد ذلك.

وعند إلقاء نظرة على المقاربات السائدة في تدريب الطفل على النوم، نجد أنه يمكن حصر أكثرها شُيوعاً في خمس مقاربات.

◆ النوم المشترك: أي نوم الرضيع بجانب أمه أو أبويه كليهما على نفس السرير. فبعض الأسر لديها «سرير أسري» يشمل الأبوين والرضيع. ويقول الدكتور جي جوردون «أنا لا أرى بأساً في أن ينام الرضيع بجانب أبويه خلال عامه الأول. فتقاسُم الرضيع سرير أمه وأبيه يكون دوماً آمناً، إلا في حال كان أحد الأبوين بديناً جداً». ويضيف «الأطفال الرضع يتبعون عادة نمطاً طبيعياً في النوم، أي أنهم ينامون ثم يصحون ويترقبون ما يحصلون عليه من رضعات وأحضان وملاطفة وملاعبة، ثم يعودون للنوم. وكلما طالت استجابة الأم إلى أقصاها في تعاملها مع رضيعها، كان ذلك أفضل لنمو الرضيع وصحته النفسية. وعندما تبدأ الأم بتقليل مستوى رعايتها لرضيعها، تبدأ علاقة الرضيع بأمه تفتر وتتباعد».

◆ استيقاظ ونوم: فهذا المفهوم يعني تعليم الرُضع كيفية تهدئة أنفسهم بأنفسهم ثم العودة إلى النوم دون تدخل أحد. ويقول الدكتور هارفي مخاطباً كل أم «عندما يخلد الرضيع للنوم على ذراعيك، ضعيه برفق في مهده أو سريره وهدهديه قليلاً. وقد يفتح عينيه في هذه الأثناء، لكنه يغلقهما مجدداً ويغط في نومه. وخلال اللحيظات القليلة التي يفتح فيها عينيه والتي لا تتجاوز ما بين خمس إلى عشر ثوان، يبدأ الطفل في تعلم العودة إلى النوم بنفسه. وبعد بضعة أسابيع، يصبح الرضيع أقدر على تهدئة نفسه واستئناف النوم كلما استيقظ ليلاً».

◆ لا دموع: فهذه الطريقة التي تقوم على التقاط الرضيع وحمله قبل إكماله صرخته الأولى عند الاستيقاظ، ويطلق عليها منهجية «لا دموع»، في إشارة إلى هرع الأم إلى رضيعها وحمله حتى لا يذرف أي دمعة. وتعتبر الكاتبة تريسي هوج أن هذه طريقة تربوية متسرعة وغير ناجعة، وتقترح بالمقابل تدريب الرضيع على تهدئة نفسه، حيث تستجيب الأم إلى صراخ الرضيع وجلبته عبر التقاطه والتربيت عليه حتى يسكت، ثم إرجاعه إلى المهد أو السرير حين يتوقف عن البكاء، ثم حمله مجدداً في حال عاود الرضيع البكاء، وتكرار سيناريو التهدئة نفسه إلى أن يهدأ تماماً ويغط في نومه. وتؤكد تريسي أن هذه الطريقة تحتاج صبراً كثيراً، ولا تنصح بها للأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربعة أشهر.

◆ اللامبالاة «الإيجابية»: وهي طريقة يدعو إلى اتباعها طبيب الأطفال مارك فايسبلوث من شيكاجو. وهو يرى أن ترك الطفل الرضيع يبكي ويصرخ وعدم التوجه إليه إلا بعد أن يهدأ أنجع طريقة لتعليمه تهدئة نفسه بنفسه، وعدم استخدام الصراخ سلاحاً، وعدم البكاء ادعاءً. لكن مارك يؤكد في الوقت عينه على أن البدء في تدريب الرضيع على الانتظام في النوم في ساعة مبكرة كل ليلة يفضي إلى أفضل النتائج. وقد يحتاج الرضع والأطفال الذين يبكون باستمرار في مهودهم وأسرتهم إلى بدء اكتساب عادة النوم المبكر ساعة قبل أو أكثر. وينصح مارك بتجريب أخذ الطفل إلى سريره ربع ساعة مسبقة كل ليلة إلى أن ينتظم موعد نومه ويتلاشى صراخه وبكاؤه قبل النوم إلى أن ينعدم.

◆ الإهمال التدريجي: فإرجاء الأم استجابتها لرضيعها أو طفلها عند البكاء بعد استيقاظه من النوم يطلق عليه «الإهمال التدريجي». وهي منهجية يدافع عنها الدكتور ريتشارد فيربر، مؤلف كتاب «طرق سهلة لحل مشاكل النوم عند الطفل». ومن جهته، ينصح الدكتور سكوت كوهن من بيفرلي هيلز باتباع هذه الطريقة، ويعتبرها حلاً وسطاً يمكنه أن ينفع معظم الأمهات. ويقول «إذا كان رضيعك يبكي عندما تضعينه في المهد، فيمكنك لمسه والتحدث إليه والتأكد من أنه لا يتألم أو يتوجع لسبب ما غير الرغبة في التهدئة، لكن احرصي على أن تقضي حداً أدنى من الوقت داخل غرفته». ويضيف «إذا غادرت غرفة الرضيع وهو لا يزال يبكي، فحاولي ألا تتركيه إلا بعد محادثته وملاعبته ثم تركه مدة خمس دقائق ثم عشر دقائق ثم ربع ساعة، وهكذا». ويختم سكوت بالقول «من السهل القول لأسرة ما أن تمضي قدماً في تدريب الرضيع على النوم، لكنني أعلم كأب وكطبيب أطفال أن هذا الأمر صعب وغير قابل للتطبيق لدى كل الأسر».

هشام أحناش

 

المصدر: «لوس أنجلوس تايمز»
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 73 مشاهدة
نشرت فى 20 يناير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,668