تتجدد الأعمال الفنية ويعاد تناولها طوال الوقت من خلال السينما، منها من ينجح ويخطف الأضواء على تلك التي سبقتها ومنها من يسجل اسمه في تاريخ العمل السينمائي دون أي حضور أو علامة لافتة يمكن أن يشار إليها بعين الاعتبار.
"البؤساء" ملحمة أدبية سجلت حضورا لافتا في القرن التاسع عشر للمفكر والكاتب الفرنسي فيكتور هيجو. خرجت هذه الرواية بكل شخصياتها وأحداثها وفكرتها من الورق لتتجسد على خشبات المسرح، ولتصدح بمعانتها على شاشات السينما، ولترسم ألوانها للأطفال، نعم من هنا كانت معرفتي بهذه الرواية من خلال مسلسل كرتوني كان يعرض للصغار بعنوان "حكايات عالمية"، فالمادة المقدمة للأطفال في الماضي اختلفت كثيراً عما هي عليه الآن، لم يكن هناك استخفاف بعقلية الطفل، كما لم تكن فكرة رسوم متحركة لطفل وأخرى للكبار، العمل الجيد المخصص للصغار يحظى بمشاهدة الصغير والكبير. كانت مثل هذه الأعمال نافذتنا للخيال والمعرفة والآخر، كما أنها تبحر بنا إلى أفكار غاصت في وجدان الإنسانية؛ فعمل "كالبؤساء" يحمل فلسفة إنسانية وفكرية تلخص النظم القائمة عليها حياة البشر بغض النظر عن الفترة الزمنية التي تتناولها القصة. كما لم تعزلنا مثل هذه النوعية من الأعمال عن العالم كما تفعل الآن معظم الرسوم المتحركة فبساطة التقديم وعمق الفكرة من شأنهما أن يخلقا خيالاً بناء للطفل. ربما لم أفهم البعد الفلسفي لمثل هذه القصة في صغري، ولكني فهمت فكرتها وكونت فلسفتي الصغيرة حول هؤلاء "البؤساء" بمعرفتي المحدودة التي توافق سني في ذلك الوقت. لم تختلف قصة "البؤساء" المكتوبة كثيراً عن تلك التي شاهدتها على شكل مسلسل كرتوني، ولكن الفكرة وأبعادها كانت أكثر عمقاً وغدت أكثر رسوخاً في وجداني مقارنة بغيرها من القصص والرويات التي قرأتها في الكبر. ارتبطت قصة "البؤساء" عندي بالطفولة وذكرياتها لذلك استنكر ضياع الفكرة والمضمون من الأعمال المخصصة للأطفال. الطفل يستوعب أشياء كثيرة يصعب على الكبار استيعابها وخياله أرض خصبة نستطيع أن نزرع فيها العديد من المحاصيل ونغرس فيها الكثير من القيم، فلماذا الاستسلام لما هو موجود؟ لماذا الركون؟ لماذا هذا الفصل بين عالمه وعالمنا؟ ومن المؤكد أن قراءة الرواية أجمل وتعطي مجالا لأي طفل بالخيال؛ فهو المخرج الوحيد ولكن نحن نعاني من حالة جفاء بين الكتاب والطفل، لذا مهم جدا وجود نوعية من الأعمال التي تقدم للطفل نبذة عن الأدب.
عاد عمل "البؤساء" بحلة سينمائية جديدة، مليئة بالفنتازيا والبهرجة والأصوات والموسيقى. عاد بضجيج أثار النقاد والمشاهدين والكتاب، عاد هذا العمل وعادة معه الكثير من الحكايات العالمية والأعمال الخالدة في ذاكرة التاريخ الأدبي والسينمائي والمسرح حتى الكرتوني.
المصدر: الاتحاد
نشرت فى 14 يناير 2013
بواسطة alsanmeen
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,277,337
ساحة النقاش