لماذا نكتب؟ يبقى هذا السؤال مطروحاً دوماً، وتبقى النوافذ مفتوحة للرد والإجابة عليه، تتراوح الآراء فيها ما بين فريقين، فريق يرى أن الفن للفن، وأن ما يكتب، وما يقال في جميع أجناس الأدب إنما هو للتذوق الفني، وما يهم هو الجودة الفنية بغض النظر عن الموضوع، وفريق يرى أن الأدب والفن للحياة، وما لا يعبر عن الحياة بكل نواحيها، فليس بإبداع أو فن.
الكتابة في الأساس تعبير عن الإنسان وما يعتمل في نفسه، ويحس به، أحياناً الكتابة قفزة في الهواء، أو صرخة، أو همسة، تلامس شغاف القلب، وإن لم تدخله بقيت نوعاً من العبث.
وباعتبار الشعر أحد هذه الفنون وفرعاً من فروع الأدب المهمة عند العرب، حفل الشعر بمكانة مميزة في حياتهم ووجدانهم.
الإنسان يكتب ما يعيشه ويحس به، وما يحيط به من من أبدع ما قيل في وصف الشعر عند العرب ما قاله ابن عبد ربه في «العقد الفريد»، إذ قال: الشعر مَعْدِنُ عِلْم العرب، وسِفْرُ حِكمتِها، وديوان أخبارها، ومستَوْدع أيامها، والسُور المضروب على مآثرها، والخَندَق المحجوزُ على مفاخرها، والشاهد العَدْلُ يوم النَفار، والحُجة القاطِعة عند الخِصَام؛ ومن لم يقم عندهم على شَرَفه وما يدَّعِيه لسلفه من المناقب الكريمة والفَعَال الحميد بيت منه، شَدَّتَ مَساعيه وإن كانت مشهورة، ودرسَت على مُرور الأيّام وإن كانت جِساماً؛ ومن قيدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه، وأشهَرها بالبيت النادر، والمَثَل السائر، والمعنى اللطيف، أخلدها على الدهر، وأخلصها من الجَحْد، ورفع عنها كَيْدَ العُدو وغض عين الحسود.
قيل لكثَير: يا أبا صَخْر، كيف تصنع إذا عسر عليك قول الشعر. قال: أطوف بالرِّباع المُخْلِيَة والرياض المُعشِبة، فيسهل عليّ أرْصَنُه وشُرع إليّ أحسنُه.
ويقال: إنه لم يُستَدْعَ شارِدُ الشعر بمثل الماء الجاري، والشَّرَف العالي، والمكان الخَضِر الخالي أو الحالي. وقال عبد الملك بن مَرْوان لأرْطَاةَ بنِ سُهَيّة: هل تقول الآن شعراً، قال: ما أشرَب، ولا أطْرَب، ولا أغْضَب؛ وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه.
وقد جسد بعض شعراء الحداثة «الأدب أو الفن للحياة».
◆ أبو تمام:
جَـــزَى اللّــهُ أَيَــــّامَ الفِــــرَاقِ مَلامَــة
كما ليـسَ يــَوْمٌ فـــي التَّفَــرُّق يُحْمَــدُ
إِذَا ما انقَضَــى يـــومٌ بِشـــَوْقٍ مُبـــَرحٍ
أتــى باشــــــتياقٍ فــادحٍ بعــدهُ غــدُ
فلم يبقٍ منــــي طــولُ شــوقي اليهــمِ
ســوى حســراتٍ فــي الحشــا تتــرددُ
خليلــيَّ ما ارتعــــتُ طرفـــي ببهجــة
ومـا انبسَــطتْ منـــــي إِلــى لذَّة ٍ يَـدُ
ولا استحدثت نفـــسي خلـيلاً مجـدداً
فيُــذْهِلُنِــي عنــه الخَليـــــلُ المُجَـدَّدُ
ولا حلتُ عن عهدي الذي قد عهدتما
فدومـا على العـهدِ الذي كنـتُ اعهـدُ
فإنْ تَخْتلُوا دُوني بِأُنْسٍ ولَذَّة .......................... فإني بِطُولِ البَث والشَّوْقِ مُفْرَدُ
ساحة النقاش