الحقيقة لم أكن أنوى أن أكتب عن هذا الموضوع مُطلقاً .. كنت أعتبر أن كل مايحدث هو مُجرد سخافة ستأخذ وقتها وتمضى بمرور الزمن .. إلا أننى اكتشفت أننا كلما تجاهلنا الامر أكثر ، كلما تفاقم أكثر .. حتى أصبحت الحياة الإفتراضية للبعض على الإنترنت – وأنا منهم – لا تُطاق ..
أعرف أنك ستتألم وأنت تقرأ المقال ؛ لأننا جميعاً بلا استثناء نُعاني من هذا الهُراء !
وسامحني إذا رأيت أن أسلوبي حاد بعض الشيئ فى طرح هذا الموضوع .. ربما لأنه يلمس وتراً حساساً عندي !
************************
أولاً : عروض المكالمات المجانية والرصيد التى لا تتوقف
هذه الراوبط التى تجدها فى كل مكان حولك بمُجرد دخولك على الفيسبوك : ادخل الرابط وانشره لأصدقاءك وسوف تقوم شركة ( أي شركة اتصالات كبيرة ) بإرسال رصيد مجاني لك ، وهدايا .. ومفاجآت .. وسيارات .. وقصور فخمة فى الساحل الكاريبي .. إلخ
كل هذا هُراء ياسادة .. شركات الإتصالات لا تفعل شيئاً سوى سحب النقود منك بأي ثمن .. كما أنها لن تُرسل لك رصيداً مجانياً من خلال نشر روابط على الفيسبوك أو رسائل على البريد الإليكتروني !
ثانياً : البريد الإليكتروني والفيسبوك سوف يُصبحان مقابل نقود !
هذه الإشاعة التى صدّعوا رؤوسنا بها .. البريد الإليكتروني ( خصوصاً الهوتميل والياهو ) سيكون مقابل نقود ..عظيم ، ما المطلوب منا اذن حتى نخرج من هذه الورطة ؟ .. طبعاً أن تُرسل هذا التحذير ( أو الرابط ) لعشرين شخصاً من أصدقاءك أو من هم على لائحة الأسماء عندك فى البريد !!
هذه الإشاعة التى يتناقلونها تقريباً منذ تأسيس خدمة الانترنت ولا تتحقق أبداً .. الجميل أن الكثير جداً جداً جداً يُصدقونها ، ويُرسلون رسائلهم ومنشوراتهم بحماس يُحسدون عليه لأصدقائهم .. ودائماً نكون نحن أحد – أصدقاءهم – طبعاً !
ثالثاً : اعرف من الذي يرى البروفايل الخاص بك على الفيسبوك
عن طريق اقتحام جميع الروابط التى تُؤكد لك أنه بمجرد الضغط عليها ، ستعرف من الذي يرى البروفايل الخاص بك على الفيسبوك خلسة .. وطبعاً بمجرد الضغط عليه ، سيقودك إلى الخطوات المعتادة التى يأتى على رأسها : أرسل هذا الرابط إلى 30 من أصدقاءك .. لتزيد من تعاستك وتعاستهم !
دعنا نختصر : لا يوجد شيئ فى الكون اسمه أن تعرف من يرى البروفايل الخاص بك على الفيسبوك من خلال الضغط على روابط مجهولة .. وإن أقسموا لك أغلظ الأيمان .. اتفقنا ؟!
رابعاً : المكالمات من أرقام مجهولة تُسبب السرطان ..
وهي لعَمري واحدة من أكثر المنشورات والرسائل عبقرية .. الرسالة التى تُحذّرك أن هناك أرقام غريبة مجهولة تقوم بالإتصال بالأشخاص ، وأنك اذا قمت بالرد على هذه الأرقام ، فبمجرد أن تضع الهاتف على اذنك فستسمع صوت أزيز غريب .. هذا معناه أنك سُتصاب بالسرطان خلال أيام ، وستكون راقداً فى القبر بعد عدة أشهر ..
أما موضوع وضع الهواتف الجوّالة بالقرب منك أثناء نومك سوف يُصيبك حتماً بسرطان المخ .. او تصلب الشرايين .. أو سيصيبك بلوثة عقلية .. او أن ذلك هو السبب فى أنك تنهض من نومك مُرهقاً بشكل مُبالغ فيه ..
ثم تأتي الجمُلة الأبدية : لو أنك قمت بوضع ( بيضة ) بين هاتفين لمدة نصف ساعة ، فإنها ستنفجر .. أو ستتحول إلى بيضة مسلوقة .. ( كدليل أنك فى خطر داهم )
هذا هُراء لا يتداوله المستخدمون فى بلادنا فقط على أية حال .. الغربيون يُنافسونا فيه كذلك .. أو ربما هم الذين صدّروه لنا .. ولكنه ينمو ويترعرع فى بلادنا بحماس يثير الإعجاب فى الواقع !
خامساً : صاحب الرسوم المسيئة للإسلام مات مُحترقاً ..
قلنا أكثر من مرة فى مجلة أراجيك بدون أدنى مواربة : أنت غيور على دينك وإسلامك وتريد أن تفديه بروحك وحياتك .. اذن عليك أن تقوم بالكثير من الأنشطة الواقعية تُعيد بها الأمجاد لدينك وأمتك وكرامتك وكبرياءك ، بعيداً عن وضع مثل هذه المنشورات على الفيسبوك ، وأن ترسلها بحماس عبر الآلاف فى البريد الإليكتروني ..
هذا الغباء – اعذرني – يجعلهم يسخرون منا أكثر .. ويُقدم صورة سلبية أكثر عن أمتنا ، الإسلام برئ منها ومن أتباعها ..
الرسّام الدانماركي صاحب الرسوم المسيئة للإسلام حي يُرزق – للأسف – ولم يمت محترقاً كما صدّعوا رؤوسنا عدة سنوات.. رجاءاً حاولوا قبل أن تُصدقوا أي شيئ وتُشاركونه بحماس على صفحات الفيسبوك أو إرساله للآخرين ، فقط أجروا بحثاً سريعاً للتاكد من الأخبار..
حتى لا نظهر جميعاً بصورة البُلهاء بسبب حماس زائد !
سادساً : تحداني ( أحدهم ) أن أجمع مليار علامة إعجاب ..
( أحدهم ) هذه تتنوع باختلاف غرض الصفحة .. لو كانت صفحة دينية ستجدها : تحداني ( مسيحي) ان أجمع مليار علامة إعجاب للإسلام .. وبعدها سوف يعتنق الإسلام .. والعكس طبعاً : تحداني ( مسلم ) ان أجمع مليار علامة إعجاب للمسيحية.. وسوف يقوم باعتناق المسيحية ..
اذا كانت الصفحة رياضية ، ستجدها : تحداني ( برشلوني ) أن أجمع مليار علامة إعجاب لريال مدريد .. وسوف يقوم بتشجيع ريال مدريد للأبد ، لأنه – بعد أن يرى المليار علامة إعجاب – سوف يدرك أنه كان على خطأ طوال سنوات تشجيعه لبرشلونة ، وأنه لم يكن يعرف أن ريال مدريد بهذه العظمة !
أما أكثرها إثارة للغيظ على الإطلاق :
تحداني يهودي أن اجمع مليار علامة إعجاب لفلسطين .. وبعدها سوف يقرر الرحيل طواعية من الأراضي المحتلة ، وسيعود إلى وطنه فى اوروبا وأمريكا ، بعد أن يُدرك عظمة العرب وكبرياءهم !
قس على ذلك نفس المنهجية ، بتغيّر موضوعات الصفحات والإهتمامات ..
لا أحد يغير دينه من أجل كثرة علامات الإعجاب يابُني .. ولا يوجد من يغير اهتماماته الرياضية لمجرد كثرة علامات الإعجاب بالفريق المنافس .. وفلسطين لن تتحرر اذا جمعتم لها مليار علامة إعجاب على الفيسبوك..
والاهم من ذلك .. عدد مستخدمي الفيسبوك ( فى العالم كله ) لم يصل إلى المليار سوى من عدة أشهر .. لذلك أنت فى حاجة إلى أن يقوم مستخدمي الفيسبوك فى قارات العالم كله بوضع علامة اعجاب على منشور صفحتك ، حتى يتحقق حلمك !
سابعاً : الأحلام التى تأمر صاحبها بنشر الـ ( Post ) على الفيسبوك..
وإلا سيموت مُحترقاً ، أو ستصيبه كارثة مُخيفة .. أو أنه اذا قام بتنفيذ ذلك ، فسوف يسمع خبراً ساراً خلال أيام ..
الرؤية التى حلم بها أحدهم أن فلان ( بتنوع الرموز الدينية ) قال له أخبر الناس بكذا .. وأنهم لو نشروا هذه الرؤية فستأتيهم أخبار مُفرحة جداً .. وانهم اذا لم ينشروها ، فستنهال عليهم اللعنات ..
أيضاً المنشورات التى تؤكد لك أنك لو لم تقم بنشرها ، فمعنى ذلك أنك شيطان حقيقي مليئ بالذنوب ، ثم الجُملة الخالدة : اعلم أن ذنوبك هي التى منعتك .. ويجب عليك التوبة سريعاً .. ثم تعيد مشاركة المنشور على صفحتك طبعاً ، كدليل على التوبة !
ثامناً : أرامل الزعماء الأفارقة يثقون بك دوناً عن بقية البشر ..
الرسالة التى جاءتنا جميعاً فى وقت من الاوقات – وإن لم تعد مُنتشرة هذه الأيام – :
أرملة الزعيم الأفريقي ( كوكو واوا ) الذي كان رئيساً للبلاد فى أنجولا أو بتسوانا ، وقام عليه الجيش بإنقلاب عسكري وقتلوه شرّ قتلة .. تُرسل لك أرملته أنت تحديداً على بريدك الاليكتروني ( دوناً عن باقي البشر ) تُخبرك بأنها تثق بك جداً ، وتُطالبك بأن تذهب إلى جامايكا لتقوم بسحب مبلغ 10 ملايين دولار هو كل ما تبقى لها من الدنيا ، ولكنها عاجزة عن السفر إلى هناك ..
وبمجرد حصولك على المبلغ ، فسوف تقتسمه معك .. هي تأخذ 5 ملايين .. وأنت تستلم 5 ملايين ، نظير مُساعدتك وسفرك الطويل إلى جامايكا ..
لو تعتقد أن هذه الرسالة سخيفة ، وأنها شديدة الوضوح بأنها مُلفّقة .. فيُسعدني أن أخبرك أنها انطلت على الكثيرين فعلاً فترة من الفترات .. وأن هناك من كانوا يذهبون إلى جامايكا فعلاً..
ولكنهم لا يعودون أبداً .. لأسباب مجهولة
تاسعاً : بيل غيتس يتبرع بثروته كلها ..
ثم تجد التعليقات تنهال على هذا المنشور – أو ما يُشبهه – أنه كم هو شخصية عظيمة .. وأنه رغم كونه ملياردير إلا أنه لم يبخل على الناس .. ثم تتحول التعليقات إلى سباب وشتائم تنهال على العرب الذي يسبحون فى الأموال الطائلة ، ويتركون شعوبهم فقراء معدمين ..
الحقيقة أن الرجل يتبرع بمبالغ طائلة فعلاً ، وله أنشطة خيرية هائلة فى الولايات المتحدة وخارجها ، ولكنه لم يتبرع بثروته كلها كما تقول هذه الرسائل دائماً ..
وسؤال : اذا كنت مكانه ، وتملك 65 مليار دولار .. هل ستتبرع بها – كلها – لحكومة بلادك وللجمعيات الخيرية ؟! .. فكّر قليلاً قبل الإجابة من فضلك
عاشراً : الياناصيب والمسابقات التى تربحها بلا توقف ..
اذا قمت بجمع كل رسائل البريد الإليكتروني التى تصلك وتخبرك بأنك ربحت مسابقات الياناصيب – في آخر ثلاث سنوات مثلاً – .. ربما تكون الآن تجلس على ثروة ضخمة وأنت لا تدري .. كل ماكان عليك هو أنت تذهب إلى بنك ( ….. ) ، وتدفع رسوم استلام هذه الاموال .. ولكنك كنت متشككاً ولم تقم بهذه الخطوة للأسف..
هذا مايريدون ان يقنعوك به !
أما عن ( ناتالي ) الروسية الحسناء ، التى تُطاردك فى كل رسالة في بريدك إليكتروني تقريباً ، وتخبرك ان صورتك قد لفتت نظرها واعجاب صديقاتها الحسناوات ، وأنهن يحترقن شوقاً كل يوم حتى تدخل إلى الروابط – إياها – للحديث معهم .. فأعتقد اننا جميعاً كشباب نعرف أن هذا هُراء..
ولكنه هُراء جميل على كل حال ، بعكس كل الذي ذكرناه سابقاً
**********************
أحد المُستخدمين العرب كان قد علّق على مثل هذه الامور ، قام بحسبة ربما تبدو غير معقولة.. ولكنها تُشير – فعلاً – أن هناك خلل ما يجعل هذه الرسائل والمنشورات تنتشر في بلادنا بهذا النحو المذهل.. قال :
” عندما يقرأ خمسون ألفاً من المستخدمين العرب هذا الكلام الفارغ .. ونفترض أنهم يأخذونه على محمل الجد .. يستغرق كل واحد منهم خمس دقائق للقراءة ثم يرسلها لخمسة افراد .. أي خمسون الفاً مضروباً فى خمسة فى خمسة .. اي 173 يوماً .. خمسة شهور ونصف وضائعة في هذا الهُراء ! .. ببساطة قم بإرسال هذه الرسائل الفارغة إلى الجميع لو أردت أن تضيع من عمر هذه الامة خمسة أشهر ! “
على الرغم من أن تعليق هذا المُستخدم ينتشر بدوره على مواقع الاعلام الاجتماعي والبريد الإليكتروني بشكل كبير هو أيضاً .. ويطلب أن يتم اعادة إرسالها ..
هل كان هو أيضاً ينوي أن يصير طريقة أخرى لتضييع وقت الأمة ، ولكن بمحتوى أكثر ذكاءاً ؟!
أم ترى أننى أنا الذي أصبحتُ مصاباً بنوع من الوسواس القهري لأي منشور على الفيسبوك او البريد الإليكتروني ؟!
ساحة النقاش