يُقال «رب أخ لم تلده أمك»، وكثيرون منا من يأنس لصديق فيكون هذا الصديق أكثر من أخ، في السراء والضراء، وقد أخذت «المدنية» أو «العولمة» كثيراً، وأثرت في القيم الاجتماعية والأخلاقية، فغدا أفراد الأسرة الواحدة لا يجتمعون على مائدة أو في مكان إلا لماماً، وإن اجتمعوا حالت وسائل الاتصال والتقنية دون تواصلهم، ولو جمعهم مكان واحد، انشغل كل في هاتفه «البلاك بيري» أو غيره، وكل يغني على ليلاه. يقال: الإخوة ثلاثة: أخٌ يخلص لك ودّه، ويبلغ في محبتك جهده. وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته، من دون رفده ومعونته. وأخٌ يلهوق لك لسانه، ويتشاغل عنك بشأنه، ويوسعك من كذبه وايمانه.
قال المثقب العبدي:
فإمـــا أن تكون أخي بصدقٍ فأعرف منك غثّي من ثميني
وإلا فاجتنبني واتخذني عدوّاً أتقيك وتتّقيني
وقال أوس بن حجر:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي
يسوءك إن ولّى ويرضيك مقبــــلاً
ولكن أخوك النائي ما دمت آمنـاً
وصاحبك الأدنى إذا الأمـر أعضـلا
وقال آخر:
لعمرك ما ودّ اللسان بنافـــــــعٍ
إذا لم يكن أصل المودّة في القلب
وقال أبو حارثة المدنيّ: ليس لمملولٍ صديقٌ، ولا لحسودٍ غنىً، والنظر في العواقب تلقيح العقول.
وقال العباس بن الأحنف:
أشكــو الذين أذاقــــوني مودّتهم
حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
واستنهضوني فلمـّا قمت منتهضاً
بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا
ونحوه قول المجنون:
وأدنيتني حتى إذا مــــــا سبيتني
بـقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح
تجـــــافيت عنّي حين لا لي حيلةً
وخلّفت مـــا خلّفت بين الجوانح
وقال آخر:
ولا خير في ودّ إذا لـــــم يكن له
على طول مرّ الحادثــــــات بقـاء
وأنشد ابن الأعرابي:
لحا اللّه مـــن لا ينفع الودّ عنده ومن حبله إن مدّ غير متين
ومن هو إن يحدث له الغير نظرةً يقطع بها أسباب كلّ قرين
وقال أبو قبيل:
ولا تصحب أخا الجهل وإيّـــــــــــــــاك وإيّـــــــــاه
فكم من جاهـــل أردى حليمـــــــاً حين آخــــــــــاه
ساحة النقاش