سوء المزاج عند الشيخوخة يصيب الرجال أكثر من النساء

بعض الناس يطلقون على تقطيبة الجبين التي ترتسم على وجه المسن المتجهم الذي تآكلت نضارته بسبب التجاعيد “عقدة إزعاج الرجل المسن”. أما الكاتبة البريطانية كارول فاير، فتصطلح عليه “متلازمة الرجل سريع الغضب”، في إشارة إلى الحالة التي يغدو عليها بعض الرجال عند دخولهم مرحلة الشيخوخة. يقول بعض الباحثين إن معظم الرجال المسنين لا يستشيطون غضباً لأتفه الأسباب بتخطيط إرادي مسبق، بل إن تدني إفراز أجسامهم لهرمون التستوستيرون (هرمون الذكورة) هو الذي يدفعهم إلى إصدار رد فعل كهذا، وتعكر صفو مزاجهم نتيجة حدوث أشياء كانوا بالأمس القريب جداً يتقبلونها بمرح وانشراح هو في الواقع تعبير ضمني للنظرات التي ينظر بها المجتمع إلى المسن، والتي تكون صارخة للأسف بكثير من الشفقة والإدانة غير المبررة في الوقت نفسه.

مع قرب استشراف الرجل عتبات الستين، تبدأ طباعه في الاحتداد وتصير قسمات وجهه قليلة الانشراح كثيرة التجهم. ولا يعد هذا الأمر مجرد صورة نمطية تتناقلها الثقافات الشفهية لعدد من الشعوب، بل إن للأمر علاقة بالتغيرات الهرمونية التي تحدث للرجل عند التقدم في العمر، كما يقول خبراء من عيادات “مايوكلينيك” الأميركية. فتراجع إفراز الجسم لهرمون التستوستيرون يؤدي إلى سوء مزاج الرجل خصوصاً، بحسب الدكتور رضوان شابسيج، طبيب المسالك البولية ورئيس الجمعية الدولية لصحة الرجال في نيويورك سيتي. ويقول شابسيج “التستوستيرون هرمون ينمي العضلات ويقلل الدهون في الجسم، ويؤثر على طاقة البدن ويحسن الرغبة الحميمية. غير أن لديه بالمقابل آثاراً عصبية نفسية”. ويضيف “نجد لدى بعض الرجال أن غالبية تلك الآثار تكون مرئية وجلية، وتتجسد غالباً في سوء المزاج وسرعة الغضب”.

سرعة الغضب

 

تستخدم سرعة الغضب لوصف سوء المزاج في مسح الاستبيانات من أجل معرفة مدى تدني مستوى إفراز التستوستيرون. ومن بين الاستبيانات التي يُطالب كثير من المرضى الأميركيين بتعبئتها استبيان اختبار عن نقص الأندروجين لدى المتقدمين في السن (ADAM). ويعد الأندروجين من أسرة الهرمونات التي تتحكم في تطور الملامح العضلية. ويقول سادس سؤال يشمله الاستبيان “هل تجد نفسك حزيناً أو سريع الغضب؟”

 

ويقول الدكتور سابشيج “المرضى الذين يعانون من تدني إفراز هرمون التستوستيرون يخبرونني أنهم يستشعرون قدرة أقل على التركيز، ويجدون أنفسهم أقل قدرة على تحمل اختلافات الآخرين وتفاصيل حياتهم اليومية، بمن فيهم أفراد العائلة والأصدقاء والزملاء والزبائن”. ويضيف “مهما فعلت، تجد الناس من حولك، وتشعر بالغضب بسرعة. ولعل السبب الرئيس في عجز هؤلاء عن تحمل الآخرين والتعامل مع محيطهم بإيجابية هو تراجع التستوستيرون الذي تفرزه أجسامهم”.

ويقول شابسيج إن بعض الأمراض الأيضية كأمراض الكلى والسكري تتسبب أيضاً في تدني إفراز هرمون التستوستيرون. ومن المعلوم طبعاً أن أكثر الناس قابلية للإصابة بهذين المرضين هم المتقدمون في العمر والمسنون.

ولدى الرجال الأصحاء، تبقى مستويات التستوستيرون في حدودها الطبيعية إلى غاية بلوغ 60 سنة، ثم تبدأ في التراجع التدريجي بعد ذلك، كما أثبتت دراسات عديدة. ووفق الجمعية الأميركية لعلم الغدد الصماء السريري، فإن 30% من الرجال الذين تتجاوز أعمارهم 75 سنة يعانون من انخفاض مستويات التستوستيرون. ولكن تبقى مسألة حاجة الرجال إلى علاج حالات تدني التستوستيرون من عدمه عند التقدم في العمر محط نقاش وجدل، بحسب عيادات “مايوكلينيك” الأميركية.

بوح قليل

لا يحدث سوء المزاج دوماً بسبب الهرمونات أو بعض المشاكل الصحية الأخرى. فالرجال لا يميلون كما النساء إلى مشاطرة الآخرين همومهم وهواجس قلقهم حول ما يترافق مع التقدم في العمر، ما يجعلهم أكثر عرضة للآثار التي يتسبب فيها كبت هذه المشاعر في الداخل والمعاناة في وحدة. من جهتها، ترى فاير أن سوء مزاج المسنين وسرعة غضبهم قد تحدث بسبب التغيرات الكبيرة التي تطرأ على الرجال في مرحلة الشيخوخة في حياتهم المهنية بعد التقاعد عن العمل وتناقص أنشطتهم وتفاقم شعورهم بالفراغ والملل مع الوقت.

وتقول “النساء يبقين عادة محاطات بصديقاتهن اللائي يثرثرن معهن حتى عند التقدم في العمر. ونميل نحن النساء إلى التحدث مع صديقاتنا عن كل مشاكلنا الشخصية. كما نحرص أكثر على الاهتمام بأنفسنا وصحتنا أكثر مما يفعل الرجال. ولذلك أجد أن صفتي سوء المزاج وسرعة الغضب تكادان تكونان مقصورتين على السواد الأعظم من الرجال دون النساء”.

وترى فاير أن شعور الرجال بتراجع أدوارهم في الحياة، خصوصاً أولئك الذين تكون لها مناصب مهنية عالية قبل تقاعدهم، يؤدي إلى إصابتهم باكتئاب حاد في أسوأ الاحتمالات، وبسوء المزاج وسرعة الغضب في أحسن الحالات.

اعتراف وإقرار

تعترف فاير أن زوجها كان من أكثر الناس تفاؤلاً ومرحاً، لكن مزاجه بدأ يسوء بعد احتفاله بعيد ميلاده الستين. وتضيف “تحدثت مع نساء أخريات لهن أزواج فاتوا عتبة الستين، وقُلن لي إنهن لاحظن على أزواجهن الشيء نفسه بعد دخولهم مرحلة الشيخوخة”.

وبالنسبة لجون فاير الذي توقف عن إدارة شركته الخاصة بعد تقدمه في السن، فإنه لا يخفي شعوره بافتقاده دوره السابق. وهو يرى أن تحوله من شخص مرح ونشيط ومتفائل إلى شخص سيئ المزاج سريع الغضب هو نتيجة طبيعية للنظرة السائدة التي يرمق بها المجتمع الغربي كل شخص يتجاوز 60 سنة.

ويقول جون “من بين الأشياء التي حزت في نفسي كثيراً وأثرت علي هي اكتشافي عند إشرافي على إكمالي عقدي السادس أن المجتمع يبدأ بالنظر إليك بنوع من الشفقة وكأنك شخص انقضت رسالته في الحياة وانتهى دوره في المجتمع. وأنا أشعر أن هذه النظرة غير عادلة ولا منصفة بالمرة. فأنا أومن أن أي رجل مسن يمكنه تقديم الكثير عند تقدمه في العمر، مهما كان دوره الاجتماعي ومجال عمله. وأنا أفترض أن سوء مزاجي هو نوع من التعبير عن رفض هذه النظرة النمطية التي يرمق بها أفراد المجتمع كل رجل مسن، حتى وإن ابتسموا له وجاملوه”.

ويضيف جون ممازحاً “ليس هذا كل ما في الأمر. بل إنني أجد مرات عديدة أن تقطيبي لحاجبي أو ادعائي الغضب هو إحدى حيلي لفرض نفسي وإثبات ذاتي، وأحياناً للضحك على نفسي ورثاء حالي والإقرار الضمني بما آل إليه وضعي!”

هشام أحناش

المصدر: موقع “msnbc.msn.com”
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 82 مشاهدة
نشرت فى 1 يناير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,620