اليافعون من أكثر ضحايا التنمر والتحرش على الإنترنت
بقدر ما جلبته التكنولوجيا من تسهيلات وحياة أسهل وأرغد للناس، بقدر ما جعلت حياة الآباء والمربين أصعب، ومحفوفة بالتحديات. ولن نجانب الصواب أو نبالغ لو قلنا إن آباء وأمهات اليوم يوجدون في وضع لا يحسدون عليه على مستوى إمساكهم بزمام الأمور التربوية وقدرتهم على توجيه أبنائهم في مرحلتي الطفولة واليفاعة للتعامل مع الأجهزة الذكية والوسائل التكنولوجية والافتراضية، بما يحقق لهم الاستفادة اللازمة ويُسهم في بناء شخصياتهم وإغناء أرصدتهم العلمية والمعلوماتية، دون أن يعرضهم لمخاطر. فمن جهة، يرغب الآباء في منح أبنائهم الشعور بالاستقلالية والمسؤولية واتخاذ القرارات بأنفسهم، والتعلم من تجارب الآخرين بأنفسهم حتى تنضج شخصياتهم أكثر. ومن جهة أخرى، ينظر الآباء عموماً والأمهات خصوصاً إلى أبنائهم مهما كان عمرهم وكأنهم أطفال صغار في حاجة دائمة إلى الرعاية والحماية من كل الشرور البرانية المحتملة.
تحول جذري
بسبب التحول الجذري الذي حدث في نمط العيش أفراد مختلف المجتمعات، بمن فيهم الأطفال واليافعين والشباب، أصبح للإنترنت حضور طاغ في الحياة اليومية للغالبية العظمى من الناس. فاليافعون الأميركيون والأوروبيون يقضون ما لا يقل عن 7,5 ساعات يومياً في تصفح مواقع الإنترنت واستخدام الأجهزة الإلكترونية والذكية، ومعظم هؤلاء لهم من المهارة والحذاقة في استخدام التكنولوجيا والإبحار في عالم الإنترنت والنفاذ إلى خباياه ما يفوق بكثير ما لآبائهم. ولا يفكر الآباء عادة في الباب الذي يفتحونه على أبنائهم عند مناولتهم جهازاً ذكياً لأول مرة. فمهما بذلوا من جهد لتوجيههم ومراقبة تحركاتهم على الإنترنت وتعقب الصداقات الافتراضية والواقعية التي يعقدونها، فإن البحر الذي يسبح فيه هؤلاء اليافعون يبقى أكثر اضطراباً بحيث لا يترك أحداً يعبره دون حوادث تتراوح من التنمر إلى التحرش، إلى التورط في صداقات غير مرغوب فيها، ثم إلى انتهاك الخصوصية ووصولاً إلى تعريض الحياة الشخصية الآنية والمستقبلية لمخاطر شتى، منها ما يبقى حبيس شاشة الإنترنت، ومنها ما ينتقل إلى الحياة اليومية والواقع المعيش، ويطارد الشخص بعد تخرجه ورغبته في الحصول على الوظيفة التي يتمناها، وقد يكون جانب من ماضي أنشطته على الإنترنت، أو صورة متسربة هناك أو هنالك سبباً في حرمانه من هذه الوظيفة أو تلك. ومهما تسلح اليافعون بثقافة منيعة لتحصينهم من مخاطر الإنترنت المحتملة، فإن وقوعهم في أخطاء تلو الأخطاء بسبب قلة خبرتهم في الحياة وبراءتهم النسبية يبقى أمراً حتمياً، ويصبح رهان الآباء هو تمني استفادة أبنائهم من الأخطاء التي يقعون فيها، وليس عدم الوقوع فيها بتاتاً.
أدوات المراقبة
على الرغم من أن بعض الراشدين يعتقدون أن أدوات المراقبة الأبوية المتاحة على المنتديات والمواقع الاجتماعية والإلكترونية توفر للمستخدمين القصر الحماية اللازمة وتجعل نفاذهم ينحصر في المحتويات التي تناسب أعمارهم، فإن اليافعين يتمكنون بسهولة من فك أي رمز للمراقبة الأبوية والولوج إلى كل ممنوع يرغبون فيه. ومن هذا المنطلق، ينصح الاختصاصيون التربويون الآباءَ بمصادقة أبنائهم في المواقع التي يستخدمونها، سواءً كانت فيسبوك أو تويتر أو غيرها، فذلك يتيح لهم معرفة الأشياء التي يوافق الابن أو البنت على إظهارها لباقي المستخدمين، وما يناقشه معهم من مواضيع وقضايا، وإبداء الاستعداد لمناقشة أي موضوع دون حرج، وذلك سعياً لتقليل الخسائر وحماية الأبناء من مجرمي الإنترنت ومتصيدي الزوار الجدد عبر استغلال قلة حيلتهم وخبرتهم.
ويوصي خبراء تربويون أميركيون بالحرص على تشغيل أداة تحديد موقع صاحب الجهاز الذكي حتى يتسنى لهم معرفة مكان وجود الابن أو البنت عند الوجود خارج البيت، والاطلاع على نشاط الابن أو البنت على الفيسبوك، والتغذيات الراجعة التي تصدر منه للآخرين والصور التي يبعثها، بالإضافة إلى معرفة قوائم اتصال الأبناء القصر وإقناعهم بشطب غير المناسب أو الخطير منها. ولا يعتبر اختصاصيو التربية قيام أحد الأبوين أو كليهما بهذا الأمر تدخلاً في خصوصية الأطفال واليافعين، لأن دافع الآباء الأساسي هو حماية أبنائهم من جهة، ولأن هؤلاء الأبناء لا يزالون قاصرين من جهة أخرى. ويوصي الخبراء التربويون الآباء الذين يحتاجون إلى إرشادات ومشورات عندما يحاولون مساعدة أبنائهم اليافعين عند الوقوع في ورطة أو مأزق بسبب سوء استخدام الإنترنت أو الوقوع ضحية لقرصان أو شخص افتراضي أن يراجعوا أحد المستشارين التربويين لتصميم رد الفعل الأنسب والأكثر فعالية.
ساحة النقاش