لا تزال الصورة الرسمية للأسد تشير إليه على أنه «أمل» الأمة السورية، إلا أن هناك مؤشرات متزايدة تبين أن الرجل الذي يجلس على رأس النظام السوري المتدهور لم يعد لديه بصيص من ذلك الأمل من أجل نفسه، إذ تسلط الروايات التي تتحدث عن الأوضاع داخل النظام السوري في الأيام الأخيرة ضوءا جديدا على ما تحدثه الحرب الأهلية التي شارفت على إكمال عامها الثاني من عبء نفسي على الأسد، حيث أظهرت مدى شعور الرئيس السوري بالعزلة والخوف وسط ما يبدو من أن نظامه يقف على شفا الانهيار من حوله.

وبعد شهر من الانتكاسات شبه المتواصلة التي لحقت بنظامه، اختفى الأسد تقريبا عن أنظار الناس خلال الأسابيع الأخيرة، فلم يجر أي حوارات أو يلق أي خطب، ولم يسجل أي ظهور «حي» أمام كاميرات التلفزيون الحكومي. ويكشف مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون الآن عن أن الأسد قد اختفى بالقدر نفسه عن عالم رئاسته الآخذ في الانكماش، ليقصر اتصالاته على دائرة صغيرة من أفراد الأسرة والمستشارين من أهل الثقة.

وفي إهدار لأي جهد علني من أجل حشد قواته المحاصرة، أصبح اهتمام الأسد منصبا على سلامته الشخصية، وذلك بحسب ما ذكره المحللون وما جاء في الروايات الإخبارية. وقد رصدت روايات الإعلام السوري والناشطين هذا التحول، حيث تتحدث هذه الروايات عن مدى حرص الرئيس على زيادة التدقيق في التفاصيل الأمنية، من خلال الانتقال إلى غرفة نوم مختلفة كل ليلة، وتشديد الرقابة على إعداد الطعام من أجل إحباط أي محاولات اغتيال، إلا أن هذه الأقاويل لا يمكن التأكد منها بصورة مستقلة. وعلاوة على ذلك، فاستنادا إلى روايات من منشقين لم يمكن التحقق من مدى صحتها، يقول مسؤولو استخبارات شرق أوسطيون إن الأسد قد توقف عن الخروج خلال ساعات النهار، خوفا كما هو واضح من أن تصيبه رصاصة من قناص أو أي نيران أخرى. وذكر مسؤول شرق أوسطي رفض الإفصاح عن اسمه بسبب التطرق إلى معلومات استخباراتية حساسة، أن «تحركاته توحي بحالة دائمة من الخوف».

ومع ذلك، فإن كلام الأسد ما زال يوحي بالتصميم على البقاء في السلطة، ففي آخر حوار متلفز أجراه مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعهد الرئيس السوري بأن «يعيش في سوريا وأن يموت في سوريا»، كما لم يبد عليه أي تغيير في رأيه أو يظهر أي استعداد يذكر للقبول بحل وسط أثناء الاجتماعات الشخصية التي عقدها مع مبعوثي الأمم المتحدة الذين زاروا دمشق هذا الأسبوع من أجل بحث خطة لتشكيل حكومة انتقالية. ويقول مسؤولون تمت إحاطتهم علما بهذه الاجتماعات إن الأسد كان يبدو رابط الجأش وواثقا من نفسه. وحتى أثناء انعقاد تلك الجلسات مع المسؤولين الأمميين، استمر إرسال الدبلوماسيين السوريين إلى موسكو - التي تعد واحدة من القلة القليلة الباقية من حلفاء الأسد - من أجل بحث فرص التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وسط تزايد مؤشرات اقتراب القوات المسلحة السورية من الانهيار في مناطق كثيرة من البلاد في مواجهة تزايد فعالية الهجمات التي يشنها الثوار.

ورغم أن الجهود التي بذلت سابقا من أجل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض عادت بخفي حنين، فقد أبدى المسؤولون الروس ومسؤولون داخل مجلس الأمن تفاؤلا حذرا بشأن الجولة الأخيرة من المحادثات، حتى في ظل التساؤلات التي يثيرها ما يحققه الثوار من تقدم على عدة جبهات بشأن ما إذا كانوا سيقبلون بأي شيء أقل من النصر الكامل. وقد ذكر مسؤول أممي طلب عدم ذكر اسمه لأنه ليس مخولا بالحديث عن هذا الموضوع «يبدو أن الأمور تسير بسرعة كبيرة. إن الأحداث على الأرض ربما ترتب الأمور قبل أن يتم ترتيب الأمور داخل المجلس أو في العواصم». وامتنع المسؤولون الأميركيون عن تناول الحالة النفسية السائدة داخل الدائرة الداخلية للأسد، غير أن مسؤولا كبيرا مطلعا على تقارير استخباراتية أشار إلى أن ما يحققه الثوار من تقدم مطرد نحو دمشق لا بد حتما أن يكون له تأثير. وأضاف هذا المسؤول، الذي اشترط الحفاظ على سرية اسمه بسبب تناوله معلومات استخباراتية «ربما ما زال الأسد يعتقد أن سوريا ملكه، إلا أن الإرهاق النفسي الذي يسببه الكفاح ضد عدو يمتلك التصميم والموارد لا بد أن يكون له أثره».

ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن الإحساس بالعزلة داخل القصر الرئاسي تزايد بفضل الانشقاقات الجديدة - التي كان أحدثها انشقاق رئيس الشرطة العسكرية السورية - بالإضافة إلى الخطوات التي تتخذها القلة القليلة التي تبقت من حلفاء سوريا من أجل النأي بنفسها عن الديكتاتور ذي الـ47 ربيعا. ففي ضربة نفسية قوية، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي بأن روسيا «ليست منشغلة أو مهتمة بمصير نظام الأسد». وقد علق المسؤول الاستخباراتي الشرق أوسطي على ذلك بقوله «إن تصريحات بوتين تمثل ضربة قاصمة، لأنه مع انسحاب الروس يزداد الإحساس بأن السفينة تغرق». كما تزايدت المخاوف بشأن السلامة الشخصية للأسد وطاقمه بفضل سلسلة من الهجمات التي تستهدف كبار مسؤولي النظام، حيث تسبب قيام أحد الثوار بتفجير اجتماع وزاري سري عقد في شهر يوليو (تموز) الماضي في مقتل 3 من كبار المستشارين الأمنيين لدى الأسد، كان من بينهم صهره الذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع.

كذلك فإن النظام يعاني من انتكاسات داخل ميدان المعركة، حيث فقدت قواته السيطرة على جميع محافظات البلاد البالغ عددها 14 محافظة، باستثناء محافظتين فقط، ويقول المحللون العسكريون إن الجنود السوريين يموتون بمعدل ألف جندي شهريا، وحتى وحدات النخبة يبدو أنها قد فقدت القدرة على شن هجمات يمكن المحافظة عليها. وقد ذكر جيفري وايت، وهو محلل عسكري سابق لدى «وكالة استخبارات الدفاع» التابعة لـ«البنتاغون»: «الاحتمالات الأكثر ترجيحا هي أن يتدهور موقف النظام أكثر فأكثر، أو حتى بصورة دراماتيكية، خلال الأسابيع المقبلة». ومع التراجع الظاهر في سيطرة النظام، بدأ الأسد في الاتكال على دائرة تتقلص باستمرار من المساعدين، وجميعهم تقريبا من أبناء طائفته العلوية. ويقول محللون أميركيون وشرق أوسطيون إن الحرم الداخلي للأسد يتكون من شخصيات عنيدة ومتشددة، ومن بينها بعض الشخصيات التي تبدو عازمة على التشبث بأماكنها حتى النهاية. ويقول أندرو تابلر، وهو مؤلف كتاب «في عرين الأسد» الذي يتحدث عن النظام السوري، إن مستشاري الأسد - على غرار رئيسهم - لم يبدوا أي لمحة استعداد للتوصل إلى حل وسط، مضيفا أنه رغم الجهود المتكررة التي تبذلها الحكومات الغربية من أجل إغراء مسؤولي النظام بالتخلي عنه «فإنه لم تحدث أي انشقاقات كبرى من جانب كبار المسؤولين العلويين».

ومنذ بداية الصراع، تنبأ العديد من الخبراء بأن تتخلى القيادات العلوية في النهاية عن الأسد أو - على العكس - أن يخون الرئيس أقاربه مقابل الحصول على وعد بتدبير ملجأ آمن له في المنفى، إلا أن أيا من هذين التوقعين لم يتحقق، رغم كل ما يعانيه النظام من خسائر في الأراضي والجنود والموارد وكذلك - على ما يبدو - الأمل. وينهي المسؤول الأميركي الكبير حديثه قائلا «إن أذرع التحكم لدى الأسد تبلى، ومجال سيطرته يتضاءل، بيد أن جوهر النظام هو مثل البندقة الصلبة التي لا يبدو أنها قد بدأت في التكسر بعد. رغم تصاعد الضغوط، فمن الصعب تحديد متى تأتي نقطة التحول، لأنه لا يوجد ما يوحي بأن الأسد من النوعية التي يمكن أن تفر من ميدان القتال».

المصدر: الشرق الأوسط
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 31 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,036