أثارت فتوى هدم الآثار الفرعونية التي أصدرها بعض رموز تيار ديني جدلاً شديداً بين العلماء في مصر، واستنكر علماء الدين اقتحام ادعياء الفتوى مجال الحديث عن الشريعة وتطبيقها بلا علم مما يسيء إلى صورة الإسلام. وطالب العلماء الأزهر بالقيام بدوره ومسؤوليته في التصدي لفوضى الفتاوى، خاصة التي تثير الفتنة، وتدعو إلى الخراب.وسط مطالبة بضرورة تحري مصادر الإفتاء والأخذ عن الجهات المعتمدة، والحرص من فوضى الإفتاء على القنوات الفضائية.

أحمد شعبان - طالب عدد كبير من الأئمة والدعاة وعلماء الأزهر، بضرورة توحيد جهات الفتوى الشرعية تحت مسمى وجهة واحدة يكون منوطاً بها إصدار الفتاوى الشرعية بدلاً من وجود العديد من الجهات كل منها يصنف حسب الهوى والانتماء، كما حدث في «مسلسل عمر بن الخطاب» الذي شهد معارك بين الرافضين لعرضه داخل مصر والموافقين على ذلك في بعض الدول الأخرى، وفتوى تحريم الزواج من فلول الحزب الوطني المنحل للشيخ عمر سطوحي الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر، والذي أفتى بأنه لا يجوز لأي مصري أن يزوج ابنته لأي عضو من أعضاء الحزب الوطني المنحل، وفتوى تأجير الأرحام، وأخيراً فتوى هدم الآثار التاريخية.

الصحابة

 

وعن الموقف الشرعي من التماثيل، أوضح مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل، أن التماثيل كانت محرمة في الماضي لأنها كانت تعبد من دون الله وحطمها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام لأنها لا تنفع ولا تضر، وعبادة التماثيل انتهت في أماكن كثيرة من العالم وألغيت واتخذت لأغراض أخرى غير دينية وفقدت قيمتها الدينية بدليل أن الصحابة عندما جاؤوا إلى مصر لم يحطموا الآثار الفرعونية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، ولم يكن أهل مصر يعبدونها، والتماثيل الأثرية التي تعود إلى الفترة الزمنية قبل الإسلام تعتبر تسجيلاً للتاريخ وليس لها أي تأثير سلبي على عقيدة المسلمين، ولهذا فإن الإبقاء على هذه الآثار ليس محرماً.

 

والقرآن الكريم ذكر قصص الأولين حتى نتخذ منهم العبرة والعظة وهذه القصص باقية حتى يومنا هذا ويعرفها الجميع بالرغم من مرور آلاف السنين على حدوثها وقياساً عليه، فإن الآثار إذا كانت تدخل تحت مبدأ «تلك آثارهم تدل عليهم»، فلا مانع شرعاً من الإبقاء عليها وهذه الآثار موجودة منذ العصور السابقة على الإسلام، ثم استمرت ولم يحطمها أحد من الحكام المسلمين لأنهم لم يروا فيها ضررا على عقيدة المسلمين وإنما هي مجرد آثار تاريخية ومزارات سياحية.

وأد الفتن

وطالب الدكتور واصل غير المتخصصين في الفقه الإسلامي بالتوقف عن إصدار الفتاوى غير الشرعية، خاصة التي تدعو لتدمير الآثار القديمة حتى يتم وأد الفتن التي يمكن أن تشتعل في العالم الإسلامي وتشوه صورة الإسلام والمسلمين في العالم مع ضرورة وقف نزيف الفتاوى على الفضائيات وضبطها لكي لا تتسبب في إحداث كارثة يختلط فيها الحق بالباطل بعد أن أصبح الكثير منهم يعرضون البرامج الدينية ويروجون للفتاوى الشاذة والغريبة من باب الديكور العام للقناة أو الصحيفة لجذب المشاهدين والقراء، وهذا لا ينفي المسؤولية التي تقع على عاتق من يتجرأ على التصدي للفتوى في هذه القنوات، ومعظمهم يسعون للظهور وينشدون الشهرة ويتطلعون للبهرجة الإعلامية وتسليط الأضواء والتلميع، وهم من غير أهل الاختصاص الذين يحق لهم الخوض في هذا الميدان.

نقوش المجسم

وبالعودة إلى التاريخ، أشار أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر الدكتور أحمد محمود كريمة إلى أنه بالنظر في تاريخ الدين الإسلامي، ففي صدر الإسلام وجدت نقوش مجسمة على الدنانير والدراهم غير العربية، وكانت تتداول وعليها صور الملوك من الروم والفرس، ولما فتح الصحابة العراق والشام ومصر وجدوا آثار حضارات قديمة أشورية وفرعونية فلم يهدموا التماثيل ولم يدمروا المعابد لأنهم يعرفون أن هذه حضارات وتراث للشعوب والدول وأنها تعد من الفنون الجميلة، فحافظوا عليها مما يدل على وعيهم السليم وفهمهم الصحيح للإسلام.

وقال: أما غير هذا من تأويلات البعض من تحريم أو إباحة أو إصدار فتوى بهدم التماثيل والآثار على إطلاقها من دون بصر بالأدلة والقواعد وسلامة الاستنباط فأمر بعيد تماماً عن العمل العلمي السليم والحكم التكليفي ينظر إلى ماهية الشيء من وجوب ومندوب وتحريم وكراهية وإباحة من دون اعتبار بمآل وجدوى هذا الشيء بمعنى أن عبادة التماثيل والآثار إن كانت تسمى آلهة وتعظم من دون الله، فهذه لا تجوز ولا يتعلل بأنها للسياحة أو غيرها قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، «سورة الحج، الآية 32». أما إذا كانت غير ذلك فمناط الحكم الاتفاق مع الآداب الشرعية، وهذه الآثار ليست بسنة تتبع ولا ببدعة تجتنب وعلى فرض أن التماثيل حرمت في صدر الإسلام إطلاقاً أو إجمالاً، فإن تلك لأسباب معروفة، وهي قرب عهد الناس من الوثنية امتثالاً للقاعدة الفقهية «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان».

منارة الإسلام

وحول فوضى الفتاوى وتوحيد جهات إصدارها وأهمية الرجوع إلى مرجعية إسلامية مثل الأزهر الشريف والمجامع الفقهية في العالم، قال أستاذ أصول الفقه الدكتور شعبان إسماعيل: إن بعض المتحدثين عن الإسلام ليس لديهم دراية كافية وبعضهم قد يكون له قراءات في بعض المذاهب لا تؤهله لأن يتحدث عن الإسلام، ولذلك يصدرون فتاوى غريبة مثل تأجير الأرحام وهدم الآثار التاريخية، ولذلك يجب أن يكون الأزهر المرجعية الإسلامية في إصدار الفتاوى فالأزهر أنشيء وافتتح ليكون منارة علمية للعالم كله ينشر العلم الشرعي والفكر الإسلامي الصحيح، ويشمل كل المذاهب والمرجع للحديث عن الإسلام، بالإضافة إلى المجامع الفقهية في العالم.

وأضاف: هناك إجماع بين الفقهاء على أن الفتوى لا تجوز من غير متخصص امتثالاً لقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، فعلى المسلم أن يتفقه في دينه قبل أن يفتي الناس، وأن يكون عليما بما يقول، ولذلك كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوفون من الفتوى لعلمهم بالمسؤولية الكبيرة والخطيرة التي تقع على عاتق المفتي بالرغم من منزلتهم العلمية التي كانوا يتمتعون بها وشدة ورعهم لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار»، فإذا كانت هي حال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بالنا بهؤلاء الذين خرجوا علينا بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ويدعون العلم وما هم بعلماء وفتاواهم تثير الفتن، وطالب بتوحيد جهات الفتوى حتى لا نترك المجال لغير المختصين لإصدار الفتاوى

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,189,635