السخرية من الأطفال تؤذي شعورهم 

«أنت غبي» عبارة جارحة كثيرا ما تخرج من أفواه الآباء والمعلمين وهم في حالة غضب، من دون أن يلقوا لها بالا، غير أنها تشكل نظرة الطفل عن نفسه، وما هي في النهاية سوى رسالة سلبية تتراكم في ذاكرة الطفل حتى يصبح من العصي محوها عبر الزمن. في حين ينصح مختصون بضرورة تحاشي مثل هذه الألفاظ التي تترك آثارا سلبية على تطور الطفل النفسي، ونظرته إلى كيانه، مفضلين انتقاد أداء الطفل وليس شخصيته وصولا إلى أداء أكاديمي أفضل وشخصية أحسن وعلاقات اجتماعية أقوى.

هناء الحمادي - عبارة «أنت غبي» تتردد كثيرا في بيوتنا ومدارسنا، وتنطلق من ألسنة أقرب الناس للطفل والداه أو معلميه الذين يمثلون القدوة والشخصية المؤثرة في حياة الطفل. وقد تقال دون وعي بآثارها السلبية التي ستقع على الأبناء، والتي قد تكون سببا لانحرافهم أو أمراضهم النفسية أو فشلهم في حياتهم وقلة ثقتهم بأنفسهم. لكن يبقى السؤال ما هو تأثير تلك العبارة على الطفل.

معاناة حقيقية

 

تحكي الطالبة في المرحلة الثانوية لطيفة راشد، إنها ورغم كونها متفوقة في دراستها، وتملك الكثير من المواهب كالرسم وكتابة الروايات إلا أنها لا تجد حافزا من أهلها، ومع أن الكل يعرف إنها متميزة وذكية إلا أن والدها ينعتها بالغباء. وعن تجربتها الشخصية، تقول راشد «أبي يعتقد بأن أخي أذكى مني، ورغم ذلك فأنا لا أغضب، ولكني أغضب من وصفي بالغباء، ومع أني أتظاهر بأن الكلمة لا تؤثر بي لأني من النادر أن أبكي أمام أحد، إلا إن ذلك يجعلني منطوية اجتماعيا من كثرة الاستهزاء بطموحي».

 

وتصف ما ينتابها من شعور اتجاه تلك الكلمة الجارحة من والدها، قائلة «أحس إني مجردة من ثقتي بنفسي وبدأت أشك بإني فعلا إنسانة غبية فعندما أرسم لوحة لا ألقى سوى ما هذا؟ أنت تضيعين الوقت وعندما أحصل على علامات وتقديرات ممتازة أجد والدي بدلا من أن يقول لي «أحسنت»، يؤكد أني حصلت على ذلك بسبب الحفظ ولست الذكاء».

من جانبه، يقول خلف الرشودي، طالب بالمرحلة الإعدادية، حين تقوم والدته بمتابعة دروسه، كثيرا ما يسمع هذه الكلمة من والدته. وحول تأثير عبارة «أنت غبي» عليه، يوضح «والدتي لا تدرك تأثير ذلك اللفظ حين تنعتني بالغبي، فهذا الشيء يولد لدي شعورا بعدم الرغبة في متابعة دروسي أو الحصول على درجات مرتفعة». ويؤكد الرشودي «عندما لا أفهم درسا أو مسألة حسابية هذا لا يعني إنني غبي، بل أني أجد صعوبة في فهم ذلك، ونتيجة لتكرار تلك الكلمة أصبحت أشعر بالاكتئاب والعدوانية اتجاه زملائي الذي غالبا ما ينتهي بالعراك بالأيدي، كما إن المستوى الدراسي في تدهور من امتحان لآخر».

رد فعل

حول تأثير التشكيك بذكاء الطفل، تؤكد المتخصصة في تعديل سلوك الأطفال أمل يوسف، أنه غالبا ما تؤثر تلك الكلمة في إحساس الطفل بقيمته وثقته بنفسه، خاصة إن كانت تلك العبارة تقال بشكل متكرر. وتضيف «قد لا يقصد الأهل من هذه الألفاظ وصفهم بما تحمله الكلمة من معنى دقيق، بل يقصدون بها التخفيف من غضبهم وتوترهم، وأحيانا تخرج الألفاظ كردة فعل على أخطاء الصغار متجاهلين تأثيرها عليهم، ولو أنهم امتلكوا الأرضية الثقافية والعلمية لأدركوا كيف يحولون تلك العبارات السلبية إلى عبارات إيجابية وتربوية تحمل التوجيه والإرشاد دون الإهانة أو الإساءة». وتضيف «من الأجدى أن يمارس الوالدان الانتقاد الفعال بمعنى أن ينتقدا فعل الطفل وليس شخصيته». وتوضح «عندما تكون درجة الطفل في الامتحان دون المستوى المتوقع منه، فمن الأفضل أن يقال للطفل إنه لم يستغل وقته بطريقة صحيحة أو أنه لم يعط الاهتمام أو الوقت الكافي الذي يحتاجه للدراسة؛ فكلمات مثل هذه تساعد الطفل على معرفة مكمن المشكلة، وتساعده على إيجاد حلول لها ويعلم إن فعله هو المشكلة فلن يؤثر ذلك على نظرته لنفسه على انه إنسان فاشل بعكس إذا ما استخدمت كلمات مثل «أنت غبي»، فهذه الكلمة تضربه في صميم شخصيته وثقته بنفسه».

وتنصح يوسف أولياء الأمور والتربويين، قائلة «عندما تغضب من الطفل انتبه لكلماتك، فقد تصدر كلمات تؤذي مشاعر الطفل و تجرحه وتجعله يكره نفسه، خصوصا عندما يقال له غبي، فهذه الكلمة قد تنمي بداخله كره الذات ونزعة الانتحار، وستحبط معنوياته وستجعله يميل إلى الفشل. لذلك لا يجب استخدام كلمة غبي كثيرا مع الطفل، وعوض ذلك يمكن تشجيعه بطريقة غير مباشرة على أمر ما وإبعاده عن الأمر الآخر، دون استعمال تلك الكلمة».

سلوك خطأ

تؤكد الأخصائية النفسية لبنى السويدي أن الكثير من الأطفال في فترة الطفولة يكون لديهم خلل في نطق الحروف والكلمات، ونجد أن الأهل يضحكون ويسخرون من ذلك، ولكن بمرور الوقت يبدأ الطفل في فهم من حوله حتى ولو لم يظهر ذلك، ويبدأ في كتمان غضبه من سخريتهم، ومع الوقت تنمو بداخله كثير من العقد التي يعانى منها أهله عند كبره وهم لا يعلمون إنهم السبب في هذه العقد والمشاكل النفسية.

وتضيف أن «الأمر كذلك بالنسبة للدراسة، فقد نجد الطفل متفوقا في مواد معينة ويخفق في مواد أخرى، فالأجدر أن نشجعه على تقدمه في المواد المتفوق فيها، ونشجعه على التقدم في المواد التي لا يجيدها دراسيا، ونعينه على اجتيازها، ولكن الكثير من الآباء والأمهات لا يفعلون ذلك بل يلجأون إلى التقليل من شأنه بل ومقارنته بأخ له أو زميل وهو من أكثر الأخطاء أيضا التي يقع فيها الآباء، لأن الطفل بذلك يبدأ في كراهية من يقارن به، ويتعمد في هذا الوقت ألا يستجيب لهم بل يتعمد في التمادي لما هو يسلكه من سلوك خاطئ، بالإضافة إلى إلقاء بعض الكلمات غير المرغوب فيها على الطفل مثل «فاشل» أو «غبي»، وغيرها من المصطلحات التي يجب أن يتعامل بها الآباء مع أبنائهم لأنها ترسخ في أذهانهم»، مشيرة إلى أن تأثير تلك يجعل شخصية الطفل سلبية وليست إيجابية، بالإضافة إلى تنشئته كشخص غير سوي نفسيا، لديه إحساس بعدم الثقة في نفسه، ما ينعكس على علاقته بالآخرين في الكبر». وتوضح السويدي أن «معظم الأشخاص الذين يعانون من هذه العقد والمشاكل النفسية، إذا نظرنا إلى طفولتهم نجد أن لديهم طفولة مشوهة وقسوة في التعامل من قبل الأهل، فلابد من استخدام الأساليب الراقية في التعامل مع الأطفال وخاصة الألفاظ».

الاعتراف بالخطأ

يلفت الأخصائي الاجتماعي أيمن قاسم إلى أن الغريب في الأمر أن الآباء والأمهات يعترفون باقترافهم مثل هذه الأخطاء، ويستخدمون العبارات التي تضر بالطفل دون وعي بحقيقة ومدى تأثيرها بل يقولونها للتخلص من إلحاح الطفل ومشاكسته. ويضيف «تستخدم بعض الأمهات هذه الألفاظ من أجل أن يخافها أبناؤها بعد شعورها بأنهم لا يطيعونها، ولتخرج من ضعفها بعد تهديدها المتكرر للطفل بعودة أبيه، ولذلك فقدت هذه التهديدات قيمتها وأهميتها عنده لأن الطفل اعتاد سماعها». ويتابع «الخطأ في هذه العبارة أيضاً أنها توحي بضعف الأم واتكاليتها على زوجها، ولذلك يتكرس لدى الطفل أن أمه ضعيفة فيتمادى من دون خوف في ظل غياب زوجها المتكرر عن المنزل، الأمر الذي يجعل الضغوط تزداد عليها، وبالتالي تخرج عن هدوئها وتندفع لقول تلك العبارة التي تضر بأولادها».

وعن تأثير ذلك العنف اللفظي على نفسية الطفل سواء في البيت أو المدرسة. يؤكد قاسم أن هذه السلوكيات من العنف اللفظي تترك آثارا سلبية في البناء النفسي للطفل، ويتمثل في شعوره بالإحباط النفسي الشديد نظرا لاستشعاره أن المعادلة السلوكية غير متوازنة، فهو لا يملك من مقومات التوازن في هذه السلوكيات سوى الصمت مخافة الحرمان من درجات الأنشطة وأعمال السنة أو استدعاء ولي الأمر في حالة نطق بها معلمه»، مضيفا أن كل هذا يجعل الطالب يستشعر الظلم ويجعله كابتا لهذا الصراع غير المتوازن ما يستشعر معه رفض المدرسة، واستقبال المعلومة وهي بدايات للاكتئاب التعليمي والخطوة الأولى في تدهور المستوى التحصلي للطالب.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,530