درجة استفادة المتمرن تتأثر باللون الطاغي في الديكور الداخلي للصالة الرياضية أو إطلالتها
من المعروف في أوساط الباحثين عن “الرياضة الخضراء”، أن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق والفضاءات المفتوحة تحقق فوائد نفسية أفضل من تلك التي تتحقق داخل الصالات الرياضية والفضاءات المغلقة، فهم يرون أن فائدتها لا تقتصر على البدن فقط، بل تتعداها إلى تحسين المزاج ورفع مستوى تقدير الذات وزيادة الحافزية ودرجة الاستمتاع. غير أن دراسة جديدة نُشرت في العدد الأخير من مجلة “العلوم البيئية والتكنولوجيا”، ذهبت أبعد من ذلك، وقال منجزوها إن الآثار الإيجابية للرياضة الخضراء لا تتحقق فقط عندما يكون المتمرن محاطاً بالخضرة الطاغية للطبيعة، بل بفضل اللون الأخضر، سواء كان ذلك في فضاء مغلق أو مفتوح.
يقول باحثون من جامعة إسيكس بإنجلترا إن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تُظهر أن اللون الأخضر يمكنه أن يُسهم في تمكين ممارس الرياضة في فضاء مغلق من تحقيق فوائد مماثلة لتلك التي يحققها عند التمرن في الهواء الطلق، فالدماغ يتفاعل بدرجات متفاوتة لكن إيجاباً مع هذا اللون بحد ذاته بصرف النظر عما إذا كان مصدره نباتات طبيعية حية أم نباتات صناعية.
أحضان الطبيعة
توصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد أن طلبوا من 14 شخصاً من طلبة الجامعة قيادة دراجات مدة خمس دقائق داخل قاعة مغلقة، مع مشاهدة شريط فيديو يجعل المتمرن يشعر وكأنه يمارس الرياضة في وسط بيئي حقيقي بين أحضان الطبيعة. وبعد مرور خمس دقائق، غير الباحثون نوع صورة الشاشة من الأخضر إلى الأبيض والأسود، وتركوها كذلك مدة خمس دقائق، بينما المشاركون يتمرنون وأعينهم موجهة إلى الشاشة، ثم غيروا اللون مرة ثالثة وتركوا المشاركين يقضون خمس دقائق أيضاً في قيادة الدراجة ومشاهدة شريط الفيديو.
وعمد الباحثون عقب كل تجربة من التجارب الثلاث إلى قياس مزاج كل واحد من المشاركين، فوجدوا أن المشاركين الشباب شعروا بتعب أقل ومروا بتقلبات مزاجية أقل عندما كانوا يشاهدون النسخة الخضراء من شريط الفيديو، وأن درجة استمتاعهم كانت أكبر مقارنة مع وضعهم خلال مشاهدة النسختين الحمراء والبيضاء-السوداء من شريط الفيديو. كما سجل الباحثون أن المتمرنين انتابهم شعور بالغضب والانزعاج في أثناء مشاهدتهم النسخة الحمراء من شريط الفيديو.
وكان هؤلاء الباحثون أنفسهم أنجزوا دراسة سابقة توصلوا فيها إلى أن ممارسة خمس دقائق من التمارين الرياضية في الهواء الطلق يُحسن المزاج ويزيد الشعور بتقدير النفس.
ويقول الباحثون إن مشاهدة ألوان ذات موجات قصيرة خلال ممارسة الرياضة مثل الأزرق والأخضر تبعث في النفس شعوراً بالهدوء والسكينة، بينما يبعث اللونان الأحمر والأصفر شعوراً بالإثارة. ويضيف الباحثون أن الخضرة الطاغية تدل منذ القدم وإلى يومنا هذا على وفرة النبات والغذاء والماء وتُشعر بالأمان، وأن اللون الأخضر ظل قريناً للمشاعر الإيجابية ومرتبطاً بها على مر الأجيال والقرون والعصور.
أسس علمية
على الرغم من أن النتائج التي توصل إليها الباحثون بُنيت على أُسس علمية صلبة وأدلة قياسية متينة، فإنه لا يزال غير واضح ما إذا كانت الذبذبات الإيجابية تحدث في الدماغ بمجرد رؤية اللون الأخضر بحد ذاته، أم بفضل مشاهدة صور طبيعية مألوفة كتلك التي عُرضت على المشاركين في الدراسة. وفي هذا الصدد، يقول توماس بلانتي، عالم نفس من جامعة سانتا كلارا بكاليفورنيا، “الإنسان يتوقع بطبيعته وفطرته أن يرى الأشجار خضراء، وليست حمراء أو رمادية. فاللون الأخضر يبدو له دائماً طبيعياً أكثر”.
ويضيف بلانتي، الذي لم يكن مشاركاً في الدراسة، أن الباحثين قصروا تجاربهم على فئة عمرية محددة، واكتفوا بشباب لا تتجاوز أعمارهم عشرين سنة ويعيشون في بريطانيا، ولذلك فإنه ليس من الجلي تماماً ما إذا كانت النتيجة التي تم التوصل إليها تنطبق على جميع الفئات العمرية وعلى المجتمعات الأخرى التي تعيش في بيئات طبيعية مختلفة. ولكن بلانتي يقول في الآن نفسه إن هذه الدراسة قدمت حجة إضافية مفادها أن البيئة الطبيعية المحيطة بنا لها أهمية كبيرة، و”حري بنا أن نتفاعل معها، ولا نتجاهلها أو نحجب أنفسنا عن النظر إليها، حتى لو تطلب الأمر إيجاد واقع افتراضي قائم على محاكاة الحقيقة”.
ومن جهة أخرى، يقول بلانتي “إن مكونات المحيط الذي يتمرن فيه الشخص تؤثر بشكل متباين على الشخص، إذ إن مزاجه يتأثر بنوع المكان الذي يمارس فيه الرياضة، وبالأشخاص الذين يتمرنون معه في المكان عينه، وحتى بنوع الخلفية التي يختارها صاحب النادي للصالات الرياضية، فهذه العناصر كلها من شأنها التأثير في مزاج المتمرن وجعل حماسته لممارسة الرياضة تتوهج أو تفتُر”.
أهمية الديكور الداخلي
يختم توماس بلانتي، عالم نفس من جامعة سانتا كلارا بكاليفورنيا تعليقه على هذه الدراسة بالقول إنه من المهم جداً بالنسبة للشخص الذي يتعذر عليه ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، ووسط الطبيعة أن يختار بعناية وجهته المفضلة في ناد أو صالة، ليس بناء على معداتها ومدربيها وأسعار الاشتراك فيها فقط، بل أيضاً بناء على الديكور الداخلي الذي يؤثثها ويحيط بها، وبما يراعي الأهداف التي يتوخى الشخص تحقيقها من وراء الرياضة. فالشخص الباحث عن الشعور بالاسترخاء يحتاج إلى محيط صالة يطغى عليه اللون الأخضر أو إطلالة على مناظر طبيعية خلابة. ويُفضل له أن يبرمج القناة التي يشاهدها بينما يجري أو يهرول على البساط المتحرك على قناة وثائقية تدور برامجها كلها في فلك الطبيعة وعجائبها وجمالها، ولا يمكن للباحث عن الاسترخاء أن يحقق مبتغاه وهو يتمرن مع مشاهدة فيلم أكشن أو مباراة ملاكمة أو فيلم رعب أو إثارة. أما الشخص الساعي وراء الشعور بطاقة أكبر ونشاط، فيمكنه أن يختار الصالات الرياضية المحاطة بديكورات داخلية مختلفة وألوان تبعث على النشاط والطاقة، فذلك يساعده على تحقيق استفادة أكبر قائمة على اتحاد الجسد والروح، وتناغم الرغبات مع الممارسات.
هشام أحناش
ساحة النقاش