يشعر الإنسان بالألم وهو يرى علماً، مفكراً، أو عالماً، يُجْهلُ عليه، من جاهل لا يفقه من العلم شيئاً، في حوار غير متكافئ مستوى وكفاءة، بعيد كل البعد عن آداب الحوار.
بين الحين والآخر تستوقفني بعض البرامج الحوارية على القنوات الفضائية، التي تكاثرت بتسارع مخيف، ولم أجد في أغلبية الحوارات ما يروي ظمأي لمتابعة حوار مفيد، فما يقدم بعيد كل البعد عن آداب الحوار، وأغلبية ما يقدم لا يعدو كونه مجرد مناكفات بلا هدف، واستعراضات كلامية للمتحاورين، وفي كثير من الأحيان يهبط مستوى التخاطب ويتجاوز حدود الأدب والأخلاق، من استخدام ألفاظ بذيئة، تخدش حياء السامعين والمشاهدين، وليس هذا وحسب، بل إن ما يدمي القلب ويحزنه أن بعض هذه البرامج تكون فسحة للحط من شأن المفكرين المرموقين، والعلماء باستضافتهم برفقة جهال لا يجيدون غير كيل الشتائم. وقديماً قيل: إذا أردتَ أن تُفْحم عالماً فأحْضر له جاهلاً. وقالوا: لا تُناظر جاهلاً. وقالوا: لا تُناظر جاهلاً ولا لجوجاً فإنه يجعل المُناظرة ذريعة إلى التعلّم بغير شكر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارحموا عزيزاً ذلّ، ارحموا غنيّاً افتقر، ارحموا عالماً ضاع. وجاء كيسان إلى الخليل بن أحمد يسأله عن شيء ففكَّر فيه الخليل ليُجيبه فلما استفتح الكلام قال له: لا أَدري ما تقول فأنشأ الخليل يقول:
لو كنتَ تَعْلم ما أقولُ عـــَذَرْتَتي
أو كنتُ أَجْهل ما تقولُ عذلْتُكـا
لكن جَهِلْــــت مَقالتي فعَذلْتَني
وعلمتُ أنــــك جاهل فعَذَرْتُكـا
وقال حَبِيب:
وعـــــاذِلٍ عذلتُه في عَذْله فظَنَّ
أنيِّ جاهـــــلٌ مِــــــن جَهْلِـــــه
ما غبـــن المَغْبُونَ مثل عَقْلــــِه
مـــــَن لكَ يومـــــاً بأخيك كُلـِّهِ
وقالـــــــوا: خِدْمة العاِلم عبادة
وقال عليُّ بن أبي طالب رضوان الله عليه: من حق العاِلم عليكَ إذا أتيتَه أن تُسَلِّم عليه خاصَّة وعلى القوم عامَّة وتَجْلس قُدَامه ولا تشِر بيدك ولا تَغْمِز بعَيْنيْك ولا تَقُل: قال فلان خلافَ قولك ولا تأخذ بثَوْبه ولا تُلحَّ عليه في السؤال فإنما هو بمنزلة النَخلة المرطبة التيِ لا يزال يَسْقط عليك منها شيء. وقالوا: إذا جلستَ إلى العاِلم فَسَلْ تَفَقُّهاً ولا تَسَلْ تعَنَتاً.
بشار بن برد:
لما رأيـــتُ الحظ حـظّ الجاهل
ولم أَر المَغْبُونَ غيرَ العَاقــــــِلِ
رَحَّلْتُ عَنْساً من شرَابِ بَابــِلِ
فبتُّ مـن عقلي عَلى مرَاحــــِلِ
ويقول أحمد فارس الشدياق:
ومن محن الدنيا عداوةُ جاهلٍ
تفتح بالدعوى وفي فهمه رتـجُ
ساحة النقاش