يروي لنا آباؤنا وأجدادنا حكايات أيام تعليم الكتاتيب يوم كان المعلم «مؤدّباً» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يوم كان الأهل يقولون للمعلم «خذه لحماً واعطنا عظماً»، دلالة على ثقتهم التامة بالمعلم، ورغبتهم في أن يتعلم التربية وحسن الأدب، إلى جانب العلم، فالمعلم شخصية لها احترامها بين أبناء المجتمع، له الصدارة والريادة والرأي فهو مجمع الحكمة والرصانة والعلم، ولا أنسى الاستقبال الذي استقبل به ابن خالي المعلم الذي عمل مدرساً في إحدى القرى النائية في السبعينيات من القرن الماضي، بعد خمس سنوات، من انتقاله إلى مدرسة أخرى، فقد هرع أبناء القرية شيباً وشباناً وأطفالاً رجالاً ونساء، بعفوية صادقة وكان استقبالاً مؤثراً جداً، فقد غرقت القرية بدموع الفرح، ووجدت نفسي غارقاً بدموعي من شدة بكاء المعلم ابن خالي الذي لم يستطع أن يتمالك نفسه، وبقيت دموعه تسحّ طويلاً، وإلى الآن كلما ذكرته بذلك الموقف، عادت دموعه للهطول.
وبقينا في القرية ثلاثة أيام من أجمل أيام العمر ليس لكثرة الولائم والذبائح تكريماً للمعلم وضيفه، بل لتلك المشاعر الصادقة ونظرات التقدير والاحترام، التي عشناها. قال عمرو بن عُتبة لمعلِّم ولده: ليكُن أوّلَ إصلاحك لولدي إصلاحُك لنفسك فإنّ عُيونهم مَعْقودة بعَيْنك فالحَسن عندهم ما صَنعتَ والقبيح عندهم ما تَركت. قال حكيم: من أدَّب ولده صغيراً سُرّ به كبيراً، وقالوا: اطْبَعِ الطِّن ما كان رَطْباً واغْمِز العُود ما كان لَدْناً. ومَن أدَّب ولدَه غَمّ حاسدَه.
وقال ابن عبّاس: مَن لم يَجْلِس في الصِّغر حيث يَكْره لم يَجْلِس في الكبر حيث يحب.
وقالوا: مَن أدَّب ولدَه غَمّ حاسدَه.
قال الشاعر:
إذا المَــرءُ أَعْيَتْــه المُــروءةُ ناشِئــاً
فَمَطْلَبهـــا كَهْـــلاً عليـــه شـــديدُ
وقالوا: ما أشدَّ فِطامَ الكبير وأعسرَ رياضةَ الهَرم.
قال الشاعر:
وتَـــرُوض عِرْسَـــــــك بعـــــد مــا
هَرمت ومِن العَـــناء رياضــةُ الهَرِم
وقال صالح بن عبد القدّوس:
وإنَّ مَــــن أدَّبتـــــه فـــي الصبـــا
كالعُود يُســقَى المــاءَ فــي غَرْسِــه
حتـــى تَـــراه مُورِقـــاً ناضِـــــــــراً
بَعد الذي أبصـــرتَ مــــن يُبْسِـــه
والشـــــيخُ لا يَتْــــــــرك أخلاقَـــه
حتــى يُــوارَى فــي ثَـــرى رَمْســــه
إذا ارْعـــــوى عـــادَ لـــه جَهْلـــــهُ
كذي الضَّنَــى عــاد إلــى نُكْسِــــه
ما يَبْلــغ الأعــــداءُ مــــن جاهـــل
ما يَبْلـــغ الجاهـــــلُ مــن نَفْســـهِ
ساحة النقاش