كان أبو عباد وزير المأمون ضيق الصدر جداً، قيل له: إن لقمان قال: ما شيء أشد من حمل الغضب، فقال: ولكنه عندي أخف من الريشة. قيل له: إنما عنى لقمان أن احتمال الغضب ثقيل، فقال: والله ما يقوى على الغضب أحد من الناس إلا الجمل.
وغضب يوماً على بعض أصحابه، فشجه بدواة كانت بين يديه، فقال: صدق الله حيث يقول: والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون، فبلغ ذلك المأمون فضحك، فقال: ويلك! لا تحسن تقرأ آية من كتاب الله تعالى. قال: يا أمير المؤمنين؛ والله إني لأحسن أقرأ من سورة واحدة ألف آية. فضحك المأمون وأمر بإخراجه، ولم يكن جاهلاً. وإنما كان يجري عليه الغلط لفرط غيظه. وقال المأمون لأحمد بن أبي خالد: صف لي ثابت بن يحيى يريد أبا عباد، فقال: هو والله أحدّ من سيف سعيد بن العاص. فقال: والله ما أتبين من هذا شيئاً ؟ فقال: إن حركته تبين لك الأمر، فعرض أبو عباد يوماً عليه كتاباً وخرج، فلما قرب من الباب أمر المأمون برده؛ فرجع وقد تغير، فخاطبه وتركه ينصرف، فلما كاد يركب أمر برده، فلما عرف الرسول تناول الدواة من غلامه، وقال: الساعة والله أضرب بها وجهك يا ابن الخبيثة، كان ينبغي لك أن تقول قد ذهب إلى النار. ورجع، فقال له المأمون: اعرض فيما تعرض علي حوائج الهاشميين. قال: نعم! وقل كل ما تريد فلست أرجع إليك اليوم بعد هذا، ولو قمت أنت بنفسك ! فضحك المأمون، وقال: قاتل الله دعبلاً يريد قوله:
أولى الأمور بضيعـــةٍ وفســاد أمــرٌ يدبّــــره أبـو عـبّـــــــــاد
وكأنه مــن دير هرقــل خـارجٌ حرجـاً يجـرّ سلاســل الأقيــاد
◆ قيس بن الملوح:
أيا ليلَ زَنْدُ الْبَيْـن يقـدَحُ في صَـدْري
ونار الأســـى ترمي فــؤادي بالجمــر
أبَـــى حَدَثــــانُ الدهــــر إلاَّ تشــتُّتاً
وأيُّ هَوى ً يَبْقَى علـى حَدَثِ الدهــرِ
تعز فإن الدهــــر يجــرح في الصفـــا
ويقدح بالعصرين في الجبــل الوعــر
وإني إذا مـــــا أعـــوز الدمـــع أهلــه
فزعــــت إلى دلحــاء دائمــة القطــر
فو الله ما أنســاك ما هبـت الصبــا
وما ناحـتِ الأطيـارُ في وَضَـح الفَجْـرِ
وما نطقـــت بالليــل سـارية القطـا
وما صدحت في الصبح غادية الكدر
وما لاح نجـــم في السـماء وما بكـت
مُطَوَّقة ٌ شَــــجْواً علـى فَنَـنِ السِّـدْرِ
وما طلعـت شمـس لدى كل شـارق
وما هطلت عين علـى واضـح النحـر
فلا تحْسَـبي يا ليـلَ أنـي نَســــيتُكُمْ
وأنْ لَسْتِ مِنِّي حيثُ كنتِ على ذُكْرِ
أيبكي الحمامُ الوَرْقُ من فَقْدِ إلْفِه ....... وتَسْلو وما لي عَنْ أليفيَ مِنْ صَبْرِظ
ساحة النقاش