من أعظم الشهور عند الله شهر المحرم وفيه يوم من أعظم الأيام عند الله.. يوم عاشوراء هذا اليوم الذي حصل فيه حدث عظيم ونصر مبين فيه انتصر الحق على الباطل حيث أنجى الله تعالى موسى - عليه السلام - وقومه وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة هذا اليوم العاشر من شهر الله المحرم الذي قال عن فضل صيامه رسول الله– صلى الله عليه وسلم- :"نحن أحق وأولى بموسى منكم".
أحمد شعبان - يقول الدكتور السيد أبوالحمايل، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، يأتي فضل يوم عاشوراء من أنه جاء في شهر الله المحرم، وهو من الأشهر الحرم التي قال عنها الله سبحانه وتعالى:”إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم” (التوبة آية 36)، وسميت حرماً لزيادة حرمتها وتحريم القتال فيها وجعلها الله للتقرب إليه بالعبادة وطاعته وشكره على هذه النعم، ونهى الله عن الظلم في كل الشهور خاصة هذه الأشهر ولذلك نهى الله عن القتال في الأشهر الحرم.
أفضل الأشهر الحرم
وأضاف أبو الحمايل: وهذه الأشهر تضاعف فيها الحسنات كما تضاعف السيئات وكانت هذه الأشهر الحرم معظمة في شريعة إبراهيم، عليه السلام، وكان العرب قبل الإسلام يعظمونها ويحرمون القتال فيها. وقال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع : “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان”.
وأكد الدكتور أبو الحمايل أن محرم أفضل الأشهر الحرم وسمي بشهر الله المحرم؛ لأن الله سبحانه وتعالى أضافه إلى نفسه تشريفاً له وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وفي هذا الشهر العظيم يوم من أفضل أيام السنة يوم عاشوراء، قال أبو ذر رضي الله عنه: “سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل فقال: خير الليل جوفه وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم”. والصوم في شهر محرم من أفضل أنواع صيام التطوع وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضل صيام شهر الله المحرم بقوله: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم”.
فضل كبير
وحول فضل صيام يوم عاشوراء يقول الدكتور محمد الدسوقي، أستاذ الفقه الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: يوم عاشوراء له فضل كبير لدرجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أوصى بصيامه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم - يوم عاشوراء - وهذا الشهر يعني شهر رمضان. وصيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام الذي قبله حيث إن رجلاً سأل النبي عن صيام يوم عاشوراء فقال –صلى الله عليه وسلم-: “صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”، وقال –صلى الله عليه وسلم-:”لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر”، وهو اليوم العاشر من محرم وكانت اليهود تصومه عندما أنجى الله نبيه موسى من مكر فرعون وقومه وكان نبي الله موسى -عليه السلام- يصومه لفضله، وكان أهل الكتاب يصومونه وكانت تصومه قريش أيضا في الجاهلية، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وجد اليهود يصومونه ويعظمونه حتى كانوا يجعلون أطفالهم يصومونه فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق وأهلك فرعون وقومه فصامه شكرا لله وأمر بصيام هذا اليوم وحث عليه وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “نحن أحق وأولى بموسى منكم “ فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه.
السنة النبوية
وقال الدكتور الدسوقي: اهتمت السنة النبوية بيوم عاشوراء لفضله الكبير ووردت أحادث نبوية كثيرة تتحدث عن فضله، منها عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة وقال: “من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ومن كان أصبح منكم مفطراً فليتم بقية يومه”، فكنا بعد ذلك نصوم ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنصنع لهم لعبة، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم بها حتى يتموا صومهم. ولما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي أمر صوم يوم عاشوراء بيد الصحابة كما ورد في حديث ابن عمر قال: صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك - أي ترك أمرهم بذلك، وبقي على الاستحباب. وعن معاوية قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: “هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر”، وهذا دليل على نسخ الوجوب وبقاء الاستحباب. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عزم في آخر عمره على أن لا يصوم يوم عاشوراء مفرداً، بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صومه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال -صلى الله عليه وسلم: “فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع”، مع العاشر مخالفة لأهل الكتاب.
بدع ومخالفات
وحول بعض البدع والمخالفات التي تقع من بعض الناس احتفالاً بيوم عاشوراء يقول الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: من المخالفات التي تقع من بعض الناس في هذا اليوم الاكتحال والاختضاب والاغتسال والتوسعة على الأهل والأبناء وصنع طعام خاص بهذا اليوم مثل “عاشوراء”، وهى أكلة مصرية مشهورة يتم إعدادها وأكلها في هذا اليوم وليس لها صلة أو علاقة بالاحتفال بهذا اليوم. وهناك بدع تقع من بعض الناس في هذا اليوم منها: تخصيص دعاء معين وكذلك ما يعرف عند أهل البدع برقية عاشوراء وما تفعله بعض الفرق في هذا اليوم لا أصل له في الشرع.
وبين الدكتور طه ريان أنه يجب على المسلم في هذا اليوم أن يتقرب إلى الله تعالى ويقبل عليه بصيام هذا اليوم وأن يحاسب نفسه ويراجعها، فإن كان محسناً ازداد إحساناً وإن كان مقصراً ندم وتاب قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد” (الحشر الآية 18)، أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم. وأن يذكر الله تعالى كثيراً، فإن من أفضل الأعمال الصالحة اليسيرة التي تقرب المسلم إلى ربه جل وعلا الذكر وقد ذكر الله تعالى الذاكرين في كتابه بأجل وأحسن الذكر قال تعالى:”إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار” سورة آل عمران الآيتان 190-191.
المبادرة بالتوبة
يقول الدكتور أحمد طه ريان: على المسلم أن يبادر بالتوبة من الذنوب والمعاصي والغفلة، فالله تعالى دعا جميع عباده إلى التوبة وحثهم عليها خاصة قبل حلول الأجل كما قال تعالى: “يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا” والاستغفار، فقد أمر الله نبيه والمؤمنين بالاستغفار ووعدهم بالمغفرة فقال تعالى:”واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما” سورة النساء الآية 106.
ساحة النقاش