بسم الله الرحمن الرحيم
لقد كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة , إلى المدينة التي نورها صلى الله عليه وسلم علامة فارقة بين مرحلتين, مرحلة الدعوة, ومرحلة الدولة , بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالة . فلقد عاش الرسول وصحبه في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يرسخ فيهم الإيمان الصافي, والعقيدة الصحيحة, ويتحمل, ويتحملون معه من الأذى والبلاء مالا يصبر عليه إلا أصحاب الدعوات الراسخة الذين يعيشون لها ويموتون في سبيلها . ولقد كان الصحب الكرام على وعي وفقه بما تحمله الهجرة من انطلاق إلى نشر الدعوة في ربوع العالمين , والمتأمل لهذه الهجرة يجد أنها حملت معالم وملامح التمكين الحضاري الذي انتشرت منه كلمة الإسلام في العالمين وفي نقاط سريعة نحيا مع هذه الملامح علي النحو التالي :
1- التضحية والفداء: فإن أي دعوة من الدعوات ,أو رسالة من الرسالات لا يمكن أن يمكّن لها بمجرد الشعارات الرجراجة ,أو الهتافات الفضفاضة ,وإذا كانت أشجار الحياة ترتوي بالمياه فإن شجرة الإسلام لا ترتوي إلا ببذل الدماء في سبيل الله
دنيا المجاهد كلها --- محن لصهر رجالها الشوك ملء سهولها --- والورد فوق هضابها
وصدق الله العظيم إذ يقول (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت 1 ,2. ولقد عاش الرسول وأصحابه هذا المعلم من معالم التمكين في الهجرة فضحى وضحوا وأعطى وأعطوا , حتى لم يبق في قوس العطاء منزع, وتمثل ذلك في تركهم للوطن الذي ربوا في أفناءه ونموا في مرابعه وما أدراك ما الوطن وعلاقة المرء به بل علاقة كل حي بمكانه الذي نشأ فيه ,وتربى بين قوادمه وخوافيه وقد قال شوقي
عصفورتان في الحجاز --- حلتا على فنن في خامل من الرياض --- لا ند ولا حسن مر على أيكهما --- ريح سرى من اليمن حيا وقال درتان --- في وعاء ممتهن لقد رأيت حول صنعاء --- وفي ظل عدن خمائلا كأنها --- بقية من ذي يزن الحب فيها سكر --- والماء شهد ولبن هيا اركباني نأتها --- في ساعة من الزمن يا ريح أنت ابن السبل --- ما عرفت ما الوطن هب جنة الخلد عدن --- لاشيء يعدل الوطن
ولقد أحس النبي – صلى الله عليه وسلم - لوعة الفراق, وألم الحزن وهو يفارق مكة فيقول لها :( إنك لأحب بلاد الله إلى الله, وأحب بلاد الله إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرت ) . ومع كل هذا الحب الفطري, إلا أن حب العقيدة أعلى, وأغلى,وأعز ,وأقوى فتغلب – صلى الله عليه وسلم – على هذه العاطفة فترك مكة وهاجر نصرة لدينه وتمكينا لعقيدته. وأصحابه الكرام عانوا من الفراق ما عانوا حتى قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنه - ما رأيت القمر في مكان أضوأ منه في مكة وما استقر فؤادي في مكان كما كان يستقر في مكة ) ولاحظ هذه الزاوية النفسية والارتباط الشعوري بذلك البلد الأمين وأبو بكر – رضي الله عنه - عندما تأخذه الحمى يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة --- بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة --- وهل يبدون لي شامة وطفيل
وعبد الله بن م مكتوم- رضي الله عنه - وهو كما نعلم كفيف البصر يقول:
ألاحبذا مكة من وادي --- أرض بها أهلي وعوادي أرض بها ترسخ أوتادي أرض بها أمشي بلا هادي
ورغم كل هذه العاطفة يتعالون عليها تمكينا لدين الله حتى ينمو في أرض أخصب ومجال أرحب وهواء أرطب حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله .
2- التضحية بالمال في سبيل نصرة العقيدة وقد كان من النبي – صلى الله عليه وسلم - وصحبه فقد تركوا أرضهم, ودورهم ,وتجا راتهم نصرة للدين, وبحثا عن التمكين , وما موقف صهيب الرومي منا ببعيد هذا الذي انخلع من ماله دون تردد وبذله في غير من , حتى يتركه المشركون وهجرته ,وعندما استشرفه الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال له: ربح البيع أبا يحى ربح البيع أبا يحيى. نعم وقد كان . ..............................قد بعتها لله والله اشترى وهذه سمة أهل التمكين عطاء دون بخل وبذل دون منٍ
3- ومن ملامح التمكين في الهجرة المباركة الأخذ بالأسباب: هذا المعلم الذي أصله الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد استخلف عليا وصحب أبا بكر واتخذ دليلا واستعمل عبد الله بن أبي بكر للتورية وخالف الطريق المعروف إلى المدينة .
4- ومن ملامح التمكين التخطيط : الجيد والنظر في مآلات الأمور وانظر -رعاك الله – إلي تخطيط النبي – صلى الله عليه وسلم - لهذه المرحلة تتعلم الكثير .
5- ومن ملامحه الاعتماد الكامل على الله – عز وجل – . وانظر إليه – صلى الله عليه وسلم – في الغار وهو يسمع أبا بكر؟ يقول : ( يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا فيقول – صلى الله عليه وسلم – : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
6- الذكاء والألمعية: ويتضح ذلك من أكثر من موقف منها كلام أبي بكر لمن يسأله عن النبي من هذا يا أ با بكر فيقول: ( هاد يهديني الطريق )
7- توقير القيادة : واذكر أبا بكر وهو يصب الماء ليشرب النبي – صلى الله عليه وسلم - ويقول شرب النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى ارتويت
8- الثقة في النصر : واذكر كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – لسراقة: ( عد يا سراقة ولك سوارا كسرى).
إلي غير ذلك من الملامح التي تتجدد ولا تتبدد والتي لو عاشها المسلمون وفقهوها لتغير حالهم لأن سنة الله في التمكين لا تحابي ولا تجامل والله من وراء القصد
د رمضان خميس الغريب أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك في جامعة الأزهر وجامعة حائل المملكة العربية السعودية
|
ساحة النقاش