لم يكن التاريخ يوماً مجرد ماض مجيد نفتخر به، بل محطات للتفكر فيما يحمله من عبر ودروس لاستلهام وتلمس دروب المستقبل، التاريخ ليس وقوفاً على الأطلال، بل هو استشراف المستقبل من خلال إيجابيات وسلبيات الماضي.
شعلة الماضي والتاريخ لا تنطفئ أبداً، التي يجب أن تبقى متقدة في الذاكرة والوجدان، وأن يبقى قَبَسُها فينا أبداً.
التواصل مع الماضي، تواصل مع الجذور، وجذورنا العربية ضاربة في القاع، تبقى في العمق، لا تهزها ريح ولا يلوثها عفن. تاريخنا العربي حافل بما يستحق الفخر به، والعودة لتاريخنا تبقي الأمل بالنهوض من الكبوة التي طالت..
تاريخنا الأدبي بحر يستمتع الغواص فيه وهو يقع على لؤلؤ ودرر ولا أبهى ولا أغلى..
أنشد حسان بن ثابت لدى الخنساء قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دمــــا
ولدنا بني العنقاء وابـــــن محرق
فـأكرم بنا خالاً وأكـــــرم بنا ابنما
فقالت الخنساء: ضعفت افتخارك وأبرزته في ثمانية مواضع.
قال: وكيف؟ قالت : قلت لنا “الجفنات” والجفنات ما دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت “الجفان” لكان أكثر.
وقلت: “الغر” والغرة البياض في الجبهة، ولو قلت أبيض لكان أكثر اتساعاً. وقلت: “يلمعن” واللمع شيء يأتي بعد الشيء، ولو قلت “يشرقن” لكان أكثر، لأن الإشراق أدوم من اللمعان. وقلت: “بالضحى” ولو قلت “بالعشية” لكان أبلغ في المديح، لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً.
وقلت: أسيافنا والأسياف دون العشر، ولو قلت سيوفنا كان أكثر. وقلت: “يقطرن” قد دللت على قلة القتل، ولو قلت يجرين لكان أكثر، لانسياب الدم. وقلت “دماً” والدماء أكثر من الدم. وافتخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك.
الخنساء:
عَينيّ جُودا بـــــدَمْع منكما جُــــودا
جــودَا وَلا تعدا في اليوم موعـــــودا
هــــلْ تدريــانِ على منْ ذا سبلتكمَا
عَلى ابــــنِ امّي أبيتُ الَّليلَ معمـودا
حسين العروي:
يـا ابن الفيافي «ظنون الرمل» عشب
رُبــــا قصيدةٌ حلوة تستقرئ الشهبا
يــــــــا ناثر اللون لا تبخلْ فموعدنا
دوالي الشوق عــــاد الكرم مصطخبا
امــح الليالي فما في الذاهبات هدى
وسوسِنِ الحلــــمَ وازرعْ مرجنا سحبا
ساحة النقاش