النساء أكثر عمراً من الرجال على مر العصور

على مر التاريخ، كانت النساء ولا يزلن أطول تعميراً على الأرض من الرجال. فغالبيتهن يعشن ما لا يقل عن خمس سنوات أطول مما يعيش الرجل. يقول علماء معاصرون إن أسباب هذا الاختلاف والتباين في أمد الحياة متعددة، منها ما له علاقة بالعادات الغذائية ونمط العيش، ومنها ما له صلة بخلايا الجسم وما يعتلج داخله. وقد ظهرت دراسة جديدة تُبين دخول عامل آخر على الخط، ولعبه دوراً في تقصير أو تطويل أمد حياة الإنسان، وهو هرمون التستوستيرون الذكوري، وفقاً لدراسة نُشرت في النسخة الرقمية من العدد الأخير من مجلة “علم الأحياء الحالي”.

يوضح الباحثون أن فكرة التأثير الكامن لهرمون التستوستيرون على أمد الحياة ليست جديدة بحد ذاتها، إذ وجد علماء الأنثربولوجيا أن بعض المجتمعات القديمة كانت تُخصي كلاب الصيد والحراسة القوية لتقضي فترة أطول في توفير الغذاء لأفرادها عبر الصيد، ولحماية أفراد القبيلة وإنذارهم بما يتربص بهم من أخطار محدقة أو هجمات مباغتة. ما يعني أنهم كانوا يُدركون أن إخصاء الكلب يعني إطالة عمره. وكون هذا الأمر يحدث مع الكلاب لا يعني بالضرورة أنه يمكن أن ينطبق على الرجال، فالعلماء لم يتوصلوا إلى الآن بما يُثبت ذلك أو ينفيه بشكل قاطع. كما أن نتائجهم في هذا الصدد تظل غير نهائية ولا حاسمة.

أصوات ناعمة

 

في دراسة أُجريت سنة 1969 على مرضى من ولاية كانساس، وجد باحثون أميركيون أن الرجال الذين يخضعون لعمليات توقف قدرة أجسامهم على إفراز هرمون التستوستيرون عاشوا 14 سنة أطول مقارنة بأقرانهم من الرجال الذين عاشوا في البيئة نفسها دون أن يخضعوا لأية عملية توقف إنتاج هرمون الذكورة لديهم. غير أن دراسة أخرى أُجريت بعد أكثر من عقدين من الدراسة الأولى أظهرت أن هرمونات الذكورة لا تضطلع بدور يُذكر على مستوى أمد الحياة، وذلك بعدما قام باحثوها بمقارنة آماد حياة الفتيان الإيطاليين ذوي الأصوات الرخيمة الرقيقة الذين يُخضَعون لعمليات وقف إفراز هرمون التستوستيرون حتى يحافظوا على رقة أصواتهم وطبقاتها العالية المتماشية مع الثقافة الغنائية الأوبرالية الإيطالية، وأقرانهم ممن نشؤوا نشأة طبيعية ولم يخضعوا لأي عملية تعوق استمرار تدفق هرموناتهم.

 

وقبل نحو خمس سنوات، قال كيونج جين مين، عالم أحيائي من جامعة “إنْها” في كوريا الجنوبية، إنه لم يكن يعلم أن بعض المغنين الشباب في بعض الدول يخضعون لعمليات كهذه إلا بعد مشاهدته بالصدفة دراما تلفزيونية كانت تتحدث عن هذا الموضوع. حينها فقط بدأ يفكر في حجم البيانات التي توفرها مجتمعات كهذه لدراسة العلاقة بين الإخصاء وعمليات وقف إفراز الجسم للهرمونات الذكورية وأمد الحياة.

ويقول البروفسور مين إن كثيراً من الأسر الحاكمة والعائلات الملكية بالعالم كانت توظف في قصورها خدماً وعمالاً مخصيين، وأن هذه الظاهرة لم تتلاش إلا في نهاية القرن التاسع عشر، لافتاً إلى أنه كان يُسمح لهم في الوقت نفسه بالزواج وتبني أطفالاً مخصيين وتربيتهم وكأنهم أبناءهم البيولوجيين. ومن بين السجلات التي وجدها البروفسور مين سجل باسم “يانج سي جي بو”، وهو ملف يحوي العديد من البيانات عن 385 شخصاً من المخصيين عاشوا في الفترة ما بين منتصف القرن السادس عشر ونهاية القرن التاسع عشر، ويتحدث عن أسرهم وعائلاتهم وكيف استطاعوا الصمود والبقاء جيلاً بعد جيل. كما يتضمن تفاصيل عن تواريخ ولادتهم ووفاتهم وبياناتهم الشخصية.

تعمير قياسي

يقول مين وزملاء له من المعهد الوطني للتاريخ الكوري والجامعة الكورية إنهم بدؤوا تحليل بيانات سجل “يانج سي جي بو” وسبْر أغواره لمعرفة المزيد، وتمكنوا بالفعل من التأكد من آماد حياة 81 منهم، توفي ثلاثة منهم عن أعمار تجاوزت مائة سنة، وهي نسبة تعمير متقدمة جداً، خصوصاً إذا علمنا أن أعلى نسبة في العالم في عالمنا الحديث تُسجل في اليابان التي يعيش فيها شخص من كل 3500 أكثر من مائة سنة، أو أميركا التي لا يتعدى فيها عمر الشخص مائة عام إلا بنسبة شخص واحد في كل 4400 أميركي. كما قاموا بمقارنة آماد حياتهم مع آماد حياة أقرانهم الطبيعيين ممن زامنوهم وعاشوا في ظروف اجتماعية مشابهة، فوجدوا أن المخصيين يعيشون أكثر من غيرهم بمدة تتراوح بين 14 و19 سنة.

ويقول مين “فوجئت في البداية بالبيانات التي وجدتها. خُيل لي في لحظات أن هناك أخطاء ما، فأعدت مراجعة وتحليل محتويات السجل. لكنني تأكدت أنها صحيحة، فلم أملك إلا إبداء انبهاري من ارتفاع عدد المعمرين في صفوف هذه الفئة من الرجال”.

ولا توضح الدراسة ما إذا كانت هناك علاقة مباشرة بين طول أمد حياة وانقطاع إمدادات أجسامهم من الهرمونات في سن مبكر، لكنها تقدم دليلاً قوياً على أن هرمون التستوستيرون يلعب دوراً مهماً في طول أمد حياة الشخص أو قصره، كما يقول ستيفن أوستاد، عالم شيخوخة إحيائي في مركز سان أنطونيو للصحة العامة بجامعة تكساس، والذي شارك في إنجاز الدراسة.

وفي السياق نفسه، يقول أوستاد إن “النتائج التي توصلنا إليها في هذه الدراسة تُعد أقوى دليل من نوعه إلى الآن عن وجود علاقة بين الهرمون الذكري وأمد الحياة. فصحيح أن أسباب اختلاف النساء عن الرجال في أمد الحياة لم تُكتشف بالدليل العلمي القاطع إلى الآن، ومعظم ما هو موجود لا يعدو كونه تخمينات وافتراضات، لكن هذه الدراسة تُظهر بجلاء أن هرمون التستوستيرون له يد في طول أمد الحياة”. ويضيف أن تحديد العوامل التي تُسهم في إحداث فرق في أمد الحياة بين الرجال والنساء قد تُساعد الباحثين على إيجاد طرق لتخفيف آثار هذه العوامل ومواءمتها بما يخدم تطويل أمد حياة أي من الجنسين، أو على الأقل تقليل حالات الوفيات المبكرة. كما أنه قد يكون فتحاً مبيناً في مجال العلاج الهرموني، لن ينفع الرجال فقط، بل كلا الجنسين. وهذا يعني أن آماد حياة الرجال بالخصوص قد تكون أطول في المستقبل، طبعاً وهم يتمتعون بكامل أعضائهم ووظائفهم البدنية والنفسية.

هشام أحناش

المصدر: “واشنطن بوست”
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,744