بسبب تضاعف أعداد المصابين بها بشكل قياسي في العقود الثلاثة الماضية، أصبح بعض الأطباء لا يجدون حرجاً في وصف السمنة بوباء العصر. وهو وباء لا يشمل جنساً ما أو عمراً دون آخر أو مجتمعاً دون غيره، بل يصيب الكبار والصغار، النساء والرجال. فعدد الأطفال المصابين بالسمنة في الولايات المتحدة الأميركية لوحدها يصل إلى 12,5 مليون طفل، ما يعني أن أن جيلاً بكامله من المجتمع معرض لمخاطر الإصابة بأمراض القلب وغيرها من الأمراض الناجمة عن الإصابة بالسمنة.
وتشير دراسة جديدة نُشرت في العدد الأخير من المجلة الطبية البريطانية إلى أن العلماء والباحثين يعربون عن صعوبة التحلي بالتفاؤل فيما يخص صحة الأجيال المقبلة، تماماً كما يجدون صعوبة في التفاؤل بمستقبل حال الجو في خضم ما يشهده العالم من تزايد مستمر لغازات الدفيئة وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. فما دام ملايين البشر يستهلكون الأطعمة المسببة للسمنة التي تنتجها مطاعم عالمية عملاقة منتشرة في كل مكان بسبب النظام العالمي الحديث، وما دام نمط العيش الحالي يميل إلى السكون وقلة الحركة، فإن أجسامنا الخاملة وقليلة الحركة لن تدوم لها نعمة الصحة والهناء طويلاً، وفق باحثين أميركيين.
وقام هؤلاء الباحثون في هذه الدراسة بمقارنة بيانات ونتائج 63 دراسة حول السمنة وزيادة الوزن من أبرز البحوث التي أُجريت إلى الآن، فوجدوا أن الأطفال الذين يعانون من البدانة ترتفع لديهم مستويات ضغط الدم، والكوليسترول، وتكون عضلات القلب لديهم أكثر سماكة من الأطفال ذوي الوزن الطبيعي. كما أنهم يواجهون اضطرابات ومشاكل أكثر في عملية الأيض والتمثيل الغذائي.
ونظراً بالطبع لكون أطفال اليوم هم رجال ونساء المستقبل، فذاك يعني أن الجلطات القلبية والسكتات الدماغية ستكون من أكثر الأمراض انتشاراً في صفوف هؤلاء الراشدين، أطفال الأمس. ويقول علماء شاركوا في هذه الدراسة المقارنة الضخمة إن هناك كثيراً من الأشياء التي يمكن التكهن بها من خلال المعطيات المتوافرة حول مدى انتشار السمنة بين الأطفال.
ويقول ليي هدسون وراسل فاينر من معهد لندن لصحة الأطفال “سمنة الأطفال هي خطر حاضر وقادم تماماً كما هو التغير المناخي. فالجميع يعلم بخطورة الاحتباس الحراري على نوعية حياتنا في كوكب الأرض، لكن تلويث البيئة ببحارها وأنهارها وأشجارها وبراريها متواصل. وجميع الآباء يوقنون بمضار الوجبات السريعة والمشروبات الغازية ونمط الحياة الساكن، لكنهم يأخذون أبناءهم مع ذلك بانتظام إلى مطاعم لهذه الوجبات غير الصحية، ويشترون لهم رقائق البطاطس المقلية المملحة وملحقاتها الغزيرة بالسعرات الحرارية والدهون المشبعة عند دخول أي قاعة سينما لمشاهدة فيلم عائلي. كما أنهم هم من يشترون لهم كل ما استجد في عالم ألعاب الفيديو، فيجعلونهم بذلك أطفالاً شبه مقعدين وخاملين ومتكرشين في سن مبكرة جداً”. ويضيف هدسون “نعرف جميعنا هذه المشاكل ونكررها دائماً، لكننا نتركها دون إجابات وحلول. فبعض الآباء يرفضون للأسف تقييد حياتهم بنظام غذائي معين حتى لو أتى ذلك على حساب صحتهم، فيما يجد آخرون صعوبة في إلزام أبنائهم بتناول أطعمة دون أخرى بسبب طوفان الأنماط الاستهلاكية السيئة من جهة، وبسبب عجزهم عن تقديم القدوة لأبنائهم من جهة أخرى”.
ساحة النقاش