الصحف الورقية تبتكر خلطات جديدة للاستمرار 

كثيرة التقاليد التي كسرتها كبريات المجلات مؤخراً ولا تزال، وأكثر منها كان خوض محاولات نوعية جديدة، بدءاً من دورها مروراً بطريقة تمويلها، ووصولاً إلى محتواها وآلية عملها التجارية، وتستحوذ هذه التجارب، المختلفة شكلاً ومضموناً، على اهتمام متواصل من الكتاب والمحللين الخبراء الذين لم يعودوا يتوقفون عند غرابتها، بل عند جدواها من استمرار أو عدم استمرار صناعة المجلات التي تمثل أرقاماً بمليارات الدولارات سنوياً من مبيعات نسخها الورقية والعوائد الإعلانية.

أبوظبي - لعل من أبرز التجارب الجديدة، إطلاق مجلة «بازار» الشهيرة التابعة لمجموعة «هاربر» الإعلامية والمتخصصة في الموضة والأزياء ومواد التجميل، منصة للتسوق والتجارة الإلكترونية أسمتها «شوب بازار». واستناداً إلى موقع «ادويك»، فإن رئيسة تحرير المجلة جليندا بيليه أجرت اختباراً للمنصة الجديدة على جهاز آيباد، والتي تركز في بدايتها كما يبدو على مجموعات محددة من الأزياء الراقية وقطع الأكسسوار. وإضافة إلى ذلك، سيتضمن موقع «شوب بازار» تطبيقه على الكمبيوتر الكفي الذي سيدشن خلال شهر أكتوبر الجاري، ويليه تطبيق على الآيفون في فبراير 2013، وسيكون بوسع المستخدمين التسوق مباشرة من خلال المجلة المطبوعة. وسيصار إلى تمييز جميع السلع المتوافرة على النسخة الشهرية من المجلة بعلامة أو أيقونة خاصة، وختم يتضمن رمز السلع، وعندما يتم التأشير على صورة السلعة من خلال الهواتف الذكية، يتم توجيه القراء مباشرة إلى صفحة السلعة على موقع «شوب بازار».

إضعاف المعنويات

 

إلى جانب هذا الخيار التجاري المباشر في الحفاظ على ازدهار بعض المجلات، يلقى خيار إصدار المجلات عبر حشد التمويل المتعدد وحشد تعدد المصادر للمحتوى، المزيد من الانتباه والدراسة من قبل خبراء في المجال.

 

وبعد مقال كتبه مؤخراً واحد من هؤلاء، وهو ديفيد كير، وتساءل فيه متى ستسقط المجلات بما يؤدي إلى إضعاف معنويات الصامدين في المجلات المطبوعة، ألقى مقال جديد على موقع «ميديا شيفت» الضوء على تجارب ناجحة جديدة، وذكرت كاتبته وهي جيني كتسي، من معهد ماساشوسيتتس للتكنولوجيا والمهتمة بالإعلام الرقمي وبتقاطع الإعلام مع التكنولوجيا والتصميم الفني، أنها أجرت مسحاً بحثياً عن مشاريع لمجلات مطبوعة في منصتين رئيسيتين هما «كيكستارتر» و»اندياجوجو»، فلاحظت تركيز المجلات التي نجحت على الاهتمامات المحلية مثل «مجلة 32»، التي تسعى إلى نهضة ثقافية في وسط غربي أميركا، ومجلة «لوكال» التي تريد تسليط الضوء على قضية بلدة أميركية في كل عدد. والفئة الثانية الكبيرة من هذه المجلات، هي التي تركز على مصلحة شريحة معينة، مثل تعزيز النساء أو وضع ذوي الأصول اللاتينية أو نشر صورة إيجابية عن الجسد.

وتضيف كتسي أن هذه المجلات تخالف نهج النشر في الإنترنت الذي يتطلب تحديثات دورية وثابتة، فهذه المجلات المطبوعة، إما أنها تطبع مرة كل شهرين، أو فصلية، أو حتى تصدر بدورة زمنية أكبر. ومع ملاحظة أن مشاريع المجلات لم تبلغ كلها التمويل المستهدف الذي أعلنت عنه على موقع الحشد المتعدد للتمويل، إلا أن الناجح منها يمكن أن يدل على كيفية إدارة حملة ناجحة وتحويل المشروع إلى مجلة ناجحة ومستمرة.

الحملة الناجحة

عندما تحقق حملة حشد تمويل هدفها التمويلي المطلوب، يصبح المؤسسون للمشروع مسؤولين عن إنتاج منتج فعلي. لقد أطلقت مجلة «هولر ماجازين» لرياضة كرة القدم التي تستهدف شمال أميركا، حملتها لحشد التمويل في 29 مايو الماضي، وبعد شهر واحد وصلت إلى هدف التمويل الذي حددته بخمسين ألف دولار أميركي (مع فائض 20 ألف دولار). لقد نجحت حملة هذه المجلة لأنها تأتي لتلبية حاجات لم يسبق تلبيتها، لكن نجاح التمويل فرص عليها أيضاً تحدياً جديداً: فما هي الخطوة التالية بعد الحملة؟

ونجح المؤسسون في حشد التمويل في إقناع داعمين ومتبرعين أسهم كل منهم بمبلغ 14 دولاراً أو أكثر مقابل أن يتلقى كل منهم نسخة من الإصدار الأول من المجلة، ما يعني أن المجلة باعت نحو 1400 نسخة من إصدارها الأول. كما أن التمويل الإضافي عبر الذين قدم كل منهم مبلغ 50 دولاراً أو أكثر يعني ضرورة إصدار أكثر من عدد، وقد وُعد هؤلاء باشتراك سنوي في مجلة «هولر» الفصلية، أي أن المجلة يجب أن تستمر عاماً على الأقل ما يتطلب محتوى لأربعة أعداد.

وقال مؤسسة المجلة جورج كوريشي إن «خطتنا هي إصدار العدد الأول والعمل بجهد لأجل استقطاب المشتركين.. وفي هذه الأثناء نستكشف ونقوم بعقد شراكات تساعدنا ليس فقط في دعم وضعنا المالي، بل الوصول إلى قراء جدد أيضاً». وتابع «الإيجابية الأكبر في استخدام منصة التمويل المتعدد هي توفير فرصة الاتصال المباشر مع قرائنا المحتملين وتأسيس معنى لتشارك المسؤولية عبر الحصول على مجلة جديدة من لحظات ولادتها الأولى».

تجربة ثانية

في تجربة ثانية، تخطى مشروع تمويل مجلة «تشيكبيا» الفصلية بنسختيها المطبوعة والرقمية نسبة زادت عن 800% عن الهدف التمويلي بنهاية 2011، وأصدرت منذ نجاح حملتها عدداً لكل فصل، ولكنها عادت مرة ثانية في يونيو الماضي إلى المنصة التي قامت عبرها بحملة طلب التمويل المتعدد (موقع كيكساتر) لأجل حملة اكتتاب في عدد الصيف. وقالت الشريكة المؤسسة لهذه المجلة كارا لين إنها فوجئت بأن كثيراً من الناس من حول العالم «آمنوا بمجلتنا في المرة الأولى التي أطلقنا فيها حملة حشد تمويل عبر المنصة، وقد صدمت لأن بعض الناس أعطوا تبرعات مرة جديدة في حملتنا الثانية».

إن إمكانية تمويل متعدد لإصدار أعداد متتالية لمجلة ورقية تبين أن من الممكن لمستخدمي الإنترنت أن يعتادوا على الدفع لمنتجات يمكن أن يكون لها صدى عندهم، ولكن لذلك حدوداً.

فمجلة «تومورو ماجازين» (الغد) التي أطلق مشروع حشد تمويلها أحد المحررين السابقين لمجلة «جوود»، أثارت الكثير من الضجة خلال الصيف الفائت عندما جمعت أكثر من 45 ألف دولار أميركي خلال أسابيع. وقالت آن فردمان، وهي واحدة من المؤسسين، إنها لم تكن مقتنعة أن حشد التمويل سيؤمن استمرارية للمجلة، لأن التمويل المتعدد هو مجرد نسخة عصرية جديدة للتمويل عبر الاكتتاب في الاشتراكات «ولهذا لم أعتقد أن من الممكن أن يكون ذلك حلاً لتمويل طويل المدى للمجلات الفردية أو للصحافة ككل». وتعتبر فريدمان أن منصات طلب التمويل المتعدد، مثل موقع كيكساتر هي أداة لعمل مشاريع مجلات «تصدر مرة واحدة أو مجلات مرتبطة بأحداث وتظاهرات، وهو ما ستختاره مجلة تومورو».

وتوافق كارا ليين من مجلة تشكيبيا على ذلك، قائلة إن «هناك محظوراً لدى العديد من مؤسسي هذه المشاريع، وهو أنهم لا يعرفون أن المواقع التي يتم عبرها طلب الحشد للتمويل المتعدد هي بذاتها ليست نموذجاً تجارياً مستمراً، مع الإشارة إلى هذه المواقع مثل كيكستارتر وامازون تنال نسبة إجمالية تقدر بـ10% من المبلغ الذي تم تجميعه من كل حملة. ولهذا السبب كان على «مجلة تشيكيبيا» أن تبحث عن طرق إضافية لأجل استمراريتها، وهو ما قامت به عبر حملات التوعية والمدونات الكبيرة والمنشورات والكتاب والفنانين والنقاد للمجلة، والشعبية التي نالتها والتي رفعت عدد المبيعات والمساهمين.

حشد المنابر

العديد من مجلات المنصات لم تكسر فقط جدران التمويل وإنما المحتوى كذلك. ففي كل عدد من مجلة تشكيكبيا، هناك تعدد مصادر للمحتويات، بينما تفتح مجلة «تومورو» صفحاتها أمام العالم.

وقالت ليين إن «مقدمات المحتوى في أعدادنا كلها يضعها الناس عبر الإنترنت: إن مقدماتهم تدير المجلة في الاتجاه الذي يريدونه (...) أنا معجبة كبيرة في تسليط الضوء على تصميم ومحتوى بنوعية أفضل».

وأضافت أن حشد التمويل والمصادر لمجلة يمول أيضاً حرية من نوع معين للنسخ الورقية في هذه المجلات مثلما فعلت تشيكيبيا، فهو يمنع عنها شروط المعلنين.

وفي مجلة الاستقصاء الجديد «نيو أنكوايري» مؤشر على إمكانية مساهمة التمويل المتعدد في استقلالية المحتوى من التأثير التجاري بالنسبة لبعض الشرائح ذوي المصلحة المشتركة. وتقول الشريكة المؤسسة ورئيسة تحرير المجلة راشيل روزنفلت، إن هذه المجلة جاذبة بشكل خاص ومميز لذوي الدخل الذي يقل عن 25 ألف دولار سنوياً، «والذين يجدون أن دفع دولارين شهرياً مقابل الحصول على مجلة هو نموذج تكلفة محدودة ومتحررة من الاشتراكات النمطية». لقد كسبت هذه المطبوعة الشهرية الرقمية – مع نسخة بي دي اف وآيباد- انتباهاً خلال العام، وقد زادت شهرة عندما أضافت إلى مجلس تحريرها كتاب معروفين بهجوميتهم مثل ادريات شين أو مميزين بكتابة فكرة أو قصة من 140 حرفاً على موقع توتير مثل تيجو كول.

وفي هذا الشأن، تتحدث روزنفلت عن خلطة نجاح فعلية، فتقول إن نظريتها هي أن تجمع المواهب وتوفر لهم المصادر والحرية في الكتابة، واستكشاف مصالحهم وأفكارهم، وعندها سيكون عيار المنتج النهائي وطبيعته الأصلية معبراً عن نفسه بقوة». وهي تعتقد أيضاً أن مثل هذه الخلطة يمكن أن توفر جسراً ناجحاً بين الذين يعملون بكد لإصدار مطبوعات ناجحة، وبين جيل جديد يريد أن يثق بأصحاب محتوى متحرر وقريب منهم. وكأنها تقول إن المتجاوبين مع حملات التمويل المتعدد للمجلات هم الذين يراهنون بتبرع أو مبلغ ما مقابل شيء مهم. ومن المهم أن يكون هذا الشيء مجلة مثلاً وليس جائزة مالية

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 183 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,498