أحمد مراد

لا يمكن لأي مجتمع بشري أن يستقيم أو يستقر بدون قيمة العدل، تلك القيمة التي تحقق لأفراد المجتمع الأمن والاستقرار، وتجعلهم يعيشون حياة هادئة يطمئنوا فيها على أنفسهم وأرواحهم وحقوقهم دون أن يعتدي عليها أحد، وفي المقابل من العدل يأتي الظلم الذي يجعل من حياة الناس مشقة وعناء لا يأمنون فيها على حقوقهم وأرواحهم. ولفت عدد من علماء الأزهر إلى أن انتشار الظلم بين الناس وبأشكال مختلفة، أمر بجعل الحياة كابوسا طويلا غير محتمل، لذلك فإن العدالة أساس متين لاستقرار وبناء مجتمع مثالي.

(القاهرة)- جاء الإسلام الحنيف بمفهوم شامل ومتكامل للعدل يحقق للإنسان ما يريده في حياة كريمة لا ظلم فيها ولا عدوان، فضلا عن أنه يحقق للمجتمع الأمن والاستقرار ليرتقي بحياة أفراده، وهو ما أشار إليه الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية في قوله إن العدل هو مفتاح الخير وجامع الكلمة، والمؤلف بين القلوب، لأن من أقوى أسباب الاختلاف بين الـعـباد هو الظلم وفقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفـسـه ومع الناس لانتهت المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية، والناظر في أحوال الناس اليوم سيرى بسبب غياب خُلق العدل، أمرا عجبا من ظهور الظلم وتفشيه وتكشيره عن أنيابه، وتمر على الإنسان حالات مريعة من الظلم الظاهر البين والتي يقف المرء أمامها محتارا، فهذا زوج يظلم زوجته ولا يبالي، وذاك أب لا يلقي بالا للظلم الذي يوقعه على بعض أبنائه وثالث يظلم أمه لكي يرضي زوجه، ورابع يظلم من يتعامل معه، وخامس لا يبالي بما يجري للمسلمين من محن وبليات، مع أنه مأمور بنصرهم.

وعن رأي الكتاب والسنة في العدل، أشار الدكتور محمد رأفت إلى أن هناك آيات وأحاديث وردت في ذكر العدل والحث عليه والتحذير من الظلم كثيرة جداً منها قول الله تعالى«لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط»، وقد قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية:ليقوم الناس بالقسط أي ليعمل الناس بينهم بالعدل، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بتحقيق العدل وحسبك بهذا شرفا وفضيلة للعدل. كما يقول الإمام ابن كثير: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف.

 

مبادئ

 

ويرى فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن العدل من أهم المبادئ الإسلامية التي تحقق سعادة الفرد والجماعة وهو من المفاهيم العظيمة التي ينبغي تفهمها وإدراك معانيها وأهميتها في حياة الإنسان حيث يحتاج كل إنسان إلى العدل في شتى جوانب حياته فهو يتعامل مع أفراد مختلفين لا تجمعه بهم صلة أو قرابة، أو معرفة فإذا كان شعار أفراد المجتمع العدل، فإنه سيعيش وهو مطمئن لأنه لن يظلم وسيأخذ كل حقوقه ومطالبه بدون عناء مهما كانت منزلته، والأمة الإسلامية مكلفة بتحقيق العدل في الأرض، وأن تبني حياتها كلها على أصول العدل حتى تستطيع أن تحيا حياة حرة كريمة، ويحظى كل فرد في ظلها بحريته، وينال جزاء سعيه، ويحصل على فائدة عمله وكده.

صور العدل

وقال، للعدل صور كثيرة مردها إلى ثلاثة أقسام، الأول: أعظم العدل وهو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة، ويقابل هذا القسم من العدل وهو أعظم الظلم، وهو الإشراك بالله عز وجل، والكفر به، ولهذا قال الله عز وجل«وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك باللَّه إن الشرك لظلم عظيم»، وقال تعالى أيضا«والكافرون هم الظالمون»، وكونه أعظم الظلم لأنه وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها عن الله عز وجل الخالق الرازق رب الـعالمين إلى مخلوق ضعيف لا يملك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

ثانيا: عدل مع النفس ويدخل في هذا العدل: قيام المسلم بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ويقابل هذا القسم من العدل ظلم العبد لنفسه بارتكابه ما حرم الله عز وجل مما هو دون الشرك ولا يتعدى إلى غيره، وإلى هذا الظلم أشار الله تعالى بقوله «ما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».

ثالثا: العدل مع العباد ويقابل هذا القسم من العدل ظلم العباد واعتداء بعضهم على بعض وقد ورد في ذلك الوعيد العظيم، قال تعالى: وقد خاب من حمل ظلما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين، وعن أبي الدرداء قال: إياك ودعوات المظـلوم فإنهـن يصعدن إلى الله كأنهـن شرارات من نار.

ويقول الشيخ عاشور: ومن أنواع العدل بين العباد العدل بين الناس لقول الله تعالى«إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» وروى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل سُلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين اثنين صدقة”.

قاعدة ثابتة

أشار الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إلى أن العدل يكفل لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم قاعدة ثابتة للتعامل، لا تميل مع الهوى، ولا تتبدل مجاراة للصهر والنسب والغنى والفقر، والقوة والضعف، إنما تمضي في طريقها تكيل بمكيال واحد للجميع، وتزن بميزان واحد للجميع وإلى جوار العدل يأتي الإحسان ليلطف من حدة العدل الصارم الجازم، ويدع الباب مفتوحاً لمن يريد أن يتسامح في بعض حقه إيثاراً لود القلوب، وشفاء لغل الصدور، فالإسلام يحث على أن يكون العدل شامل بين الناس جميعاً لا عدلا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب وإنما هو حق لكل إنسان.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,855