تعاني المرأة الحامل للمرة الأولى عادة من «الطفولة النفسية»، حيث نجدها تعتمد على أمها في كل كبيرة وصغيرة، ومن ثم توكل أمورها حتى بعد الولادة لأمها، وتتصرف الأم بدورها باعتبار ابنتها دمية أكبر لها. والحامل التي تعاني من الطفولة النفسية، بقدر ما تعتمد على أمها، إلا أنها تتمنى أن تتحرر من سيطرة الأم وتبعيتها لها.

هكذا تنشغل الأم لا شعورياً بصراعاتها القديمة، وقد تنجح فعلاً في التعامل مع تلك الصراعات كما أنها قد لا تستطيع أن تقدم أكثر مما قدمته في الماضي، الأمر الذي يجعلها عرضة للمزيد من الصراع.

من الطبيعي أن يكون لدى المرأة عاطفة الأمومة، ورغبة في الإنجاب بدرجة أقوى من كل صراعات ورغبات وأفكار مكبوتة، فالمرأة التي لديها إرادة قوية في أن ينجح زواجها، قد تصبح هذه الإرادة حافزاً شديداً بحيث ينجح «الأنا» في استخدام كل ما لديه من حيل ليستبقي الصراعات المكبوتة فلا تستيقظ مع الحمل، وربما تكون للحامل رغبة عارمة في أن تثبت ذاتها كامرأة تستطيع أن تنجب كالنساء فيأتي حملها طبيعياً بتأثير رفضها لكل ما يجعله غير ذلك.

 

كثيراً ما تشعر الحامل أنها بالحمل لم تعد هي نفسها ولم تعد ملك نفسها، واضطربت وظائفها وحياتها، وقد تعتقد أن هذه البطن المنتفخة ليست بطنها، كما قد تشعر أنها أصبحت قصيرة، وأنها مع نهاية الحمل ستصبح قزمة!، ومعنى ذلك من الناحية النفسية أن علاقة الحامل بجنينها سلبية ومَرَضية، إنها تدرك أعراض الحمل، لكنها وجدانياً غير مصدقة أنها حامل، وغير مدركة عقلياً لمضي الحمل، وهي برغم امتلائها بالحمل، إلا أنها تشعر بالخواء الداخلي، وهذا من قبيل الأضداد التي يستحدثها الحمل، فالحامل تضخم بدنياً بالجنين الذي يكبر، وتضخم نفسياً بوعيها الذي يتنامى به، وهي في نفس الوقت تعتقد أنها تتضاءل بدنياً لأن جسمها يعمل ليل نهار في خدمة الجنين ويزوده بالدم وكل مستلزمات النمو، وتتجه كل وظائف جسمها إلى هذه الغاية بما يجعل كل زيادة في الجنين نقصاناً في جسمها.

 

الحامل تعتقد أنها تتضاءل نفسياً، لأن الجنين لا يعطيها نفسياً بل يأخذ منها، وستعطي كذلك بعد أن تلد، ولعلّ من أبرز التغيرات السيكلوجية عند المرأة الحامل هو ما يأتيها من تخيلات وأفكار غير معقولة مصحوبة بذكريات الطفولة التي كانت مكبوتة، وصراعات حول مسائل الجنس والحلال والحرام في الجنس، وعلاقاتها بالذكور في عائلتها.

أما عن جنس المولود وهيئته فإن الأم في فترة الحمل تتصور وليدها على هيئة معينة وجنس معين، وغالباً ما تتمنى الحامل أن تلد ذكراً، ليس فقط بحكم عوامل ثقافية واجتماعية، ولكن أيضاً نتيجة عوامل نفسية، ويشبع عقدة النقص التي تحسها كل أنثى، كما أنها تريد أن تفيض عليه كل حبها الذي ربما كانت تكنه لأبيها وهي صغيرة، وكل حبها لزوجها - الذي لا تملكه ولا يطاوعها عليه أحياناً ويتمرد عليها، إنها تريد أن ترى في ابنها كل فضائل أبيها وكل محاسن زوجها، وتتصور ابنها على صورة مثلى هي صورة ذاتها، وترى فيه كمالات أبيها التي قد يضخمها حبها القديم الطفولي لهذا الأب.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 67 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,712