الدكتور محمد بديع، المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين»، بات من أكثر الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي المصري. حملت إليه «الشرق الأوسط» مخاوف الناس، وصراعات السياسة، وقلق الشارع من تمدد «الإخوان» في كل مكان. وفي التاسعة صباحا استقللت «تاكسي» أبيض اللون من قلب قاهرة المعز، وسألت سائق التاكسي أن ينقلني إلى ضاحية المقطم، وقبل أن أصل الهضبة الوسطى سألني السائق عن العنوان، فقلت له المقر الرئيسي لجماعة «الإخوان»، فنظر إلي من خلف كتفه بعينين حمراوين من كثرة الإجهاد والتعب، وقال لي إن مقرهم الرئيسي ليس في الهضبة الوسطى، وإنه في الهضبة العليا، بالقرب من شارع رقم 9، وغير اتجاه السيارة. وسألني «أنت ذاهب لحكام الدولة الجديدة؟»، فابتسمت وقلت له «لا.. إنني ذاهب للقاء فضيلة المرشد العام»، فنقل على الفور مؤشر المذياع من نانسي عجرم وإحدى أغانيها الموسيقية، والسيارة تنهب الطريق الصاعد باتجاه الهضبة العليا، إلى مؤشر إذاعة القرآن الكريم، حيث كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يتلو آيات بينات من سورة «آل عمران» تقول «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».. إلى آخر الآيات الكريمة.
وفي داخل المقر الرئيسي للجماعة كان خالد مختار، المسؤول الإعلامي في الجماعة، في انتظاري.
ما إن دخل المرشد حتى انقلبت صالة الاستقبال إلى حالة من الفرح الشديد والبهجة بالترحيب بالمرشد العام لجماعة «الإخوان»، البعض أقدم عليه مقبلا يده، وآخرون قبلوا رأسه، وكان يتميز بالبديهة وخفة الدم في الترحيب بأولاده من شباب «الإخوان» وضيوفه، حتى سأل عني واحتضنني، وقال لي «رغم إصابتي بوعكة برد، فإنني بسبب حبي لـ(الشرق الأوسط) سهرت الليل أراجع أسئلتكم».
وفي أغلب أجوبته كان المرشد العام يكن التقدير والتبجيل والاحترام للرئيس الدكتور محمد مرسي، فعندما يتحدث عنه كان يسبق اسمه دائما بلقب فخامة الرئيس، نافيا شبهة أن «الإخوان» يحكمون مصر، مشيرا إلى أنه التقى الرئيس مرسي مرتين فقط لا غير، منذ أن تولى حكم مصر.. وجاء الحوار على النحو التالي:
* ما تعليق فضيلتكم على تصريحات الدكتور مرسي في طهران والتي لاقت استحسانا بالغا في الدوائر الغربية.. هل كانت مفاجئة بالنسبة لكم.. وهل يمكن القول إن الدكتور مرسي ابن الثورة كان عليه الانحياز للثورة السورية؟
- في الحقيقية إن تصريحات فخامة الرئيس كانت معبرة عن رأي جموع الشعب العربي، لأنه منهم وليس غريبا عنهم، وهذه المرة الأولى التي نشعر فيها بأن هناك رئيسا يتفاعل مع قضايا أمته بهذه الشفافية والوضوح والحسم الذي وفقه الله إليه. وفي الحقيقة إنني لم أتفاجأ، لأن معرفتي بفخامة الرئيس تجعلني على ثقة تامة فيه وفي قدراته التي لم يظهر منها للآن إلا القليل، وبإذن الله ينفع الله به وبعلمه وبإمكانياته بلده وأمته. وانحياز الرئيس للثورة الشعبية ليس شخصيا، لكنه معبر عن رأي الشعب المصري بل والشعب العربي، وهو انحياز لخيار الشعب ومطالبه لأن ذلك مطلب أخلاقي وقيمي قبل أن يكون سياسيا.
* ما هي أولويات الجماعة بعد الثورة؟
- نحن نعمل على عدة محاور، منها ما هو داخل الصف من تربية وتوظيف طاقات وتطوير للمناهج واللوائح، ومنها ما هو خارج الصف من التعامل مع المجتمع والمشاركة الفاعلة في حل قضاياه وكذا الاهتمام بقضايا الأمة والتفاعل معها وبخاصة قضية فلسطين.
* رسالتكم قبل الثورة هل اختلفت في ما بعد الثورة؟
- نحن نحمل الخير للناس، كل الناس، وهذه رسالتنا التي حثنا عليها الإسلام، وهي لا تتأثر في ثوابتها بمؤتمرات داخلية أو خارجية، فالثوابت في رسالتنا هي هي قبل الثورة وبعدها، فقد من الله علينا بالثبات على هذه الرسالة قبل الثورة رغم الظلم والجور الذي تعرضنا له، وندعو الله أن يعيننا على أن نؤدي رسالتنا على أكمل وجه وأن يتقبلها منا.
* هل يمكن القول إننا نعيش في زمن ودولة «الإخوان»؟
- لا ينبغي أن نجري وراء بعض المسميات الإعلامية التي تسعى للتفريق وليس للتجميع والاتحاد، لأن الهدف من مثل هذه المصطلحات المغرضة هو إثارة الأحقاد والفتن في المجتمع، فنحن الآن نعيش في بدايات نشأة دولة احترام الدستور والقانون والحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، واحترام الحريات العامة والخاصة، وتغليب الصالح العام على الخاص. فلا ينبغي أن نترك هذه الكليات والثوابت ونبحث عن فزاعات إعلامية يحاول البعض بثها من حين لآخر، من مثل الاستحواذ والتكويش والأخونة، وهي افتراءات يكذبها الواقع الناصع بفضل الله. وعندما تتحقق هذه القيم الكلية والمفاهيم والحقوق في المجتمع، فهل يطلق عليه أنه إخواني؟ أم أنه المجتمع المأمول والمنشود والذي من أجله قامت الثورة وضحى الشهداء بحياتهم.
* ما هو تأثير وصول الرئيس مرسي إلى حكم مصر في اتساع رقعة التنظيم العالمي لـ«الإخوان» في الغرب؟
- فخامة الرئيس هو الآن رئيس لكل المصريين، وهو استقال من جميع مناصبه القيادية في الجماعة والحزب، فلا ينبغي أن نحاول اختلاق معوقات للمسيرة لأن إثارة مثل هذه الأمور لا يبنى عليها عمل، فـ«الإخوان» قائمة ومنتشرة في معظم أنحاء العالم، تقدم الخير والنفع للمواطنين منذ عشرات السنين من قبل الثورات ومن بعدها، وقد تربوا جميعا رجالا ونساء على القيم والفضائل وعلى خدمة المجتمعات التي يوجدون فيها حتى ولو في بلاد غير إسلامية، ملتزمين بدساتيرها وقوانينها، فما بالكم بالبلاد العربية والإسلامية؟! وذلك لأن خير الناس أنفعهم للناس - كل الناس - وقد أمرنا الله أن نتعاون على البر والتقوى فقط ولا نتعاون أبدا على الإثم والعدوان.
* بما تزكون الدكتور مرسي وما انطباعكم عنه؟
- فخامة الرئيس رجل رباني متواضع وحكيم وقوي الشخصية، وعالم بارز وسياسي محنك ومحب لوطنه وأمته، هذا بعض ما يمكنني وصفه به بحكم تعاملي معه، ولا أذكي على الله أحدا، لأنني عرفته عن قرب منذ أن عملنا معا في جامعة الزقازيق منذ أكثر من ثلاثين سنة.
* البعض في صحف الغرب وكذلك بعض العلمانيين يرددون من حين لآخر أن فضيلة المرشد هو الحاكم الفعلي لمصر.. أين الحقيقة.. كم مرة قابلتم الدكتور مرسي بعد وصوله إلى الحكم؟
- هذا كلام لا يستحق الرد، وهو صادر عن نفوس مريضة عز عليها أن تتحرر إرادة الشعوب، ففخامة الرئيس مرسي هو الرئيس الفعلي لمصر، ولا أقبل أبدا بأن أتدخل في عمل أحد أو حتى أتوسط عنده لأحد، وهذا ما علمنا إياه الإسلام وما تربينا عليه في مدرسة «الإخوان»، وما نربي عليه إخواننا الآن. وقد قابلت فخامة الرئيس مرة مع بعض القيادات الإسلامية لتهنئته بعد تسلمه السلطة، ومرة أخرى مع كل أطياف المجتمع في حفل إفطار شيخ الأزهر.
* هل يمكن القول إن كلام الرئيس مرسي على العين وعلى الرأس حتى على مكتب الإرشاد والمرشد نفسه؟
- هو الآن رئيس كل مصر، وكلنا وراءه في قراراته، ولعلكم تتابعون مدى التأييد الشعبي لقراراته الموفقة التي صدرت في الآونة الأخيرة والتي تؤكد مدى تواصل الرئيس مع المواطنين وشعوره بقضاياهم ومشاكلهم وسعيه الحثيث لحلها وللتأسيس للدولة الحديثة التي ننشدها جميعا.
* هل تتذكرون أيام الثورة.. أين كنتم، وكيف كنتم تتابعون مظاهرات الميادين، وهل كنتم على قناعة بأن الرئيس المخلوع ذاهب لا محالة؟
- هذا موضوع كبير، والكلام فيه يحتاج لتفاصيل كثيرة، لكن مكتب الإرشاد كان في انعقاد دائم، وكنا نتابع الأمور لحظة بلحظة من أول يوم في الثورة، وقد وثقنا ذلك ببيانات صادرة عنا في كل يوم من أيام الثورة. وقد كنا على ثقة من نصر الله سبحانه وتعالى، وأن النظام قد بدأ في الانهيار لأن ظلمه وفساده قد فاق كل التصورات، وقد كان الله عز وجل ملاذنا الوحيد، وكان دعاؤنا له في التهجد مع القنوت في كل الصلوات أن ينقذ مصرنا الحبيبة.
* هل الاعتقالات والمصادرة والحبس والسجن أيام الرئيس المخلوع أصابت الجماعة بالوهن أم شدت من عزيمة أبنائها؟
- بفضل الله قوت هذه المحن من عزيمة «الإخوان»، لأن هذا هو طريق أصحاب الدعوات «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ.. ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ».. وكلما طغى الباطل وتجبر وتكبر أتى نصر الله ودعمه للمظلومين «ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ.. ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ونُرِي فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ».. وهذا هو وعد ربنا في كتابه العزيز، وكنا على ثقة من تحقيق وعد ربنا بنصره لعباده المؤمنين حين يستوفون موجبات النصر. والله عز وجل أقسم بعزته وجلاله لدعوة كل المظلومين «لأنصرنك ولو بعد حين»، وقد جاء النصر والحمد لله.
* ما أبرز الاقتراحات التي قدمها البعض لتطوير الجماعة ومجلس الشورى بها؟
- ضرورة ابتكار وسائل جديدة للتربية المجتمعية والانفتاح على كل شرائح المجتمع، والصبر على المناوئين والمتحاملين لأنهم ضحية عشرات السنين من تشويه صورتنا، وكذلك مزيد من فرص المشاركة للشباب والنساء.
* الجماعة تحكمها ضوابط وأساسيات.. لكن هل تعرضت الجماعة من قبل لعملية نقد ذاتي من الداخل مثل بقية الجماعات الإسلامية على الساحة.. أي متى يقول مجلس شورى الجماعة أصبنا أو أخطأنا؟
- نحن مجموعة من البشر نصيب ونخطئ، ولا ندعي العصمة، ونحن في حالة تقييم شامل وكامل باستمرار وعلى كل المستويات. والجماعة بفضل الله أكبر مؤسسة تتم فيها الشورى على كل المستويات، وفيها نسبة مكاشفة عالية جدا، لأننا نتقرب إلى الله بأعمالنا، لكن البعض يريد أن ننشر كل المناقشات والسجالات التي تدور في الاجتماعات المغلقة، وهذا غير موجود في أي عمل مؤسسي قائم على قواعد وأسس منظمة للعمل.
* ما موقفكم من الإخوة المسيحيين في مصر؟
- هم إخواننا في الوطن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وعلاقتنا بهم ممتازة بفضل الله على عدة مستويات سواء رسمية أو شعبية، وقد نجح على قوائم حزب الحرية والعدالة العديد منهم، وهناك أيضا العديد منهم في القيادات العليا في الحزب. فنحن نؤثر العمل والإنتاج في علاقتنا بهم على الدعاية والإعلام. وقد تواصلت شخصيا بالزيارات الودية وليست الدعائية مع البابا شنودة قبيل رحيله، وكذلك للأنبا باخوميوس بعد تقلده منصبه، وزارني هو أيضا، وكذلك للإخوة الإنجيليين وشباب وفتيات الكنائس، وتبادلنا معهم الزيارات وبناء جسور الثقة والتفاهم لبناء مصر الثورة بعد أن أصبحنا جميعا اتحاد ملاك مصر.
* من من المرشدين السابقين أقرب إلى قلبكم أو تأثرتم به في حياتكم أكثر؟
- كلهم أصحاب فضل، وسبق أن تعلمت من كل منهم الكثير والكثير، ومثلي ومثلهم في قول الله تعالي «والَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».. وآخرهم النموذج الفريد لأول مرة بأن يكون هناك - باختياره - مرشد سابق بالخيرات بإذن الله، كما أحببت أن أسمي الأستاذ عاكف.
* هل تستشير أحدا قبل كتابة رسالتكم الأسبوعية؟
- هناك لقاء خاص بالرسالة الأسبوعية يضم عددا من الإعلاميين والصحافيين والمسؤولين بالجماعة وأصحاب الرأي، يتم فيه التباحث حول أهم القضايا والموضوعات على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وفي النهاية نقرر الموضوع وعناصره.
* هل فضيلة المرشد له تصريح ذكر فيه أن نجاح الثورة انتقام من مقتل الإمام الشهيد حسن البنا المؤسس، أم أن الثورة نجحت بفعل دعوات المظلومين؟
- سقوط رأس النظام حسني مبارك كان في ذكرى استشهاد الإمام الشهيد حسن البنا، وحاول البعض بكل أسف تشويه هذه الصورة بتلفيق مثل هذه التصريحات المكذوبة. لكن الثورة نجحت بدعوات المظلومين ودماء الشهداء وتضحيات الصابرين وتكاتف وتوحد الجميع وتغليب الصالح العام على الخاص وقيادة الأهداف للثورة، فهذه أهم أسباب نجاح الثورة بعد فضل الله وتوفيقه لنا بطبيعة الحال. وقد دأب بعض الصحافيين الذين يحرصون على تشويه صورتنا على اختلاق الأكاذيب واقتطاع الكلمات من سياقها، لكن الحق دائما أبلج، والباطل والكذب لجلج.
* ما الآية القرآنية التي تبدأون بها يومكم.. القريبة من القلب الخفيفة على اللسان؟
- نعم كثيرا ما أردد هذه الآية « قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ»، وأردد هذا الدعاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك».
* القضية المركزية لـ«الإخوان» نحن نعرف أنها القضية الفلسطينية، ولكن أين «إخوان مصر» من ملف العنف الدامي في سوريا.. هل أنتم على اتصال مع مراقب «إخوان سوريا» أبو حازم رياض الشفقة أو نائبه أبو أنس؟
- موقفنا واضح من القضية السورية منذ بدايتها، فنحن مع الشعب السوري الشقيق في حقه في التخلص من قاتليه المجرمين ونحن ندعم كل الجهود الداعمة لنيل الشعب السوري الحبيب لحريته من الظالمين الجاثمين على صدره ظلما وعدوانا، ونحن ندعو الله موقنين بالإجابة أن يرينا في طاغوتهم آية عاجلة يشفي بها صدور قوم مؤمنين ويحقن بها دماء إخواننا السوريين، لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس مؤمنة»، وقال رب العزة «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نفسا بِغَيْرِ نفسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».
* عندما كنتم في ليالي الحبس الطويلة.. هل دار بخلدكم أن الآية يمكن أن تنقلب.. هل كنتم تتخيلون أن ينصر المولى شباب الجماعة بعد سنوات طويلة من الحبس والمصادرة؟
- هذا الأمل لم يفارقنا في أشد لحظات السجن شدة وقساوة، لأننا كنا على ثقة من وعد الله، وقد كنا نشغل أنفسنا في السجن بدراسة مشاكل مصر وكيفية حلها ووضع آليات للتنفيذ، لأن «الإخوان» بفضل الله عامرة بالكفاءات المهنية المميزة، وقد كنا نرسل المقترحات للجهات المختصة فكانت تتجاهلها.
* ما تعليقكم على تظاهر العشرات من الفلول أمام قصر الاتحادية في ما عرف باسم مظاهرات إسقاط «الإخوان» والتي طالبوا فيها بإبعاد الجماعة عن دائرة صنع القرار السياسي وتشكيل جمعية تأسيسية جدية لتشكيل الدستور؟
- بداية حق التظاهر مكفول للجميع ما دام في إطار القانون ولا يتعرض للمنشآت العامة والخاصة، كما أن «الإخوان»، كجماعة، بعيدة عن دائرة صنع القرار ولا تتدخل في ذلك بأي شكل من الأشكال. لكن هناك من يريد أن يحجم «الإخوان» ويبعدهم ويقصيهم عن أي دائرة صنع قرار كالوزارات وغيرها، بمعنى آخر يريد البعض أن يعيد ظلمنا كما ظلمنا النظام السابق وأبعدنا لسنوات عديدة وحرمنا من خدمة مصر وأهلها وحرمها من خبراتنا، وهو ما عبر عنه الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق حين قال «نحن نعتذر لشعب مصر أن حرمناه من جهود (الإخوان المسلمين) لسنين طويلة».. ولكن يأبى الله ذلك «واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ».
* هل تعتبرون أن تعيين مساعد مسيحي للرئيس مرسي هو إنجاز حقيقي في ظل رئيس إسلامي للمرة الأولى؟
- بالطبع هو إنجاز، ليس في كونه مسيحيا فقط ولكن لأنه لم يكلف بملف الأقباط مثلا، ولكن بملف من ملفات الدولة والمجتمع المصري كله، لأننا نسيج واحد سدى ولحمة. ولقد كان النظام السابق يقوم على شخص واحد ويدور الجميع في فلكه ويحقق أمانيه وطموحاته حتى وإن تعارضت مع مصالح البلاد والعباد. وكان المخلوع يحرص على أن يجعل أهل مصر شيعا، ويفرق بينهم ليسود هو ويشغلنا ببعضنا عن بعض، أما الآن فنحن أمام نموذج مختلف قائم على التعددية والتنوع والحرص على خدمة الوطن.
* هل تديرون الجماعة بأسلوب الضبط والربط والسمع والطاعة أم بأسلوب مرن أكثر باعتبار أن الجماعة من أكبر القوى السياسية في الشارع منذ أكثر من 80 عاما؟
- لو أن الجماعة تدار بأسلوب الضبط والربط والسمع والطاعة لما استمرت لأكثر من ثمانين عاما، لكننا ندير الجماعة بالحب، فالإدارة بالحب هي الأبقى والأقوى لأننا جميعا نتعبد إلى الله بأعمالنا كلها فلا يعقل أن يكون ذلك بالإجبار، ولعله من العجيب أن تعلم أن الالتزام في اللغة العربية هو الحب والاحتضان، وهناك باب الملتزم، أي الباب الذي نحتضنه، فهذا هو الالتزام عن طريق الحب، فالمؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
* ألا تغضب من المشقين عن الجماعة أو المتمردين على مبدأ السمع والطاعة في المنشط والمكره؟
- الجماعة هيئة إسلامية جامعة، والعمل فيها تطوعي، ولا يمكن أن نجبر أحدا على الاستمرار معنا رغما عن إرادته الحرة، والبعض يرى أنه يمكنه أن يخدم الإسلام عن طريق غير طريق «الإخوان» وهذا رأيه وله كل الحرية في ذلك، لكننا نمد أيدينا للجميع، ونحرص على ألا نفرط في أحد، وإذا كانت هناك أي محاولات للتقريب في وجهات النظر بين المختلفين فنحن لا نتأخر لأننا دعوة تجمع ولا تفرق. والكثير ممن بعدوا عنا مهما كانت الأسباب ذاقوا مرارة الفراق وعادوا لأحضان جماعتهم وإخوانهم الذين شاركوهم السراء والضراء ويدعون الله لهم كل صباح ومساء ألا يحرمنا الصحبة في الجنة. وندعو جميعا «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ».
مرشد «الإخوان» في سطور
* الدكتور محمد بديع عبد المجيد هو المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المسلمين خلفا للدكتور محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق، في سابقة هي الأولى على مر تاريخ الجماعة في مصر باختيار مرشد عام للجماعة بالانتخاب في ظل وجود مرشد عام على قيد الحياة، وليصبح محمد مهدي عاكف صاحب لقب أول مرشد عام سابق للجماعة. ولد بديع في 7 أغسطس (آب) 1943 في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة سنة 1965، وفي العام ذاته تم تعيينه معيدا بكلية طب بيطري أسيوط، حتى حصل على درجة الماجستير عام 1977، وتمت ترقيته إلى مدرس مساعد في العام ذاته لكنه نقل إلى جامعة الزقازيق. وحصل بديع على درجة الدكتوراه عام 1979 من جامعة الزقازيق، وأصبح أستاذا مساعدا عام 1983 في الجامعة ذاتها، ثم أستاذا عام 1987 بجامعة القاهرة فرع بني سويف، ثم رئيسا لقسم الباثولوجيا بالجامعة ببني سويف سنة 1990 لدورتين، ووكيل كلية الطب البيطري ببني سويف لشؤون الدراسات العليا والبحوث سنة 1993 لدورة واحدة. ونتيجة لعمله السياسي الذي بدأ عقب التحاقه بالجامعة، دخل الدكتور بديع السجن أكثر من مرة، وكانت القضية العسكرية الأولى سنة 1965 مع سيد قطب و«الإخوان»، وحُكم عليه بخمسة عشر عاما، قَضى منها 9 سنوات، وخرج في 1974.
والقضية الثانية السجن لمدة 75 يوما في قضية جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف عام 1998، حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة ببني سويف. أما القضية الثالثة فكانت قضية النقابيين سنة 1999، حيث حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس سنوات، قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أرباع السنة وخرج بأول حكم بثلاثة أرباع المدة سنة 2003.
ساحة النقاش