وضع الإسلام الحنيف لمبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ضوابط وشروطاً تجعله وسيلة دعوية تسودها الرحمة والسماحة، لكن بعض المسلمين يستخدمون هذا المبدأ بمفهوم خاطئ يجعله وسيلة للعنف والعدوان على الآخرين. وأكد علماء الازهر أن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وضوابط لابد من الالتزام بها، أهمها أن يكون التغيير برأي العلماء واستنكار العوام، مشيرين إلى أن ذلك لا يكون بالعنف والاعتداء على أفراد المجتمع.
أحمد مراد - أوضح العلماء أن السبيل الوحيد الذي أقره الإسلام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة، مؤكدين أن الإسلام الحنيف دعوة حضارية لا مجال فيها للعنف والارهاب، حيث يقول الدكتور العجمي الدمنهوري العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر إن هناك ضوابط تضعها الشريعة الإسلامية لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأهم هذه الضوابط أن تنطلق مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، وليس من منطلق الاعتداء أو العنف، فالمقصود من قول الله تعالى «ولتكن مِنكم أُمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحِون» آل عمران 104، هو أن المؤمنين مكلفون بأن ينتخبوا منهم أُمة تقوم بهذه الفريضة، وذلك بأن يكون لكل فرد منهم إرادة وعمل في ايجادها.
شروط الأمر بالمعروف
ويضيف العجمي: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرا فليغيره، ووسيلة التغيير هي اللسان أي بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة، ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنون» سورة يونس آيه 99، وهذا أمر الله فلا ينبغي أن نتدخل فيه إلا برفق، فمن يستجيب فخير ولا بأس بلا إكراه، إلا إذا كان المأمورون تحت ولاية من يأمر، مثل الأب بالنسبة لأطفاله، كما أن الإسلام لا يسمح بالإكراه في فرض ما يراه معروفاً، ولا يسمح أيضا للناس بتولي تطبيق الحدود بأنفسهم، وإنما جعل هذا الأمر من اختصاص مؤسسات الدولة أو العلماء، وليس من اختصاص عامة المجتمع.
ويؤكد الدكتور الدمنهوري أن وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعين على القادرين على القيام به وأدائه بالصورة التي تحقق الهدف، وهناك ثلاثة شروط للوجوب، وهي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العالم بهما الذي يعرف مصادرهما ومواردهما، وقادر على التشخيص والتمييز بين الاَقوال والافعال والممارسات السلوكية.
ونبه إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على من له القدرة على التأثير، بأن يكون قوي النفس والارادة والبيان، وله اطلاع كامل على مستويات الناس وطاقاتهم العقلية والنفسية، ويستطيع الصمود أمام العقبات والتعقيدات التي تواجهه، وله قوة في شخصيته يستطيع من خلالها التأثير على الآخرين بالقول والفعل، وبالايحاء والتلقين لذا نجد على رأس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الانبياء والاوصياء والائمة والفقهاء، ومن له سلطة روحية أو سياسية، أو له مكانة اجتماعية مرموقة.
وقال إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ليس بالهين ولا باليسيرلأنه يصطدم بشهوات الناس ونزواتهم، ويصطدم بمصالح البعض ومنافعه الضيقة، ويصطدم بالغرور والكبرياء اللذين تحملهما النفس الانسانية.
كيفية التطبيق
وتقول الدكتورة عفاف النجار أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إنه لا يمكن لاي إنسان أن ينصب نفسه مسؤولاً عن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود، فالله تعالى يقول «ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب» سورة البقرة آيه 179، وهذا الحد بالقصاص لا يكون إلا من خلال القاضي، أو من له سلطة وإلا لو تُرك تطبيق الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للافراد العاديين فسوف تصبح الحياة فوضى، وستنتشر المذابح بين أفراد المجتمع حينما يفوض كل إنسان نفسه للقيام بهذه المهمة، ويتحول المجتمع إلى غابة تسودها الهمجية، وهذا لا يعقل بين المسلمين.
وتشير إلى أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكراً فليغيره»، لا يعطي الحق لأفراد المجتمع في أن يستخدموا العنف والإرهاب فيما بينهم، بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤكدة أن من له الحق في القيام بهذه المهمة هو فقط شخص معين، ولا يكون هذا بالعنف والاعتداء على أفراد المجتمع وإنما بالحوار والنقاش والوعظ والنصيحة.
وتضيف: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ثلاث مراتب: الاولى بالقلب وهي أضعف المراحل، لأنه لا يواجه الانحراف برد فعل أي برادع، والثانية باللسان، وهو القول للمخالف ومحاولة إرشاده وردعه عن منكره أو تركه للمعروف، والثالثة باليد بمعنى المنع من ارتكابه للمخالفة، والأمر لا يقتصر على القوة البدنية ونحوها بل يشمل كل قوة عملية تصد الانحراف، كما لو أراد شخص قتل إنسان وأمكن منعه بالتوسل بالأسباب والموانع المختلفة وإن تعذر يمكن منعه بالقوة أيضاً.
وتؤكد الدكتورة عفاف أن المرتبتين الثانية والثالثة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجب إذا أمن الإنسان الضرر، لكن إذا لم يأمن الضرر، فيجب عليه أن يراعي الأهم، فإن كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من الضرر الذي يترتب على الإنسان وجب ذلك.
حق الآخر
وبين الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الاسبق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن المسلم مأمور بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن ليس بالعنف ضد الآخريين أو الاعتداء عليهم، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعني ارتكاب جريمة الاعتداء والعنف في حق الغير، فهذا الأمر قد يُظهر الإسلام بانه نظام فوضوي يولي بعض أفراد الشعب سلطة تأديب البعض الآخر، ويظهر الشريعة بمظهر غير حضاري وبشكل يتنافى تماما مع سماحة وقيم واخلاقيات الشريعة الإسلامية.
ويؤكد أن القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط لابد من الالتزام بها أهمها، أن يكون التغيير بيد الحاكم ورأي العلماء واستنكار العوام، فلا يوجد في الاسلام ما يسمى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للناس جميعا، مشيرا إلى أنه ليس كل مسلم مسؤولا عن تنفيذ الحدود، فالإسلام الحنيف في دعوته له مؤسساته الدينية التي تتحدث باسمه وله علماؤه الذين لديهم الحق في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.
ويقول: السبيل الوحيد الذي أقره الإسلام للامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المجادلة بالحسنى والموعظة فالاسلام الحنيف دعوة حضارية والحوار والإقناع لغتها الاولى ولا مجال فيه للعنف والارهاب، ولا توجد دعوة إلى الإسلام بالعنف والسلاح، فذلك لم يحدث على الاطلاق فى التاريخ الإسلامي، لأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اختصاص أشخاص حددهم الإسلام، وليس من حق أحد من الرعية أن يلجأ إلى العنف، ويسمي نفسه آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، فهذا الامر افتئات على السلطة وعلى دور العلماء.
ساحة النقاش