أحمد مراد
نظراً للدور الذي لعبه الإمام العز بن عبد السلام في خدمة الإسلام الحنيف أطلق عليه المؤرخون عدة ألقاب منها «عز الدين، سلطان العلماء،»، وتمثل الدور الأبرز الذي قام به في دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولي التتري. وترك العزّ تراثا علميا ضخما في علوم التفسير والحديث والسيرة والعقيدة والفقه وأصول الفقه، وكتباً في الزهد، منها:الفوائد في اختصار المقاصد، تفسير العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، الإمام في بيان أدلة الأحكام.
وقال محمد عبدالعزيز أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، إن العز بن عبد السلام، هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السُلمي، مغربي الأصل، ولد في دمشق عام 577 هـ، وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه، وقد نشأ في دمشق في كنف أسرة متدينة فقيرة مغمورة، وابتدأ العلم في سن متأخرة نسبيا.
التحصيل العلمي
وأشار إلى أنه يروى عن العزّ بن عبد السلام أنه كان فقيراً في أول أمره، ولم يشتغل بالعلم إلا على كبر، ثم أقبل بعد ذلك على المزيد من العلم حتى صار أحد أعلام زمانه، فقد قصد العز كبار العلماء في عصره، وجلس في حلقاتهم، ونهل من علومهم، وتأثر بأخلاقهم، وكان من أبرز العلماء الذين أخذ عنهم العلم فخر الدين بن عساكر الذي قرأ عليه الفقه، وسيف الدين الآمدي الذي قرأ عليه الأصول، والحافظ أبي محمد القاسم بن عساكر، وقد سمع منه الحديث.
وذكر محمد عبدالعزيز أن العز جمع في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية، فقد برز أيضا في اللغة والنحو والبلاغة، وكان أكثر تحصيله في دمشق نفسها، ولكنه ارتحل أيضا إلى بغداد للازدياد من العلم وكان العز بن عبد السلام في بداية أمره منكراً على الصوفية إلا أنه بعدما التقى بالشيخ أبو الحسن الشاذلي سلك التصوف وبدأ يحضر دروسهم، وأخذ التصوف من شهاب الدين عمر السهروردسي، وقرأ بين يديه الرسالة القشيرية.
غضب العز
وأوضح أنه حكم دمشق في أيام العزّ بن عبد السلام الملك الأشرف موسى ومن بعده الملك الصالح عماد الدين إسماعيل من بني أيّوب، فقدرا للعزّ تفوقه في العلم وولوه خطابة جامع بني أمية الكبير بدمشق، وبعد فترة قام الملك الصالح بقتال ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب، حاكم مصر آنذاك، لانتزاع السلطة منه.
مما أدى بالصالح إسماعيل إلى موالاة الصليبيين، فأعطاهم حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والتزود بالطعام وغيره، فاستنكر العز بن عبد السلام ذلك وصعد المنبر وخطب في الناس خطبة عصماء، فأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة، وبحُرمة الصلح معهم،، فاعتبِر الملك ذلك عصيانا وشقّا لعصا طاعته، فغضب علي العز وسجنه، فلما تأثّر الناس، واضطرب أمرهم، أخرجه الملك من سجنه وأمر بإبعاده عن الخطابة في الجوامع. فترك العزّ الشام وسافر إلى مصر.
كما أشار أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر إلى أن العزّ بن عبد السلام وصل إلى مصر سنة 639هـ، فرحّب به الملك الصالح نجم الدين أيوب وأكرم مثواه، ثم ولاّه الخطابة والقضاء. وكان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، وهم مملوكون لغيرهم، بالبيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر، وهو ما يتعارض في نظره مع الشرع الإسلامي، إذ هم في الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. فامتنع أن يمضي لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه بدوره فتوى العزّ، فأمره أن يعْدل عن فتواه، فلم يأتمر بأمره، بل طلب من الملك ألا يتدخل في القضاء إذ هو ليس من شأن السلطان، وأدّى به أنكاره لتدخّل السلطان في القضاء أن قام فجمع أمتعته ووضعها على حماره ثم قال: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها» ويرْوى أنّه تجمّع أهل مصر حوله، واستعد العلماء للرحيل معه، فخرج الملك الصالح يترضاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الشرع.
بيت المال
وبين أنه في آخر دولة الأيوبيين تولت الحكم شجرة الدر، وكان العزّ بن عبد السلام من الذين استنكروا الأمر وعارضوه جهرة، لاعتقاده مخالفة ذلك للشرع، ولم يدم حكم شجرة الدر سوى 80 يوماً، إذ تنازلت على عرشها للأمير عز الدين أيبك الذي تزوجته وبقيت تحكم من خلاله، وبعد وصول قطز لسدة الحكم في مصر، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم، عمل العز على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاة التتار الزاحفين ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرعية للإعداد للحرب، وقف العز بن عبد السلام في وجهه، وطالبه ألا يأخذ شيئا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التي تتناسب مع غناهم حتى يتساوى الجميع في الإنفاق، فنزل قطز على حكم العز بن عبد السلام، حتى توفي العز بن عبد السلام بعد ذلك بفترة.
ساحة النقاش