مثل الشعر وجدان العرب منذ العصر الجاهلي وبقي جزءاً من كيانهم فلم يفارقهم الشعر فعبروا به عمّا يجيش في خواطرهم وما يعتمل في قلوبهم من مشاعر فتمنى الشعراء أن يستطيع شعرهم التعبير عن كل ذلك فكثرت لازمة “يا ليت شعري” كقول زهير بن أبي سلمى:
ألا ليت شعري: هل يرى الناسُ ما أرى
من الأمْرِ أوْ يَبدو لهمْ ما بَدا لِيَا؟
قال مروان بن أبي حفصة الشاعر: خرجتُ أريد معنَ بن زائدة أمدحه بقصيدة لي، فلقيت أعرابياً في الطريق،
فسألته: أين تريد؟ فقال: هذا الملك الشيباني (يعني ابن زائدة).
قلت: فما أهديتَ إليه؟ قال: بيتين.
قلت: فقط؟! قال: إني جمعتُ فيهما ما يسرّه.
فقلت: أنشدهما. فأنشدني:
معنُ بن زائدةَ الذي زيدتْ بـه
شرفاً على شرفٍ بنو شيبان
إنْ عُـدّ أيام الفَعال فإنّما
يوماه يومُ ندًى ويوم طعانِ
وكنتُ قد نظمت قصيدتي بهذا الوزن.
فقلت للأعرابي: تأتي رجلاً قد كثـُر الشعراء ببابه بيتين اثنين؟!
قال: فما الرأي؟
قلت: تأخذ منـّي ما أَمَّلـْتَ بهذين البيتين وتعود أدراجك.
قال: فكم تبذل؟
قلت: خمسين درهماً.
قال: لا والله، ولا بالضـِّعف، فلم أزل أرفـُق به حتى بذلتُ له مائة وعشرين درهمـاً، فأخذها وانصرف، وأتيتُ معن بن زائدة، فأنشدته قصيدتي بعد أن جعلت البيتين في وسط الشعر. فوالله ما هو إلا أن بلغتُ البيتين فسمعهما، فما تمالك أن خرّ عن فـَرْشـِه حتى لصق بالأرض.
ثم قال: أعد البيتين. فأعدتهما.
فنادى: يا غلام، ائتني بكيس فيه ألف دينار وصُبـّها على رأسه، وأعطه دابة وبغلاً وعشرين ثوباً من خاصّ كـُسـْوَتي!
زهير بن أبي سلمى:
بَدا ليَ أنَ النّاسَ تَفنى نُفُوسُهُمْ
وأموالهمْ، ولا أرَى الدهرَ فانيا
وإنِّي متى أهبطْ من الأرضِ تلعة
أجدْ أثراً قبلي جديداً وعافيا
أراني، إذا ما بتُّ بتُّ على هوى
فثمَّ إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديا
إلى حُفْرَة أُهْدَى إليْها مُقِيمَ
يَحُثّ إليها سائِقٌ من وَرَائِيا
كأني، وقد خلفتُ تسعينَ حجة
خلعتُ بها، عن منكبيَّ، ردائيا
ساحة النقاش