خدام يتحدث عبر الهاتف من باريس
في هذه المنطقة من العالم، حيث يكون الساسة مرتبطين دائما بالمنصب الرفيع، ما لم يتدخل القضاء والقدر ليفض الاشتباك بين «الكرسي» وبين الرغبة الشعبية في التغيير يبقى الثمن الذي غالباً ما يدفعه الساسة نتيجة لهذه الإشكالية العتيقة، إما بالإقصاء أو بالتغييب أو بـ«الموت». قليلون منهم، من ينجحون بالإفلات من سوء المصير، وقليل منهم من يستطيع أن يمسك كتابه بيمينه، قبل الغرق في ربيع الثورات العربية صارخاً «يا بني اركب معنا» فلا عاصم اليوم من أمر الشعب، طريقك اليوم آمن، باسم الشعب الثائر وحده، وليس بخطة مبعوث دولي مثل كوفي عنان أو الأخضر الإبراهيمي.. فالفيتو الأخير لن يكون سوى مزيدٍ من التهلكة.. فالحياة لا تقبل القسمة بين الحكام والشعوب.. الأخيرة هي دوماً الفائزة. في هذه المنطقة من العالم، وفي الشرق الأوسط تحديداً.. كما قال بعض الكتاب: «يخرج السياسيون من مناصبهم فيخرجون من التاريخ وربما من الحياة نفسها، يدركون أنهم حين يودعون السلطة فهم يودعون معها أمنهم الشخصي وأن ما تبقى من أعمارهم أصبح قيد المطاردة.. رهن رصاصة أو انتحار مدبر أو حادث اغتيال مقيد ضد مجهول.. هكذا يعيشون كالموتي أيام ما بعد السلطة.. فإذا تبقى لدى أحدهم قدرة على مقاومة أو أمل في عودة، فإنه يحاول أن يقتنص لنفسه مساحة من تاريخ لن يكتبه خصومه». وفي كتابها الشهير، «ضفادع وعقارب» تحكي الصحفية الأمريكية دورين كايز، حكاية العقرب الذي حاول عبور نهر الأردن، فاحتال على الصفدع الذي صدق ألاعيبه، واستأمنه على حياته، وعندما وصل العقرب للشاطئ الآخر، لدغ الضفدع الذي تذكر أن العقرب لا يمكن أن يكون واهباً للحياة بقدر ما هو نافث للسم بالطبيعة، فقال قولته الشهيرة: هكذا حال الشرق الأوسط يا عزيزي «فما بالنا إذا كان الحال هكذا في سوريا الأسد، حيث القاتل يصبح مناضلاً، والطاغية يرسم لنفسه صورة البطل الشعبي، والديكتاتور يلبس ثوب أنبياء الحرية والديمقراطية، والمهادن يتشدق بالمقاومة والممانعة وأشياء أخرى لم تأت بها أفعالهم وإن نطقت بها ألسنتهم وأفواههم. وصدقها زبانيتهم وجلادوهم وحاملو بخور أكاذيبهم.
عذراً لهذه المقدمة التي استغنيت بها عن مقدمة مهنية تلخص أهم ما في الحوار وتناسب حجم الضيف وقدره، لأن ما يحدث في سوريا من جرائم تقشعر لها الأبدان يطلق الكلمات دون أن تدري. وتجعل من الضروري للمرء أن يتخلى ولو مرةً واحدة عن حياديته.
أعترف أن الصدفة وضعتني فجأة أمام عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق، وأحد الذين اختاروا «الخروج الآمن» مبكراً، وقبل سبع سنوات مستبقاً الثورة الشعبية في بلاده ضد نظام الرئيس بشار الأسد، ربما لإدراكه وهو الذي أمضى قرابة نصف قرن من حياته ملازماً للمنظومة السياسية في بلاده، مع الأب حافظ، والابن بشار.. أن المستقبل وكما قال شاعر جنوب أفريقي ذات يوم: «يا للروعة.. إن المستقبل أسود» بالطبع في ظل الاستمرار مع نظام بشار.
عبدالحليم خدام، أو أبو جمال كما ناديته، يعترف بأن المشكلة الكبرى في النظام العربي هي أن «الخوف على السلطة أقوى من الخوف على الوطن، وأن القلق على أمن النظام أقوى من القلق على مصير الشعب، هو أحد أشهر من شغلوا منصب «نائب الرئيس» بالمنطقة العربية فقد احتكره «فعليا» في «سوريا الأسدين» الأب والابن.
صحيح أني سعيت طيلة أكثر من شهر، حتى جاءت فجأة بتنسيق مع أحد قادة الجيش الحر، وتحديداً مدير علاقاته الأستاذ أحمد الأشقر، الذي تفضل مشكوراً بالترتيب الثلاثي عبر ثلاث عواصم القاهرة وبروكسل وباريس، فحاورته لأكثر من ساعة عصر الجمعة، ولم أضيع الفرصة.. وكان هذا الحوار المليء بالمفاجآت:
لماذا الصمت؟
في البداية سيد خدّام.. باعتبارك كنت قريبا من النظام لسنوات طويلة، ما توصيفكم للوضع فى سوريا؟
ـ الوضع فى سوريا بالغ الخطورة، فالشعب يتعرض يومياً لمجازر فى كل المدن وأرياف البلاد، وبمرور الأيام تدمر بيوت وأحياء ويتساقط شهداء وجرحى، ومع هذا المنظر المأساوى نجد أن المجتمع الدولي والأنظمة العربية، يقفون مترددين صامتين ويتيحون الفرصة للسفاح بشار الأسد لمزيد من القتل والتدمير.
وأعتقد أنه لو حدث عشر هذه المجازر في أي دولة في العالم لتحركت الأمم المتحدة بشكل فعال، وفي ليبيا تحركت جامعة الدول العربية خلال أيام، والآن السوريون يتساءلون: لماذا هذا الصمت؟ ولماذا تكتفي الحكومات العربية والأجنبية بمنظر المتفرج على هذه الأحداث؟.
شمولي ومتعفن
دعني أعد للماضي قليلاً.. وأسألك: كيف ترى تركيبة النظام فى سوريا؟
ـ النظام فى سوريا ينحصر فى رئيس البلاد، فهو صاحب القرار الوحيد والمشرع والذى يأمر وينهى، النظام شمولي «متعفن لا مثيل له فى العالم إطلاقا»، وكل الأنظمة المماثلة سقطت وما بقي إلا القليل منهم الذى يعتبر النظام السورى واحداً منهم.
سؤال محرج
عفواً لدي سؤال محرج قليلاً.. إذا كنت تدرك أن النظام شمولي ومتعفن ـ كما تقول ـ لماذا تأخر انشقاقك؟ هل علمت ذلك متأخراً؟
ـ انشقاقي ليس جديداً، حدث في ديسمبر عام 2005، ولم تكن سوريا تشهد مثل هذه الجرائم من قبل، فأنا لا أستطيع أن انكر أن هناك قمعا، وانا كنت مسؤولاً عن السياسة الخارجية للبلاد، وكنت أسمع وجهات النظر المختلفة حول السياسة الداخلية، وبالفعل كنت أتحدث فى اجتماعات قيادات الحزب، بينما لم أكن أملك السلطة حتى أحدث التغيير، وعندما يسقط النظام وتفتح الملفات سيعرف الجميع أنه لا يوجد اجتماع واحد إلا وقد أبديت تعليقات وملاحظات على الأوضاع الداخلية.
لا معارضة أصلاً
عفواً سيّد خدام.. كلها كانت معارضات تجميلية او على استحياء؟
ـ لا، ليست تجميلية أو على استحياء، لكني كنت أعرف طبيعة النظام من جهة والوضع القائم فى سوريا بشكل كامل، فالشعب كان مقموعاً، فكيف أخرج وأنا أعرف مصيرى أنه اما القتل أو السجن حتى الموت، وكنت أدرك أنه للظروف الأمنية لن يستطيع أن يخرج احد ليدافع عني أو يقف معي، لذلك قررت ألا اطرح المسألة عالمياً كمعارض ولكن فى إطار المؤسسات الحزبية، هكذا كان الأمر فالمسألة ليست مسألة معارضة شكلية، فلم تكن أصلا معارضة فى البلاد فهى نشأت بعد الثورة.
الموقف العربي والخليجي
عـــــبر كـل مسؤولياتك.. كيف ترى الآن الموقف العربي والدولي؟
ـ طيلة تاريخى السياسي معروف، أنني لم أكن أجامل أو أدعي، وكل زملائي الذين عاصرونى عندما كنت فى السلطة يدركون ذلك، وعندما نجتمع نفتح الملفات بكل صراحة ووضوح، وكنت أنتقد وقد يكون انتقادى فى بعض الاحيان قاسياً.
الموقف العربي لم يكن إطلاقاً منسجماً مع طبيعة العلاقات القائمة بين سوريا والحكومات العربية، فدائما العلاقات كانت ودية وسوريا كنت بجوار أشقائها العرب فى كل المرات التى يتعرضون فيها للمصائب، وعندما وقعت هذه الأزمة لا بد أن يدرك الجميع أن الشعب السورى لا يواجه نظام بشار الأسد وحده، بل يواجه تحالف إيران بتطور أسلحتها وأموالها، واستخباراتها وخبرائها، وروسيا من ناحية أخرى.
أطماع إيران
ماذا تقصد بتحالف إيران؟
ـ يجب أن يعلم الجميع أن إيران لها أهداف كبرى تتمثل فى السيطرة على المنطقة من البحر المتوسط إلى حدود باكستان، وطموحها أن تسيطر على المنطقة بما فيها الجزيرة العربية، وأيضا إيران أججت العصبية المذهبية عند بعض المسلمين الشيعة الذين تحول ولاؤهم من أوطانهم إلى ولاء لإيران ومن مرجعية النجف لمرجعية قم. واستطاعت إيران تشكيل خلايا نائمة لها فى المنطقة، بدون استثناء، وبالتالي سوريا هي من تواجه هذ الخطر. وإذا هُزمت الثورة السورية أو قمعت فستصبح إيران سيدة المنطقة وسيجد أشقاؤنا العرب أن هذه الدولة تريد أن تستعيد تاريخها الامبراطوري الذي مضى عليه آلاف السنين، وستكون كارثة للجميع.
وإني أتساءل: لماذا ترفضون التدخل العسكرى لإنقاذ الشعب السوري وإيران وروسيا تتدخلان عسكريا لمصلحة النظام المجرم؟ لماذا لا يقدم للشعب السورى ما يحتاج من أسلحة فعالة لاستنزاف قوات النظام وتفكيك هذه القوات؟ أدرك أنهم يتلقون بعض المساعدات البسيطة والتى قد تكون مهمة، ولكنها بسيطة لحجم الصراع القائم وحجم الدماء التي تنزف يومياً.
مصير المنطقة
ماذا عن الموقف العربي وتحديداً السعودي؟
ـ المملكة العربية السعودية أخذت موقفاً متشدداً من النظام المجرم من البداية، وهذا الأمر لا شك أن السوريين يذكرونه دائماَ للمملكة، والمسألة يجب ان تتجاوز لدى أشقائنا العرب مسألة هذا الاعتبار او الذات، نتمنى ان يسألوا أنفسهم سؤالاً، ماذا سيكون مصير المنطقة من موريتانيا وحتى اليمن، إذا نجحت إيران فى حماية النظام الدموي فى سوريا؟
السؤال الكبير
ماذا تقصد تحديداً؟
ـ دعني أوضح أن طموحات إيران لا تقتصر على بلدان الخليج، أبداً.. إيران لها خلايا نائمة فى مصر وفي المغرب العربي وكل بلد عربي، وإيران منذ ثورة الخمينى وبالإضافة إلى تأجيج العصبية المذهبية، لجأت إلى تبنى القضية الفلسيطينية وطرحت فيها شعارات تتقدم فيها على شعارت طرحتها القوى الفلسطينية، وأرادت ان تعطي إشارة للعالم العربي المرتبط بالقضية الفلسطينية انها هي التي تتبنى المواقف الإسلامية الصحيحة، وأسست حزب الله.. هل من أجل تحرير جنوب لبنان وفلسطين؟ الإجابة ان حزب الله الحاكم للبنان ويمثل القيادة الإيرانية فيها، اليوم إيران تمسك بلبنان وسوريا وقطاع واسع من فسطين والعراق، ماذا بعد ذلك؟
هذا السؤال الكبير الذى يطرحه كل عربي على نفسه. وسوريا اليوم تصارع مخاض الحياة وأن يبقى الشعب السورى عربياً وملتزماً بالقضايا العربية وليس ان تكون سوريا قاعدة إستراتيجية لإيران وذراع سيطرة وهيمنة لها فى المنطقة.
المعارضة شيء والثوار شيء
سيد خدام قلت ذات مرة إن المعارضة شيء والثوار شيء آخر، أوضحت أن الثوار هم الذين يقاتلون ببسالة ضد النظام ويدفعون ضريبة النظام أما المعارضة فهم أناس بالخارج، لا علاقة لهم بالثورة.. مع أنك أحد كبار المعارضين السوريين، فكيف تفسر ذلك؟
ـ تعرف أن المعارضة السياسية للنظام برزت بشكل ضعيف جداً بعد وفاة حافظ الأسد، وعندما قامت الثورة، برزت تشكيلات عديدة تحت مسمى دعم الثورة، فإذا كان الأمر يتعلق بدعم وحماية الثورة فإنه يقتضى توحيد الجهود تحت كلمة حق واحدة وهي إسقاط النظام وتمكين الشعب السوري من حقه في تقرير مصيره، أما التشكيلات التي ظهرت كلها فهي ترفض التدخل العسكري، وأنا هوجمت عندما طرحت فكرة التدخل العسكرى، فكان جوابي ما سبق أن قلته لك: أليس تدخل إيران وروسيا في شؤوننا ودعمهم للأسد بالأسلحة تدخلاً عسكرياً أجنبياً؟، سؤالي: هل بقي جندي واحد أجنبي بعد سقوط معمر القذافي؟ النظام سيسقط لا محالة ولكن هناك فرقا ان يسقط باستشهاد بضعة آلاف من السوريين وأن يسقط بمقتل مئات الآلاف.
أنت أمام جيش يتجاوز تعداده 300 ألف ذي تركيبة أمنية خاصة، ومن الصعب أن ينهزم ضمن الآليات الموجودة الحالية، فالثورة تحتاج إلى مساعدة كبيرة وتدخل ومساعدات عسكرية، أما إذا بقي الاعتماد على الوضع الراهن، فهناك نزيف للنظام وعمل بطولى للثوار ولكن هذا يحتاج إلى وقت كبير تكون فيه البلد دمرت تماماً، فلا يوجد مرافق عامة أو مدينة أو قرية إلا ودمرت بالفعل، الثمن الذى يدفعه السوريون الآن غال، وليس فقط لحريتهم ولكن من أجل حرية المنطقة العربية كلها وكرامتها وأمنها.
ما صنعت يداك!
عفواً.. ألاحظ أنك تحمل على إيران، مع أنك شخصياً كنت مهندس التحالف السوري الإيراني، وكنت قدمت ما يعتبر أخطر شهاداتك السياسية في كتابك «التحالف السوري الإيراني والمنطقة»، الذي جاء في 8 فصول تبدأ بـ «الجمهورية الإسلامية» وتنتهي بـ «التطور النوعي في العلاقات السورية الإيرانية» كيف كنت مهندساً لهذا التحالف وكيف ترى الآن ما صنعت يداك؟.. آسف للتعبير أبو جمال.
ـ أبداً بالعكس، تعجبني صراحتك وقراءتك لمحاورك، وأتمنى أن يسألني الجميع أسئلة واضحة مثل هذه، ولكي أوضح، العلاقة مع إيران مرت بمرحلتين الاولى كانت التحالف، أما الثانية فأصبحت التبعية.
أنا كنت أحد المسؤولين البارزين فى مرحلة التحالف القائم على ثلاثة أهداف، وهي: محاربة نظام صدام حسين وسياسة إسرائيل وأمريكا بالمنطقة وهذا الأمر موضح بالكتاب.
بعد مجيء بشار واغتيال الرئيس رفيق الحريرى، وجهت أصابع اتهام إلى بشار الأسد وقامت حملة دولية ضده، بالإضافة إلى غضب عربي بسبب الإقدام على هذه الجريمة، ماذا فعل بشار الأسد؟ «لجأ إلى إيران ووضع نفسه فى السلة الإيرانية هنا تغيرت صيغة العلاقات وانتقلت من مرحلة التحالف إلى مرحلة التبعية، وهذا حدث فى عام 2005 الذى قُتل فيه الحريرى، وانا فى هذا العام تحديداً أعلنت انشقاقي، ليس بسبب قتل الحريرى فقط الذى شكل جريمة تورطت فيها سوريا/ النظام، أما الشعب فلا يمكن ان يرتكب مثل هذه الجرائم، أعلنت وتناولت هذه المسألة بوضوح فى الإعلام وتحدثت عن أسباب الانشقاق والتى تتعلق بجرائم النظام، والاستبداد، بما يجري داخل وخارج سوريا.
الأسد قتل الحريري
هذا تلميح أم تصريح بشأن تورط الأسد باغتيال الحريري؟
ـ انا لست قاضياً حتى أحكم بالسلب أو الإيجاب، ولكن..
عفواً... ولكنك كنت نائب الرئيس وشاهدا على حقبة تاريخية خطيرة؟
ـ أنا أتحدث كشاهد وكمسؤول.. فى تلك المرحلة، قبل اغتيال الحريرى، بدأت حملة مركزة على الرئيس الحريري، من التابعين للنظام في سوريا، حملة إعلامية وتهديدات بشكل غير معقول، وفى الاجتماعات في القيادة القطرية قبل مقتل الحريري بفترة وجيزة، تحدث بشار فيه بموضوع لم يكن على جدول الأعمال، وخلاصة كلامه، ان الحريرى متورط مع الأمريكان وفرنسا ضد سوريا، الحريري كتل طائفته.. الحريري عدو لنا، وهذا مسجل في المحاضر. فى الواقع خرجت من الاجتماع ولديّ قناعة بأن بشار سيقتل الحريري، في اليوم التالي جاء السيد محسن دلول، وهو صديق لي وللحريرى، وطلبت من دلول إبلاغ الحريرى بمغادرة لبنان فوراً.
للأسف لم يفعل الرئيس الحريري، وازدادت الحملة ضده، وكانت لدي زيارة للبنان لإجراء فحوصات طبية بمستشقى الجامعة الأمريكية، ومررت على الرئيس الحريري وقال لي ما هو الموضوع؟ فشرحت الحديث وطلبت منه أن ينصاع وأجابني من وين الانتقادات.. فقلت له: حياتك أهم من الانتقادات.
فقال لي إن رسالة جاءته من ماهر الأسد، يقول فيها إنه يريد صداقته، فأكدت له أن هذه الرسالة لتطمينك حتى تبقى في لبنان، هذا الكلام حدث قبل الاغتيال بأسبوعين أو ثلاثة ومع ذلك الرجل لم يسافر وانتقل إلى الحياة الثانية، هذا الأمر يدعو للشك والريبة، حملة إعلامية كبيرة، إتهامه بالعمالة لأمريكا وإسرائيل وفرنسا، ثم تهديدات كثيرة ثم حديث بشار الأسد عنه في اجتماعات قيادات الحزب، هذا الأمر ترك لنا إجابة انه هو القاتل. وليس هناك في العالم العربي شخص واحد إلا ويؤمن بأن بشار الأسد هو القاتل الحقيقي للحريرى.
لا علاقة لنا
ماذا عن الاغتيالات السياسية الأخرى فى لبنان وسوريا التى دارت فى تلك الفترة؟
ـ انا كنت مسؤولا عن الملف السياسي في لبنان انا والعماد حكمت الشهابي رئيس أركان الجيش ويساعدنا العميد غازي كنعان، نحن كنا مسؤولين عن إدارة الملف السياسي اما الملف الأمنى فلا علاقة لنا به إطلاقاً، وكان مسؤولا عنه رئيس فرع المخابرات العسكرى فى لبنان وكانت صلته مباشرة مع بشار، لذلك لا استطيع ان انفى أو أتهم.
حزب إيراني
وما رأيك في التحالف القائم مع حزب الله؟
ـ حزب الله حزب إيراني بهوية لبنانية ومرجعية عقائدية إيرانية، وبالتالي كل ما يقوم به يرتبط بإستراتيجية إيران في المنطقة، وما يقوم به لا يمكن ان يكون بعيداً عن القرار الإيراني.
لم أستطع
باعتبارك أقدم وأرفع مسؤول فى النظام السورى انشق منذ فترة مبكرة.. ولما لك من ثقل سياسي وتاريخي.. لماذا لم تستطع إنشاء جبهة معارضة سياسية في الداخل أو الخارج؟
ـ المسألة لها عوامل عديدة، فإنشاء جبهة فى الداخل أمر متعذر، لأن هيمنة الأمن كبيرة على الناس سواء عسكريين أو مدنيين، فمثلاً إذا جاء ثلاثة أشخاص فى مقهى يتحدثون فى السياسة لا أحد يتحدث لأنه يخشى ان يكون أحدهم من المخابرات، فالجبهة فى الداخل صعبة جداً، إضافة إلى أنه بعد خروجى اتخذ النظام سلسلة من الإجرءات القاسية ضدي، محكمة عسكرية وسجن مؤبد مرتين، مصادرة كل ما أملك وزوجتى وأولادي وأحفادي الذين لا يتجاوز عمرهم سنتين أو ثلاثا، ولا تنسى حملة مجلس الشعب العنيفة وأكثر أعضائه كان يتمنى أن أستقبله فى يوم من الأيام، هذا الأمر خلق مناخاً من الخوف والرعب فى سوريا، أما عن جبهة بالخارج فأنا لا أؤمن ان الخارج يستطيع ان يغير، صحيح أنشأت علاقات وحملة وطنية لدعم الثورة السورية، عملنا مركزا على دعم الداخل، وما لنا من علاقات واتصالات لتجميع أصوات المعارضة، ولكن كما قلت فى مطلع الحديث إن الناس للأسف يفكرون فى السلطة قبل ان يفكروا فى كيفية إسقاط النظام.
الوضع في سوريا بالغ الخطورة، فالشعب يتعرض يومياً لمجازر في كل المدن وأرياف البلاد، وبمرور الأيام تدمر بيوت وأحياء ويتساقط شهداء وجرحى، ومع هذا المنظر المأساوي نجد أن المجتمع الدولي والأنظمة العربية، يقفون مترددين صامتين ويتيحون الفرصة للسفاح بشار الأسد لمزيد من القتل والتدمير
مجموعة أغبياء
في أحاديث عديدة مع أطياف المعارضة السورية، سألت بعض الشخصيات عن لماذا لا يتحالفون معك لتكوين جبهة موحدة، فقالوا لي بصراحة إنه جزء من نظام الأسد.. بم ترد عليهم؟
ـ أولاً. هؤلاء ليس لهم علاقة بالثورة، هم مجموعة من الأغبياء، أولاً إذا كنت من النظام، فلماذا انشققت عليه؟، ولماذا الحملة القاسية التى شنها النظام؟، وأبقى سبع سنوات فى المنفى بعيداً عن أهلي وحياتى الطبيعية، هؤلاء ليس لهم علاقة فى سوريا أصلاً، فقط أرداوا ان يستغلوا الأحداث، ويجعلوا مشكلتهم ليس مع النظام ولكن مع الأشخاص الذين يعرفون طبيعة النظام وكيفية التعامل معهم. وفي كل الأحوال.. هم لا يعنونى بشىء وأثق بعلاقاتى فى الداخل السورى واعرف جيداً موقعي فى سوريا في مختلف المجالات العمل السياسي أو العسكري، وبالتالي أعمل بهدوء دون أن اشغل نفسي بالرد على هذ المتسلق او ذاك.
بين رئيسين
انت عاصرت رئيسين.. الأسد الأب والأسد الابن.. ما الفارق بينهما وأنت الآن خارج النظام والسلطة وسوريا كلها؟
ـ دعني أعترف لك، أن الاثنين من حيث الطبيعة هى واحدة.. كلاهما ديكتاتور. لكن الفارق أن الأب كان لديه عقل لا يتورط في جرائم كالتي تورط بها ابنه، فالأب تورط بجريمة حماه فقط، ومشكلته مع جماعة الإخوان المسلمين، الابن اليوم مشكلته مع الشعب السورى كله، الابن يقوم بمخطط قتل للسوريين فى كل المدن والمحافظات ليس فى مدينة او محافظة واحدة. وفي النهاية كلاهما ديكتاتور. وهناك ديكتاتوريون لديهم بعض العقل ليحموا أنفسهم، وهناك منهم مجانين كبشار يفقدون القدرة على التفكير أو الاختيار.
نعم للتدخل العسكري
أعود للشأن الداخلي، باعتبارك أهم الداعين لتدخل عسكري أجنبي على غرار تدخل الناتو في ليبيا.. لماذا تدعو لذلك، أليس الداخل السوري قادرا على الإطاحة ببشار مثلما فعل التونسيون مع بن علي، والمصريون مع مبارك، واليمنيون مع علي عبدالله صالح؟
ـ الأمر مختلف تماماً, فى تونس، الجيش كان على الحياد، وبن علي ترك البلد ورحل، وبالتالي الرئيس التونسي السابق لم يستخدم القوة العسكرية لقمع الثورة وفى مصر نفس الشيء، ولكن هذا السفاح منذ الساعة الأولى مباشرة لجأ إلى استخدام القوة المفرطة وذلك ما أشعل الثورة فى كل الأراضي السورية.
عمره محدود
بانتقال المعارك إلى عرين الأسد فى دمشق العاصمة السياسية وإلى حلب العاصمة الاقتصادية.. برأيك كم يتبقى من عمر نظام بشار؟
ـ عملياً.. عمر النظام أصبح محدوداً للغاية وكل مقومات استمراره سقطت، عندما يكون هناك إجماع شعبي ودم الشعب كله يسيل من قبل النظام، من يعتقد ان هناك إمكانية لأن يقبل أحد من السوريين باستمرار بشار.
صحيح أن غالبية الموقف العربي كان صامتاً، أستطيع أن أقول بكل صراحة: الدولة الوحيدة التى كانت تقرأ الوضع مبكراً فى سوريا كانت المملكة العربية السعودية، لذا وقفت معنا، ولكن الجامعة العربية في اجتماعاتها، كان قسم من الوزراء مع بشار الأسد، هذا الانقسام لعب دوراً سلبياً.
دول مثل من سيد خدام؟
ـ الجزائر، السوادن، والعراق، ودول أخرى كثيرة.
لا يقرأ ولا يكتب
تاريخياً.. عملت مع حافظ الأسد أكثر من 40 عاماً، ومع بشار الابن قرابة 5 سنوات.. ما الرسالة التى توجها لبشار؟
ـ المشكلة أن بشار أمي، لا يقرأ ولا يكتب، لا يسمع ولا يرى ولذلك الرسالة تذهب في الفضاء، إنه رجل اعمى العقل والبصيرة. لا تفيد معه رسائل..
هل تدعوه مثلاً لتسليم السلطة؟ وما السيناريو الذي تتوقعه له؟
ـ لو حظي بمصير علي عبدالله صالح، يكون محظوظاً، ولكن مصيره سيكون أسوأ من القذافي، فالقذافي قتل الليبيين ولكن لم يقتل الآلاف، وبعد أسبوع واحد تدخل الناتو وأنهى المشكلة، وإذ كان حظ بشار جيداً فسيكون مثل مصير القذافي، ودعني أقل لك إنه ليس هناك مواطن سوري لا يتمنى أن يقبض على بشار ويذيقه الموت بصورة أسوأ مما فعله وارتكبه من جرائم بحق آلاف الأسر فى سوريا.
السفينة تغرق
أبو جمال، هناك أحاديث عن انشقاق نائب الرئيس فاروق الشرع، هل لديك أي معلومات عن انشقاقات أخرى في الدائرة الضيقة من بشار؟
ـ بحسب معلوماتى، ان فاروق الشرع وهو في السلطة كان منكمشاً ومنعزلاً.. وليس لدي معلومات انه منشق او في طريقه للانشقاق.
عموماً، كلمة منشق لم يعد لها بريق كالماضي، لأن النظام فى مرحلة الانهيار والسقوط، رئيس الوزراء السابق رياض حجاب شكل الوزارة قبل 3 أشهر من انشقاقه حيث كان بشار الأسد يذبح الناس، ولأنه أدرك أن مصير النظام انتهى لذلك رتب أموره وخرج من النظام، وهناك فرق بين خروج من النظام لأسباب سياسية ووطنية وبين خروج للحفاظ على النفس قبل الغرق.
حرب أهلية
سيد خدام.. هناك تحذيرات تخوف من انزلاق سوريا إلى حرب أهلية على غرار العراق بعد صدام.. ما رأيك خاصة بعد تزايد المعلومات حول سعي بشار لتكوين كانتون علوي؟
ـ يا عزيزي، دعني أسألك: ماذا تسمي ما يجرى فى سوريا؟.. كل يوم يسقط مئات الشهداء، الطيران يضرب والمدفعية فى كل الاتجهات والناس يقتلون فى كل مكان، والالاف يهجرون من بيوتهم ومنازلهم، أليست هذه حربا أهلية؟، الجيش الذى يقتل مم يتكون؟ أليس أغلبيته من طائفة واحدة تمارس القتل، يا سيدي ما يجري في سوريا حرب أهلية حقيقية.
الأسلحة الكيماوية
في إطار التخوفات أيضاً، هل تعتقد بحكم قربك من النظام، أن الأسد قد يلجأ للأسلحة الكيماوية في محاولة أخيرة للبقاء بمنطق «عليّ وعلى أعدائي»؟
ـ صدقني.. إذا كان بشار يعتقد أنه يمكن أن يستمر شهرا أو اثنين بدون استخدام أسلحة كيماوية، فإنه بمجرد استخدامه لها سيموت فى اليوم الثانى، وهو يدرك ذلك، ولكن دعني أقل لك: من الصعب ان يتنبأ الإنسان بشخص فاقد عقله وضميره ومتهور، ويفتقد أبسط المشاعر الوطنية والإنسانية، ومنطق الأمور انه يدرك عواقب ذلك، معناها التعجيل بنهايته.
لا خوف
هناك مخاوف من تكرار النموذج اللبناني بعد سقوط النظام، ثوار على الأرض وأسلحة تقليدية، وميليشات وحالة تفكك للدولة، ألم تخطر فى بالك؟
ـ بصراحة، أنا مطمئن من أن هذه الأمور لن تحدث في سوريا، لأن شعبه وطني، هل يستطيع أحد ان يقول إن هناك مواطناً سوريا علوياً قُتل أو أوذي من قبل الثورة أو من قبل بقية الطوائف؟
لا، السوريون تواقون لوحدتهم، وإذا كانت الأجهزة الأمنية من الطائفة العلوية فلا يعني ذلك تحميل الطائفة مسؤولية جرائم بشار الأسد، وبالتالي لا خوف، والسوريون حريصون على استعادة الاستقرار.
انهيار كل الأقنعة
ما رأيك في أقوال تؤكد أن انهيار الأسد انهيار لإيران.. حزب الله.. حماس، أو ما يطلق عليه محور الممانعة؟
ـ انهيار بشار الأسد، سيؤدي إلى إنهيار حزب الله في لبنان، وإيران في العراق، وكذلك خروج إيران من الوضع الفلسطيني، وسيدفع إيران إلى حدودها الوطنية لتواجه مشاكلها الداخلية، وأنت تعلم أن إيران لديها مشاكل اقتصادية كبيرة، ومواردها تذهب باتجاه الصناعات العسكرية وليس معالجة قضايا الشعب.
رهان موسكو
بماذا تفسر صلابة الموقف الروسي الداعم لبشار.. على ماذا تراهن موسكو؟
ـ سأجيبك: روسيا منذ القرون الماضية لديها أطماع في الوصول إلى المياه الحارة سواء في البحر المتوسط أو المحيط الهندي ومياه الخليج، السوفييت استطاعوا الوصول من قبل إلى المياه الحارة عبر العراق وسوريا، الآن الصورة مختلفة، روسيا طموحاتها استعادة موقفها كدولة عظمى تشارك بشكل أساسي في تقرير مصير القضايا الدولية، بجانب انها تدرك أهمية الشرق الأوسط بسبب موقعه الإستراتيجى وثرواته الطبيعية وعلى رأسها النفط، والتحالف مع إيران يأتي في إطار أن تصبح روسيا شريكة لإيران في المنطقة، الدولتان تعمقان تحالفهما حول دعم النظام في سوريا، والروس يعتقدون أن النظام بإمكانه ان يبقى، والوصول إلى تسوية سياسية تبقي نظام الأسد، وهذا ناتج عن حسابات خاطئة، الأسد سيسقط، وإيران سترحل، وروسيا سترحل، وروسيا دولة كبرى ارتكبت خطأ جسيما فى عدم إجراء حسابات دقيقة على الصراعات القائمة فى المنطقة.
.. وماذا عن الصين؟
فخامة نائب الرئيس، وماذا عن الصين؟
ـ هى متأثرة بروسيا، والخط السياسي مشترك بينهما، والطموحات الصينية فى الشرق الأوسط مدعومة من قبل روسيا، ومن الطبيعى ان تتبنى الموقف الروسي.
الإبراهيمي سيفشل
كيف ترى تعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثاً جديداً.. هل تعتقد أنه سينجح؟
ـ انا أنصح السيد الإبراهيمى أن يعتذر عن هذه المهمة، فهو لن يستطيع ان يحقق ما فشل فى تحقيقه المبعوث كوفي عنان، وسيذهب خالي الوفاض لمقابلة بشار الاسد.
لا حل سلمي
عفواً للمقاطعة.. هل يعني هذا يأسك من أي حل سلمي؟
ـ يا سيدي، ليست هناك إمكانية لحل سلمي، كيف يكون الحل السلمي بين القاتل والقتيل؟
هل استطاعت دول الغرب آنذاك بريطانيا وفرنسا، عندما قام الديكتاتور هتلر باحتلال النمسا أن تتفاوضا وتقنعا هتلر بالتخلي عن طموحاته؟، أبداً.. الأمر لم يحل إلا بالتدخل عسكرياً ومحاربة النظام النازى الألماني، هذا نفس الحال فى سوريا، لن يرحل بشار وإذا قبل أن يأخذ إجازة، فلن يقبل أن يترك السلطة ويسمح بانهيار نظامه، وإذا افترضنا انه قبل ترك السلطة، وجاءوا بحكومة انتقالية، فماذا تفعل؟ هل تستطيع تغيير بنية الجيش وتغيير القيادات الأمنية، لأن المشكلة ليست فقط مشكلة بشار، ولكن مشكلة النظام ككل، الذي يجب أن يرحل وينتهي عصره، النظام هو الذى خلق ديكتاتورا وتحول إلى أدوات عمياء عند بشار الأسد، فليس هناك حل عبر تسوية سياسية، ويخطئ من يفكر بذلك.. والدليل ان جامعة الدول العربية قامت بخمس مباردات للتسوية وكانت النتيجة صفرا، وأيضاَ كوفي عنان بعد كل خطبه النتيجة صفر، وكل المحاولات سياسية لإعطاء بشار الفرصة والوقت لمزيد من القتل والتدمير.
معاناة شديدة
في ضوء ذلك أبو جمال.. كيف ترى المستقبل السوري؟
ـ لا شك أن سوريا تمر الآن بمعاناة شديدة وظروف خطيرة، باعتبار ان النظام دمر الحياة والامن والاقتصاد، وأعتقد أن وطنية السوريين بجوار دعم أشقائهم لهم ستساعدهم فى تجاوز الأزمة وبلوغ مرحلة الحرية والديمقراطية والنهوض والتقدم.
ويحمل نسخة من كتابه «التحالف السوري الإيراني والمنطقة»
ساحة النقاش