طالب الشحي

في كل يوم تطلع فيه الشمس يبدأ الناس بالبحث عن أرزاقهم وقضاء أعمالهم واحتياجاتهم. وهنا نرى اختلاف مشاربهم ومقاصدهم وتنوع أفكارهم. فكل منهم قد حمل بين جنبيه قلباً يدفع هذا القلب صاحبه للخير أو للشر. ويبين صلى الله عليه وسلم حال هذه القلوب لافتاً النظر إلى أهمية الاعتناء، وذلك أن القلب إن كان أبيضاً صالحاً تبعه الجسد في صفائه وصلاحه.

وعَنْ حُذَيْفة رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ: قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ قَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ: أَنَا قَالَ: أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ”.

في الحديث ذكر لحال قلبين أما الأول: من عرف الخير فاتبعه وعرف الهدى فتمسك بها وعرف الشر فابتعد عنه فهو في الحياة تعتريه الفتن والمحن فلا يميل لفتنة ولا يهوي لمحنة. لتمسك القلب بحبل الله المتين وصراطه المستقيم. وأما القلب الثاني فهو كالسفنجة تدخل فيه كل فتنة لا يفرق بين الخير والشر ولا بين الحلال والحرام ولا بين الصالح والطالح قد أعماه حب الذات وغلبة الهوى عن الاستبصار لطريق الهدى فقلبه موصوف بالسواد وقد شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكوز المقلوب لا يمكن أن يقبل أي خير. فالفتنة مثلاً صاحب الوظيفة والتاجر:

 

فمنهم صاحب القلب الأبيض في تعامله فهو أمين صادق ناصح وفيٌّ، منجز للمهام، لا يقبل الرشوة، ولا يأكل الربا، ولا يستسهل أكل أموال الناس بالباطل، مهما كان العرض. فهو متق لربه خائف من حسابه يرجو رحمته ويخشى عقابه.

 

ومنهم من قبل الفتنة فرضخ قلبه لها. تعرض عليه الفتن على اختلافها وتنوعها عوداً عوداً فلا ينكرها بل هو طالب لها ساع إليها، فهمه مصلحة ذاته، ومراده كسب ماله، فلا يعرف لله حقا، فمنهم المرتشي ومنهم الغاش المخادع، ومنهم الآكل للربا ومنهم الآكل لمال اليتيم، ومنهم المعتدي على حقوق الآخرين، ومنهم الذي يعرض سلعته بالحلف الكاذب أو بالتزوير والكذب والتضليل. فقلبه قد أصبح أسوداً للتتابع الفتن عليه وقبوله لها فلا يعرف الحلال من الحرام. قد وقع عليه قول المولى سبحانه (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، وقوله (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)، فهذا القلب كلما اشرب فتنه استصعب صاحبه الرجوع إلى الحق.

اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 16 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,941