طالب الشحي
في هذه الليالي العظيمة يلتمس المسلمون ليلة فضيلة، فضلها الله على سائر الليالي وميزها بجزيل الكرم والعطايا تكريماً لذلك المؤمن الذي استجاب لنداء الله تعالى حينما ناداه بوصف الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
كرم جزيل وعطاء جليل بليلة موصوفة بالأمن والأمان والسلام والرحمة والاطمئنان. يقول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، ففي هذه الآيات بيان لعطايا ومنح . أولاها: إنزال القرآن فيها. وثانيها: أن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.. وثالثها: تكريم المؤمن بإنزال الملائكة يتقدمهم بنزول جبريل عليه السلام.
ورابعها: أن هذه الليلة جعل فيها ما يطلبه كل إنسان في هذه الدنيا إنه السلام الذي هو الخير والأمن فعَنْ نَافِع وَغَيْره؛ أَيْ لَيْلَة الْقَدْر سَلَامَة وَخَيْر كُلّهَا لَا شَرّ فِيهَا. وقَالَ الضَّحَّاك: لَا يُقَدِّر اللَّه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَّا السَّلَامَة، وقال ابن كثير: وَقِيلَ: أَيْ هِيَ سَلَام؛ أَيْ ذَات سَلَامَة مِنْ أَنْ يُؤَثِّر فِيهَا شَيْطَان فِي مُؤْمِن وَمُؤْمِنَة. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد: هِيَ لَيْلَة سَالِمَة، لَا يَسْتَطِيع الشَّيْطَان أَنْ يَعْمَل فِيهَا سُوءًا وَلَا أَذًى. وَقَالَ قَتَادَة: «سَلَام هِيَ»: خَيْر هِيَ».
ولبيان أهمية السلام سمى الله به نفسه فقال سبحانه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وجعل بداية لقاء المسلم بأخيه بتحية يلقاه بها: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
ولأجل السلام نادى الله المؤمنين أن يتخذوه غاية عامة، قال الله - عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة).
فمن أحب السلام وأراده جعل السلام في حياته كلها.
فالزوج مع زوجته يسعى لغرس السلام في حياتهما الزوجية والأب والأم في تعاملهما مع أبنائهما يحققان مبادئ السلام في توجيهاتهما وتربية الابناء والموظف في عمله ينشر مبادئ السلام من خلال إتقانه لعمله ووفائه له.
والمحب لوطنه وأرضه يحقق كل ما تعنيه كلمة السلام لينشر الحب والوفاء لأرضه وولاة أموره.
والبائع والمشتري يحققان السلام بأمان ينصبانه في بداية لقائهما بتحية مباركة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلا مكان للغش ولا للتزوير ولا للغبن ولا لأكل أموال الآخرين مع إفشاء السلام.
ليلة القدر من عرف فضلها وقام بحقها غفر ذنبه لما فِي الصَّحِيحَيْنِ عن صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ لَيْلَة الْقَدْر إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه).
وقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: قُلْت: يَا رَسُول اللَّه إِنْ وَافَقْت لَيْلَة الْقَدْر فَمَا أَقُول؟ قَالَ: (قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفُوّ تُحِبّ الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي)
ساحة النقاش