كان الإمام الطبري من أكثر علماء عصره همة في طلب العلم وتحصيله وفي تأليف أمهات الكتب، حتى روي أنه كان يكتب أربعين صفحة في كل يوم، وهو صاحب أكبر كتابين في التفسير والتاريخ.

ويقول الدكتور محمد عبدالعزيز، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر،: هو الإمام محمد بن جرير الطبري، بدأ طلب العلم وهو ما زال صغيراً، وأكثر الترحال ولقي نبلاء الرجال، وقرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد ثم ارتحل منها إلى المدينة المنورة ثم إلى مصر والري وخراسان، واستقر في أواخر أمره ببغداد، وكان من أكثر علماء عصره نشاطاً في التأليف، وأشهر مؤلفاته تفسيره المعروف بتفسير الطبري، وكتاب “تاريخ الأمم والملوك”، ويروى عنه أنه قال: استخرت الله وسألته العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله ثلاث سنين فأعانني.

وقال عنه الخطيب البغدادي: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب كان أحد أئمة العلماء يُحكم بقوله ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم. وكان من أفراد الدهر علماً وذكاء وكثرة تصانيف، قلّ أن ترى العيون مثله.

 

ويقول الدكتور عبدالعزيز: وكان الطبري عالي الهمة، عظيم الاجتهاد، ومما يحكى عنه أن رجلاً جاءه يسأله في العرُوض، وهو علم يعرف به الشعر من النثر، ولم يكن الطبري له إلمام كبير بهذا العلم فقال له: علي قول ألا أتكلم اليوم في شيء من العروض، فإذا كان في غد فتعال إلي، ثم طلب أبو جعفر كتاب العروض، فتدارسه في ليلته، وقال: أمسيت غير عَرُوضي، وأصبحت عَرُوضياً، وقد تمكن ابن جرير من نواحي العلم، وأدلى بدلوه فيها، حتى أصبح إمام عصره بغير منازع، وقد قيل عنه: كان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن، وكالمحدث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو.. وظل الطبري أربعين عاماً يكتب كل يوم أربعين ورقة، قاصداً بذلك وجه الله، بما ينفع به الإسلام والمسلمين.

 

ويضيف الدكتور عبدالعزيز: ومن المواقف المشهودة في حياة الطبري، أن المكتفي أراد أن يحبس وقفاً تجتمع عليه أقاويل العلماء، فأحضر له ابن جرير، فأملى عليهم كتاباً لذلك، فأخرجت له جائزة، فامتنع من قبولها، فقيل له لا بد من قضاء حاجة، قال اسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة، ففعل ذلك وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتاباً في الفقه، فألف له كتاب الخفيف، فوجه إليه بألف دينار فردها.

وروي عن محمد بن أحمد الصحاف السجستاني: سمعت أبا العباس البكري يقول، جمعت الرحلة بين ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على ابن خزيمة فقال لأصحابه أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة قال: فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع ورجل من قبل والي مصر يدق الباب ففتحوا، فقال أيكم محمد بن نصر، فقيل هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً فدفعها إليه، ثم قال وأيكم محمد بن جرير فأعطاه خمسين ديناراً وكذلك للروياني وابن خزيمة، ثم قال إن الأمير كان قائلاً بالأمس فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أحدكم.

ويشير الدكتور عبدالعزيز إلى أن الطبري كان لا يقبل المناصب خوفاً من أن تشغله عن العلم ولأن من عادة العلماء البعد عن السلطان، فقد روى المراغي: لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير، فامتنع عن قبوله، فعرض عليه القضاء، فامتنع، فعرض عليه المظالم، فأبى، فعاتبه أصحابه وقالوا لك في هذا ثواب وتحيي سنة قد درست وطمعوا في قبوله المظالم، فذهبوا إليه ليركب معهم لقبول ذلك، فانتهرهم وقال قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه قال: فانصرفنا خجلين.

ويروى أنه في يوم وفاته طلب ماء ليجدد وضوءه، فقيل له تؤخر الظهر تجمع بينها وبين العصر، فأبى وصلى الظهر مفردة والعصر في وقتها، وأتم صلاة وأحسنها، وحضر وقت موته جماعة، منهم أبو بكر بن كامل، فقيل له قبل خروج روحه، يا أبا جعفر أنت الحجة فيما بيننا وبين الله، فيما ندين به فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا، فقال الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي فاعملوا به وعليه.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 93 مشاهدة
نشرت فى 15 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,646