رسم للإمام الفسوي بريشة عصام طه

عمرو أبو الفضل

الإمام الفسوي من كبار المؤرخين والمحدثين، وكان موسوعيا في علمه، متعددا في مصنفاته، وله اليد الطولى في التأريخ والتراجم ومعرفة الرجال، وصار صدر علم الحديث لكثرة مروياته وسعة اطلاعه، وكثرة شيوخه.

ويقول الدكتور سعد بدير الحلواني- أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية- ولد أبويوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي الفارسي، في أواخر القرن الثاني الهجري في مدينة فسا، وهي حاضرة مقاطعة درابجرد في إقليم فارس، وذكر الذهبي ان مولده كان في حدود عام 190 هـ، في دولة الرشيد، واتجه منذ نعومة أظفاره لطلب العلم بحفظ القرآن، وتلقى دروسه الأولى في الفقه والحديث والتفسير وعلوم العربية على علماء بلدته، وارتحل إلى دمشق وحمص وفلسطين، وطاف البلاد يواصل تحصيله العلمي والأخذ عن العلماء الثقات، وقال ابن يونس: قدم مصر مرتين، وتتلمذ على أئمة زمنه، كأبي بكر عبدالله بن الزبير الحميدي، وعبدالله بن يزيد المقرئ، وإسماعيل بن مسلمة القعنبي، وأبي عاصم الضحاك بن مخلد، وسليمان بن حرب الواشحي، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وأبي الوليد الطيالسي، وغيرهم، قال عن نفسه: “رويت عن ألف شيخ كلهم ثقات”.

وذاع صيته لكثرة علمه وفضله وسعة معرفته بعلوم الحديث النبوي وروايته والفقه والتاريخ، ووفد إليه طلاب العلم من مختلف البقاع لسماعه، وتخرج على يديه أئمة كبار وعلماء أفذاذ منهم أبو عيسى الترمذي، وأبو عبدالرحمن النسائي، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وهو من شيوخه، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني، وابن خزيمة صاحب الصحيح، والحسن بن سفيان النسوي، وأبو محمد عبدالله بن جعفر بن دستوريه النحوي، وآخرون.

 

وأثنى العلماء على ورعه وصلاحه وخوفه من الله تعالى، وكان يميل إلى الزهد والتقشف والقناعة والتقلل من أسباب الحياة الدنيا، وصفه أبو زرعة الدمشقي قائلاً: من نبلاء الرجال يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يروا مثله، وقال عنه أبو عبد الله الحاكم: يعقوب بن سفيان الفسوي إمام أهل الحديث بفارس قدم نيسابور وأقام بها وسمع منه مشايخنا، فأما سماعاته ورحلاته فأكثر من أن تحصى، وقال ابن نقطة: الإمام الحافظ صاحب التاريخ طاف البلاد ولقي الأئمة. وقال الذهبي: الإمام، الحافظ، الحجة، الرحال، محدث إقليم فارس.

 

وخلف الإمام الفسوي الكثير من المصنفات النافعة في التاريخ والتراجم والحديث وعلومه والفقه وأصوله، ومن أهمها “المشيخة”، و”البر والصلة “، و”السنة”، و”الزوال”.

ويعد كتابه “ المعرفة والتاريخ” من أعظم وأقدم المصادر التي تناولت تاريخ القرون الثلاثة الأولى الهجرية، حيث لم يصل إلينا من كتب التأريخ المتقدمة إلا عدد محدود جدا، وموضوع الكتاب هو التاريخ وتراجم الرواة، وسمى كتابه “المعرفة والتاريخ” أي معرفة الرجال، والتاريخ على السنين، والمجلد الأول من الكتاب مفقود، ورتب الإمام الفسوي كتابه على السنين، فيذكر السنة ثم يذكر ما حصل فيها، ويترجم خلالها للأشخاص المهمين من خلفاء ووزراء وقادة، ولذا اشتمل الكتاب على ذكر عمر الأرض، ومساحتها، وعدد الأيام التي خلقها الله تعالى فيها، وعدد السنين بين بعث الأنبياء، والسيرة النبوية، وعصر الخلفاء الراشدين، والعصر الأموي، وخلافة السفاح، وما بقي من القسم المرتب على الحوليات يتعلق بالعصر العباسي الأول، وينتهي إلى سنة 242هـ، ورصد الاضطرابات التي وقعت بمكة إثر إعلان المأمون البيعة لعلي الرضا، كما اهتم بذكر أمراء مواسم الحج بانتظام وتتابع، وحرص على تسجيل بعض مشاهداته الخاصة مثل زيارته قبر ابن شهاب الزهري وتحديده موقعه، وذكر أخبار رحلاته إلى الأقطار المختلفة، أما التراجم التي أوردها بعد الحوليات فهي تمثل كتابا مستقلا عن الحوليات، حيث يبدأ القسم المتعلق بمعرفة الرجال ويتناول تراجم الصحابة والتابعين ويخص بعضهم بتراجم مسهبة، كما ترجم فيه لمن بعد التابعين من رواة الحديث وبين أحوال الكثيرين من الرجال من رواة الحديث من حيث الجرح والتعديل، كما عقد عنوانا في “معرفة القضاة”، وتناول فضائل البلدان فذكر فضائل مصر وبعض الصحابة ومن بعدهم من أهلها، وفضائل الشام، والتابعين من أهل الشام، وأخبار أهل الكوفة وفضائلها، والتابعين ومن بعدهم من أهل الكوفة، وعرض الكنى والأسماء ومن يعرف بالكنية.

وأشاد العلماء بالكتاب وحرصوا على سماعه وقراءته كما اعتمد عليه كبار المصنفين منهم الخطيب البغدادي، وأبو الفرج بن الجوزي، وابن عساكر، والسمعاني، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر واستمر اهتمامهم به حتى العصور المتأخرة، فحصل بعضهم على حق روايته بالإجازة وقال ابن القيم: هو كتاب جليل غزير العلم جم الفوائد، وقال الذهبي: له تاريخ كبير جم الفوائد.

وتوفي- رحمه الله- في البصرة في 13 رجب سنة 277 هـ.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,581