أحمد محمد

الحق هو الشيء الموجود، والباطل عكسه وهو المعدوم أو الزائل، والحق لا يتحمل وهماً ولا شكاً ولا ظناً، و”الحق” اسم لله سبحانه المتصف بالوجود الدائم والقيومية والبقاء، فلا يلحقه زوال أو فناء، وكل أوصافه كاملة جامعة للكمال والجمال والعظمة والجلال، فأوصاف الله العظيمة، وأفعاله وعبادته ووعده حق، ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.

وذكر اسم الله الحق في القرآن عشر مرات، وكلمة الحق جاءت في القرآن مئتين وثمان وسبعين مرة، ولا تأتي كلمة الحق في القرآن إلا مع عظائم الأمور، كما في قوله تعالى: (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)، وقوله: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين)، وقال عز وجل: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير)، وكقوله: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير)، وقوله سبحانه: (ويعلمون أن الله هو الحق المبين).

يقول المفسرون، إنَّ الآيات قد اشتملت على إثبات اسم الله “الحق” من أسمائه الحسنى، وهذا الاسم العظيم لله يتبين بأدلة أخرى التي حرم فيها سبحانه وتعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين العباد، كما ثبت ذلك في الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عند الإمام مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، ولما كان سبحانه هو الحق فقد أحب الحق وأمر به وكان كل ما يحصل في الكون لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وكل ذلك بالحق: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً).

 

والحق عز وجل اسم الله فاطر السماوات والأرض وصفة لذاته القدسية ولم يشاركه أحد من خلقه في هذه الصفة لا حقيقة ولا مجازاً، فهو واجد الوجود بالحق وكما بدأ أول خلق يعيده وعداً عليه حقاً، وقد عرفه خلقه بما خلق، وعرفه خواصه بنوره فهو الحق المبين يقول سبحانه: (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)، والله الحق الوكيل ولا حق غيره، قال عز وجل: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين)، ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار فهو الله الحق. خلق السماوات والأرض ومن فيهن، وكل ما يحصل فيهما وما بينهما كله بالحق، فمن اعتقد أن الله عز وجل خلق ذرة أو حشرة أو رملة أو قليلاً أو كثيراً أو خيراً أو شراً بباطل، فإن هذا اعتقاد الكافرين، قال سبحانه: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون).

 

أن الله ما أقام الجنة والنار إلا إقامة للحق الذي أراده، فخلق للنار أهلا بالحق وخلق للجنة أهلاً بالحق، وأمر بالعدل من أجل إقامة الحق، وشرع الحدود للحفاظ على الحق حتى يذعن الناس كلهم له، والصراط والحوض، وغض البصر، والأمانة حق، ومن الحق بر الوالدين، وصلة الأرحام ورحمة الصغير.

فهذا الاسم العظيم من أسماء الله الذي أثبته لنفسه واتصف به يتضمن أحكاماً كثيرة، ومن عمل بمقتضاه فإنه يكون عمل بمراد الله وبما أوصى به، وبما خلق العباد من أجله، ولا يوجد أمر في الدنيا ولا في الآخرة إلا ويدخل تحت هذا الاسم العظيم ويتضمنه.

والحق سبحانه وتعالى هو الذي يحق الحق بكلماته ويقول الحق ووعده الحق، ودينه حق، وكتابه حق، وما أخبر عنه حق، وما أمر به حق كما قال تعالى: (ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون)، وقال سبحانه: (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور).

وفي الصحيحين عن ابن عباس، أنه كان في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: (أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق).

وتطلق كلمة الحق أيضاً على القرآن، والعدل والإسلام والصدق، ووصف الحق لا يتحلى به أحد من الخلق إلا على سبيل الصفة المؤقتة، وسيزول كل ملك ظاهر وباطن بزوال الدنيا ويبقى ملك المولى الحق وحده.

وإذا غاب تطبيق اسم الله الحق بين الناس في حياتهم تكون النتيجة فساد الأرض، وضياعها، وانهيارها، وحياة اجتماعية مليئة بالتعاسة، والكآبة والانهيار، والظلم والضياع.

والحق له سلطان على الباطل، يعلو ولا يعلى عليه، حتى لو كان الأمر في ظاهره بخلاف ذلك (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون).

ومهما التبس الحق فترة أو حقبة لا بد من حصحصته، لأن الله أمر به وأقام دينه وشرعه به، وأنزل كتبه به وأرسل رسله به، قال الله سبحانه وتعالى: (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا).

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 235 مشاهدة
نشرت فى 11 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,310,387