أحمد محمد - اسم الله تعالى الكريم من الأسماء المحببة إلى النفوس المؤمنة، فهم متقلبون في نعيمه ليل نهار، فلا يسمو كرم على كرمه، ولا إنعام يرقى إلى إنعامه، ولا عطاء يوازي عطاءه، له علو الشأن في كرمه، والكريم اسم جامع لكل ما يحمد.
والله الكريم المنزه عن النقائص والآفات، يبدأ بالإحسان ولا يمن بعد العطاء ولا يخيب الأمل كريم في ذاته وعطائه.
سمى الله نفسه الكريم على سبيل الإطلاق، وجاء الاسم في القرآن ثلاث مرات، في قوله سبحانه: (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم)، وقوله: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك)، وقوله تعالى: (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)، والمرة الرابعة باسم الأكرم (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).
إن اسم الكريم يشمل كل أسماء الله الحسنى، فمن كرمه أنه رزاق ووهاب يعطي دون طلب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا”، وعن عائشة رضي الله عنها في الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر: “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”.
التعريف الدقيق
يقول بعض العلماء إن التعريف الدقيق لاسم الكريم، هو الواجب الوجود المنزه عن كل عدم وعن كل نقص، العزيز الذي لا إله غيره، هو الذي يبتدئ بالنعمة من غير استحقاق، يستر الذنوب ويخفي العيوب، إذا أتاه عباده بالطاعات اليسيرة قابلهم بالثواب الجزيل.
والله الكريم أعطانا الدنيا كلها، والدليل قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم).
والكريم دائم المعروف، ذو الطول والإنعام يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، إذا أعطى أجزل، والله سبحانه هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله، ووصف عرشه بالكرم قال: (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم).
وهو الذي كرم الإنسان لما حمل الأمانة وشرفه واستخلفه في أرضه واستأمنه في ملكه وفضله على كثير من خلقه كما قال: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، وهو الذي بشر عباده المؤمنين بالأجر الكريم والمغفرة الواسعة والرزق، قال تعالى: (أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)، وقال سبحانه: (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم).
يقول الإمام الغزالي، الكريم من البشر هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفىّ، والله يعطي ويزيد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جُفي عاتب، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط، وقد أورد ابن العربي ستة عشر قولاً في معنى اسمه تعالى الكريم وهي، الذي يعطي بغير سبب لا لعوض، لا يحتاج إلى الوسيلة، لا يبالي من أعطى ولا من يحسن إليه، كان مؤمنا أو كافراً، مقراً أو جاحداً، لولا كرمه ما سقى كافرا شربة ماء، يستبشر بقبول عطائه ويسر به، يعطي ويثني، يعم عطاؤه المحتاجين وغيرهم، يعطي العبد برغم إساءته للأدب مع ربه، ويعطي قبل السؤال، لا يضيع من توسل إليه ولا يترك من التجأ إليه، لا يعاتب ولا يعاقب.
الثواب الجزيل
وهو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ولا ينقطع سخاؤه، الذي يعطي ما يشاء لمن يشاء، وكيف يشاء، بسؤال وغير سؤال، وهو يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله فيمنحهم الثواب الجزيل في مقابل العمل القليل.
وقال ابن القيم، فالله سبحانه غني حميد كريم رحيم، محسن إلى عبده مع غناه عنه يريد به الخير ويكشف عنه الضر، لا لجلب منفعة إليه سبحانه ولا لدفع مضرة، بل رحمة وإحساناً وجوداً محضاً، فإنه رحيم محسن جواد كريم لذاته.
والأكرم، اسم دل على المفاضلة في الكرم، والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله فيه نظير.
والكريم دل على الصفة الذاتية والفعلية معاً، كدلالته على معاني العظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات، وأيضاً دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب، ولا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى وهذا كمال وجمال في الكرم.
أما الأكرم المنفرد بكل ذلك في أنواع الكرم الذاتي والفعلي، فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه، وجلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال. والإكرام الحقيقي هو إكرام الله للعبد بالتوفيق للطاعة واليقين والإيمان، قال تعالى (... إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم هو كثير الإحسان بدون طلب والسخي هو المعطى عند السؤال، والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء.
ساحة النقاش