د. محمد مطر الكعبي
لقد ذكر القرآن الكريم النخل والنخلة في آيات عديدة تصل إلى عشرين آية، وسياق هذه الآيات تعطي الأهمية والمكانة للنخل جمالاً وفائدة، قال تعالى:( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) فجمالها في بسوقها، وجمالها في عذوقها، وثمرها المرصوص الجميل الذي يتغير من الأخضر إلى الأصفر أو الأحمر، وتنوع مذاقها وطعمها، قال عز وجل (وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ) واعتمادها في الأغذية المتعددة التي تقوم حياة الإنسان عليها، قال سبحانه:( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً). ولهذا وغيره كانت النخيل أنفس أملاك العرب، كما كانت الإبل أنفس أموالهم، فكانوا يحبون جنات النخيل، قال عز وجل: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، وكانت الأعين عند العرب متجهة إلى هذه الجنات التي يزينها النخيل، فتعجب أصحابها والناظرين إليها، قال تعالى: (جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً)، لقد كانت حياة أهل الإمارات والجزيرة العربية تقوم على ثمار النخيل وقليل من الثمرات مع عطاء الأنعام من الحليب، وأكد الحق سبحانه وتعالى أهمية التمر في آية جليلة حين قال لمريم عليها السلام :(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِياًّ * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً)، فأرشدها عليها السلام إلى أن تتناول الرطب اللذيذة في لحظات ضعف وجوع مع الماء، فيقوى ضعفها، وينشرح صدرها.
لقد لاحظ العربي أن النخلة رمز الجمال، كلها فائدة ونفع في حياته، بدءاً من جذورها ومروراً بساقها وجذوعها، إلى سعفها وورقها إلى لبِّها ثم ثمرتها، التي تفنن العربي في تسميتها من البسر إلى البلح إلى الرطب إلى التمر، وهذه الأطوار قسموها أدواراً وجعلوا لها أسماء مميِّزة، وقد جاء في الحديث أن أبا الْهَيْثَمِ بْن التَّيِّهَانِ جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومن معه من ضيوفه بِقِنْوٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «أَفَلاَ تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ. وجاء في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الْقُثَّاءَ بِالرُّطَبِ. وفي السنة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. وفي الصحيحين:«مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم:«بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحنك الأطفال عند الولادة بالتمر، ولقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة أهمية تمر النخيل في الجسم، وأصبحت مكانته العالمية تتعاظم يوماً بعد يوم وينصح به علماء التغذية في عديد من الحالات، وقد أخذت قيادتنا الرشيدة بتجميل الوطن الذي كان بالأمس القريب صحاري مقفرة إلا من واحات من نخيل متفرقة، واليوم زاد عدد النخيل في الدولة على أربعين مليون نخلة، فماء بارد وظل ظليل، أفلا تستحق هذه النعم الشكر والعرفان؟.
د. محمد مطر الكعبي
ساحة النقاش