نزول القرآن الكريم:

في ليلة خالدة من ليالي شهر رمضان المعظم، بدأ نزول القرآن الكريم، وتوالى الوحي طيلة ثلاث وعشرين سنة، مرشداً وهادياً، مثبتاً لقواعد الدين، موضحاً طريق انتصار الإسلام.

تحدث ابن هشام([1])عن ابتداء تنزيل القرآن الكريم في شهر رمضان، فقال: "ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان، بقول الله عز وجل: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" 
وقال الله تعالى :" إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر"

 

 وأشاد ابن هشام([2])بجهود الرسول عليه الصلاة والسلام في تبليغ ما نزل به الوحي فقال: "ثم تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه، قد قبله بقبوله، وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم، والنبوة أثقال ومؤنة، لا يحملها ولا يستطيع النهوض بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه، لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاؤوا به عن الله سبحانه وتعالى. فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى".

إسلام خديجة:

كانت السيدة خديجة رضي الله عنها، أول من اعتنقت الإسلام، وأول من آمنت بالله ورسوله. وكان بديهياً أن تسارع إلى الإيمان، فقد جربت على رسول الله طوال حياته الأمانة والصدق وعلوّ النفس وحبّ البرّ والرحمة، وقد رأته في سنوات تحنثه كيف شغلت نفسه بالحق، وبالحق وحده، يطلبه مرتفعاً بقلبه وبروحه وبعقله"([3]).

وكان لإسلام خديجة، وإيمانها برسالة محمد، أثره الكبير في نفسه، فقال ابن هشام([4]): "فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يسمع شيئاً مما يكرهه من ردّ وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهوّن عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى".

أصبح لخديجة فضل السبق إلى الإسلام، ونالت بذلك رضا ربها ورحمته، فقد أتى جبريل عليه السلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: أقرئ خديجة السلام من ربها. فقال الرسول لخديجة: يا خديجة، هذا جبريل يقرئك السلام من ربك. فقالت: الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام وقد بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم زوجه خديجة بالجنة([5]).

فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، حتى شقّ ذلك عليه فأحزنه، حتى إن خديجة قالت له: ما أرى ربك إلا قد قلاك. ولكن الله عزّ وجلّ اصطفاه، ولذا جاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به، ما ودعه وما قلاه.

زال كل شك أو قلق، وأدرك محمد عليه الصلاة والسلام أن العناية الإلهية ترعاه، وأن الله عز وجل قد اصطفاه، وأنه قد أصبح رسول الله في العالمين، "فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله عليه وعلى العباد به من النبوة سراً إلى من يطمئن إليه من أهله، فكان أول من صدقه وآمن به واتبعه من خلق الله فيما ذكر زوجته خديجة رحمها الله"([6]).

الصلاة:

وبعد التوحيد، كانت الصلاة، وما يسبقها من طهارة، أول شرائع الإسلام، فيقول الطبري([7])((كان أول شيء فرض الله عز وجل من شرائع الإسلام عليه - أي على الرسول صلى الله عليه وسلم - بعد الإقرار بالتوحيد، والبراءة من الأوثان والأصنام، وخلع الأنداد، الصلاة)).

أتى جبريل عليه السلام، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بأعلى مكة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل عليه السلام، ورسول الله ينظر إليه، ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل يتوضأ، ثم قام به جبريل فصلى به، وصلى الرسول بصلاته، ثم انصرف جبريل عليه السلام([8]).

ثم توجه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى بيته، حيث التقى بخديجة، فتوضأ أمامها ليريها كيف الطهور للصلاة كما علّمه جبريل، فتوضأت، ثم صلى بها الرسول، كما صلى به جبريل عليه السلام، فصلت بصلاته([9])!

ثم كان إسلام علي بن أبي طالب، وإقامته الصلاة خلف الرسول. وكان علي حينئذ في العاشرة من عمره، مقيماً في بيت الرسول، في كفالته، إذ أراد الرسول أن يخفف عن عمه أبي طالب، وكان ذا عيال كثيرة، وكانت قريش تمر بأزمة شديدة([10]). رأى علي الرسول وخديجة يصليان، فعجب مما رآه، حتى إذا انتهيا من الصلاة، توجه إليهما بالسؤال عن سبب سجودها. فأخبره الرسول أنهما يسجدان لله عز وجل، الذي اصطفاه رسولاً ونبياً، وأمره بأن يدعو الناس إلى عبادته سبحانه وتعالى. ودعا محمد ابن عمه إلى عبادة الله وحده، لا شريك له، وإلى اعتناق الإسلام، وإلى نبذ عبادة الأوثان، وتلا محمد بعض آيات القرآن الكريم، فأخذ علي بإعجاز هذه الآيات وجمالها، وطلب علي من الرسول أن يمهله حتى يشاور أباه أبا طالب، فطلب الرسول منه أن يكتم الأمر. وقضى علي ليلة مضطربة، أمعن فيها التفكير، حتى إذا كان الصباح التالي، أعلن علي للرسول إيمانه وإسلامه.

ثم كان إسلام زيد بن حارثة، مولى الرسول، وهو عربي من قبيلة كلب، وكان هذا الشاب قد أسره في طفولته جماعة من قريش ثم اشترته خديجة، ووهبته إلى محمد. وبعد عدة سنوات سمع أبوه بوجوده في مكة، فأراد أن يفتديه بمبلغ من المال فوافق محمد على أن يكون لزيد أن يختار الذهاب مع أبيه الحقيقي، أو البقاء مع محمد. ففضل زيد البقاء، فقد كان محمد يعامله معاملة الابن. وعندئذ تبناه محمد، حتى إذا اعتنق زيد الإسلام أعتقه الرسول، وآثر زيد البقاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

مضى الإسلام في طريق النجاح والنصر، فأسلم أبو بكر صديق الرسول الحميم، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف.

ودعا أبو بكر إلى الإسلام كل من وثق به من قومه، فتبعه على الإسلام عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام.

ليلة القدر:

بدأ نزول القرآن الكريم في ليلة القدر، وهي من ليالي شهر رمضان المباركة. وقد وصف الله عز وجل هذه الليلة الخالدة بأنها خير من ألف شهر، إذ تنزل فيها الملائكة وجبريل، بإذن من خالقهم العظيم، من العالم الروحي، حيث يخالطون النفوس الآمنة المطمئنة، الممتلئة بالإيمان العميق. وتمضي هذه الليلة الميمونة المباركة في خير وسلام حتى مطلع الفجر.

أطلق على ليلة القدر هذا الاسم - كما يقول الإمام محمد عبده - لأن الله عز وجل ابتدأ فيها تقدير دينه، وتحديد الخطة لنبيه في دعوة الناس إلى ما ينقذهم مما كانوا فيه. والقدر بمعنى العظمة والشرف، من قولهم فلان له قدر أي له شرف وعظمة، لأن الله قد أعلى فيها منزلة نبيه وشرفه وعظمه بالرسالة.

وقد نتساءل: أي ليلة من ليالي رمضان هي ليلة القدر؟ ويجيب الإمام محمد عبده أيضاً عن هذا التساؤل فيقول: وكتاب الله لم يعينها، وما ورد في الأحاديث من ذكرها إنما قصد به حث المؤمنين على إحيائها بالعبادة شكراً لله تعالى على ما هداهم بهذا الدين الذي ابتدأ الله إفاضته فيهم في أثنائها، ولهم أن يعبدوا الله إفاضته فيهم فيها أفراداً وجماعات، فمن رجح عنده خبر في ليلة أحياها، ومن أراد أن يوافقها على التحقيق فعليه أن يشكر الله بالعبادة في الشهر كله، وهذا هو السر في عدم تعيينها. وليلة القدر ليلة مباركة، يقول الله عز وجل عنها في سورة الدخان: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين).

روى الطبري([11]) عن ابن مسعود أنه قال: ((التمسوا ليلة القدر في تسع عشرة ليلة من رمضان فإنها ليلة بدر)). كما روى الطبري عن زيد أنه ((كان لا يحيي ليلة من شهر رمضان كما يحيي ليلة تسع عشرة وثلاث وعشرين ويصبح وجهه مصفراً من أثر السهر. فقيل له، فقال: إن الله عز وجل فرق في صبيحتها بين الحق والباطل)).

 


[1]. سيرة ابن هشام ج1 ص256.

[2]. سيرة ابن هشام ج1 ص256.

[3]. هيكل: حياة محمد ص134.

[4]. سيرة ابن هشام ج1 257.

[5]. سيرة ابن هشام ج1 257.

[6]. الطبري ج2 ص53.

[7]. هيكل: حياة محمد ص134.

[8]. سيرة ابن هشام ج1 ص260.

[9]. الطبري ج2 ص54.

[10]. سيرة ابن هشام ج1 ص263.

[11]. تاريخ الطبري ج2 ص 130.

المصدر: رابطة شباب مسقبل سوريا
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 6 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,635