عمرو أبوالفضل - كان ابن حوقل من أشهر الرحالة والجغرافيين المسلمين الذين كتبوا عن البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً، ونجح في وصف هذه البلاد وتدوين مشاهداته وما جمعه من معلومات عن عادات هذه المجتمعات وتقدمها.
ويقول الدكتور منتصر مجاهد، الأستاذ بجامعة قناة السويس، وُلد أبوالقاسم محمد بن علي بن حوقل النصيبي البغدادي الموصلي، في نصيبين في شمال شرق الجزيرة الفراتية ضمن الحدود التركية اليوم، تلقى تعليمه بدراسة اللغة العربية والأدب والتاريخ والجغرافيا، وشغف منذ نعومة أظفاره بالسير والأخبار والترحال، وعكف على قراءة أبرز الكتب المعروفة في المسالك، ومنها كتاب “المسلك والممالك” لأبي القاسم ابن خرداذبة، وكتاب “الخراج وصنعة الكتابة” لأبي الفرج قدامة بن جعفر، وكتاب “المسالك والممالك” لأبي إسحاق الاصطخري، وكتاب أبي عبدالله محمد بن أحمد الجيهاني وزير السامانيين، ولكنه تيقن بعد دراستها أن كتب المسالك المؤلفة قبله لم تف بالغرض المقصود، فاستبدت به الرغبة في دراسة الممالك والأمصار، وأراد أن يشبع ولعه بمعرفة البلاد وأحوال الشعوب، واتخذ التجارة مهنة له حتى تسهل مهمته في معرفة خصائص الأقاليم وطبائع الشعوب، والوقوف على ميزات الناس ونوادرهم وغرائبهم، وبدأ تجواله من بغداد عام 331هـ / 943م، فحملته أسفاره إلى شمالي إفريقية والأندلس، وزار نابولي وباليرمو في إيطاليا، وعرف العراق وإيران عن كثب، ودخل الهند وطاف في مدنها وفيها التقى بالأصطخري في سنة 340هـ/ 951- 952م، وأعجب به الأخير، فكلفه بتنقيح كتابه، واستجاب ابن حوقل لهذه الرغبة، ولكنه أدخل تعديلات جوهرية على الكتاب، لا سيما الأقسام المتعلقة بمصر والمغرب والأندلس وصقلية والعراق وأرمينيا وما وراء النهر، وخرج في صورة مختلفة، فأطلق عليه عنوان “المسالك والممالك والمفاوز والمهالك” أو “صورة الأرض”، وعرض المسودة الأولى من مصنفه على سيف الدولة الحمداني، وأتم كتابه قبل سنة 367هـ/977م.
ولخص ابن حوقل في كتابه سلسلة أسفاره الطويلة التي بدأها في سنة 331هـ، وعاد منها في عام 362هـ/973م، أي بعد قرابة ثلاثين عاماً زار خلالها ديار الإسلام من الشرق إلى الغرب، وسافر إلى مناطق نائية في آسيا وأفريقيا، ووصلت رحلاته إلى 20 درجة خط الاستواء على الشاطئ الشرقي لأفريقيا، وانفرد بتدوين ملاحظات أثبت بها وجود عدد كبير من السكان في تلك المناطق على عكس ما كانت تقول الدراسات التي سبقته خاصة مؤلفات الإغريق.
كما زار مناطق أخرى من أوروبا مثل بلاد البلغار، وكان وصفه دقيقاً ومفيداً للرحالة، وتضمن كتابه وصفاً مفصلاً للأراضي التي سيطر عليها المسلمون في إسبانيا وإيطاليا وبالأخص صقلية، وكذلك بلاد الروم “الإمبراطورية البيزنطية”، وسجل أن عدد اللغات في القوقاز 360، وأن اللغتين الأذرية والفارسية هما لغتا التواصل للقوقاز، كما وصف كييف، وذكر طريق بلغار الولغا والخزر.
وفصل في تناوله بلاد الإسلام، فذكر ديار العرب، ورسم جميع ما تشتمل عليه من الجبال والرمال والطرق، وما يجاورها من الأنهار، كما ذكر بحر فارس، والمغرب والأندلس وصقلية ومصر والشام والجزيرة التي بين دجلة والفرات، ثم أورد معلومات مفصلة عن العراق وبلاد فارس وبلاد السند وأرمينيا وأذربيجان والجبال والديلم وبلاد ما وراء النهر، وذكر في كتابه الذي حذا فيه حذو الأصطخري، في تقسيمه العالم الإسلامي إلى عشرين إقليماً، وزاد عليه إقليمين، هما إقليم الأندلس وإقليم صقلية، المفاوز والمهالك والأقاليم والبلدان على مر الدهور والأزمان، وطبائع أهلها وخواص البلاد في نفسها، وذكر جباياتها وخراجاتها، كما ذكر الأنهار الكبار واتصالها بشطوط البحار، وما على سواحل البحار من المدن والأمصار.
وحرص على تسجيل فترة إقامته الطويلة في بلاد الأندلس، وكتب في مقدمة دراسته تقريراً عنها، بين فيه مظاهر ازدهار الحضارة الأموية فيها في عهد حكم عبد الرحمن الناصر، وأورد معلومات قيمة عن الأوضاع السياسية والحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في الأندلس، كما ذكر المحاصيل التي تصدرها إلى غيرها من البلاد وبيع الرقيق الذي كان يوجه إلى قصور الخلفاء والأمراء في مصر والعراق والشام.
ساحة النقاش