جاء ذكر الليل والليلة فـي القرآن الكريم في نحو تسعين آية ، وفـي عدد من الآيات التأكيد على أن هذا الليل أمره عظيم، كبقية الظواهر العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى وإتقان صنعه فـي هذا الكون، قال سبحانه: ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ) وقال عز وجل:(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)، وقال تعالى:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)، وهذه الآية العظيمة مسخرة لخدمة الإنسان، قال سبحانه:(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، وهذا التسخير له حكمة ربانية تتلاءم مع الوجود الإنساني وحاجاته الأساسية، فالليل سكن وراحة بعد كد النهار.
قال عز وجل: (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ)، وقال تعالى:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً)، وهذا السكون وهذه الراحة فـي الليل فيهما الكثير من العبر والدلالات وقد جاءت فـي آيات عديدة فقال تعالى:(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً)، وهذه الاستراحة والاستكانة قد تكون نوماً، وهي المقصود الأول، وفـي النوم نفسه دلالات وعبر، قال عز وجل: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ)، أي أنكم تنامون بالليل، وتبتغون الرزق فـي النهار، وعلى هذا سار نظام الحياة، وهذا النوم راحة، قال سبحانه:(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً) والنوم شبيه الموت، بل نوع منه.
ولهذا قال سبحانه:(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ)، وهذا الليل الذي يغشي الأرض فيستر أهلها بظلامه، ويقومون فيه بكثير من الأعمال التي تحتاج لستر وخفية، قال تعالى:(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً)، فهو فـي ستره الإنسان يشبه اللباس لذي يستر العورة، وفـي الليل تسكن جميع المخلوقات التي كانت تسعى فـي النهار وتهدأ، والليل والنهار يتقلبان ويتعاقبان بقدرة العليم الحكيم، والإنسان بينهما فـي ظروف وأحوال مناسبة، قال سبحانه:(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)، وقال عز وجل:(يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)، وقال تعالى:(وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)، ويقول سبحانه:(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، وهذا الظلام الواسع لا يعلم مداه وسعته إلا الله تعالى، يقول عز وجل:(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)، أي جعل ليل السماء شديد السواد والظلام، وهذا كان قبل بسط الأرض وتمهيدها لقوله عز وجل: (والأرض بعد ذلك دحاها)، هذا الليل العظيم الذي فيه من عجائب الخلق، وأسرار الحياة الكثيرة، وقد بدأ البحث العلمي يتوجه إلى معرفة شيء من هذا، يذكرنا الخالق بنعمته هذه وأهميتها فـي حياتنا فيتوجب علينا شكره عليها بالذكر والفكر والتسبيح والركوع والسجود وكل عمل صالح، حيث ينام النائمون، و يقوم المؤمن لعبادة ربّه فـي سكون الليل امتثالاً لقوله تعالى:(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) صدق الله العظيم.
د. محمد مطر الكعبي
ساحة النقاش