أحمد شعبان
من أعظم نعم الله على الإنسان في هذه الحياة نعمة الأبناء الذين يتقون الله ويرتادون المساجد.
فهم نعمة إلهية وهبة ربانية يختص الله بها من يشاء من عباده ولو كان فقيراً ويمنعها عمن يشاء من خلقه ولو كان غنيا قال تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير)، فهم زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا).
يقول الدكتور محمد نبيل غنايم - رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - من أدعية القرآن الكريم التي تتحدث عن رزق الذرية دعاء نبي الله زكريا قال تعالى: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين).
جاء في تفسير هذه الآية أن نبي الله زكريا دعا ربه أن يرزقه ذرية طيبة طاهرة الأخلاق طيبة الآداب لتكمل النعمة الدينية والدنيوية بهم فاستجاب الله لدعاء نبيه، وبينما هو قائم في محرابه يتعبد لربه ويتضرع نادته الملائكة وبشرته بنبي الله يحيى - عليه السلام - سيدا يحمل من الصفات الجميلة ما تؤهله أن يكون سيدا يرجع إليه في الأمور وحصوراً أي معصوماً من فتنة النساء فليس في قلبه لهن شهوة مشتغلا بطاعة ربه واعتبرها زكريا أعظم بشارة أن يرزقه الله سبحانه وتعالى بنعمة الولد وهو في هذا العمر، ولكن الله أخبره أن هذه معجزة وآية.
أمانة
وقال تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)، تتحدث هذه الآية عن دعاء الإنسان لأزواجه وذريته بالصلاح ودعاء الإنسان لزوجته وأبنائه يعود عليه وعليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى (هب لنا) فهذا الدعاء يعود بالنفع على عموم المسلمين لأن بصلاح من ذكر من البشر يكون صلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم وقال تعالى (واجعلنا للمتقين إماما) يطلبون من الله - عز وجل - أن يوصلهم إلى هذه الدرجة العالية درجة الصديقين من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدي بأفعالهم ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.
والأولاد أمانة عند الوالدين كلفهما الله بحفظها ورعايتها وأوصاهما بتربيتهم تربية صالحة في دينهم ودنياهم لأنهم أولى الناس بالبر وأحقهم بالمعروف والأبوان مسؤولان بين يدي الله عن تربية الأبناء قال - صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع في بيته وهو مسـؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها” وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”. وفي التراث الإسلامي قصة الرجل الذي جاء إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشكو عقوق ولده فاستعظم عمر الأمر وكاد يوقع عليه العقاب لولا أن بادره الغلام فسأله: وما حقوق الأبناء على الآباء يا أمير المؤمنين؟ أجاب عمر: على الآباء أن يحسنوا اختيار الأم ويحسنوا اختيار الاسم ويحسنوا التربية فقال الغلام: ولكن أبي اختار أمي من الإماء وسماني “جعل” وبدل التأديب كلفني رعي أغنامه وإبله، فقال عمر موجهاً حديثه هذه المرة للأب: اذهب فقد عققته قبل أن يعقك. وببركة تربية الأبناء يستجلب الرزق وتنزل الرحمة ويضاعف الأجر عن أبي هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” وقال - صلى الله عليه وسلم-: “وإن لولدك عليك حقاً”.
عدم الافتتان
ويجب أن يعلم الأب أن الهداية بيد الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله وإنما عليه هداية الدلالة والإرشاد كما قال تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)، ولذلك يجب عليه أن يدعو لأبنائه بالصلاح والهداية، وعدم الدعاء عليهم كما جاء في حديث جابر بن عبد الله - رضى الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم حتى لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم” وأن يكون الأب رفيقاً في تعامله معهم فعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه” وأن يعدل بينهم في كل شيء في كلامه وسلامه ونفقته وعطاياه وغيرها مما يحتاجون إليه حتى لا تقع الغيرة كما جاء في حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”.
ومع اهتمام الوالدين بالأبناء يجب عليهما عدم الافتتان بالأبناء يقول تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، فإن الولد قد يحمل أباه على الكسب الحرام ويحمل أباه على البخل فيأتي الوالد كي يتصدق فيأتيه الشيطان ويقول له ولدك أولى وأحق فيمسك عن الإنفاق في سبيل الله وقد يمرض مرضاً شديداً فيجزع والده حزناً عليه ويحمله ذلك على الاعتراض على قدر الله وعدم الرضا بقضائه كما أن الأولاد قد يكونون سببا في انشغال الأبوين عن ذكر الله فقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون).
ساحة النقاش