«الوهاب».. من أسماء المنح والعطاء

أحمد محمد ـ “الوهاب” من أسماء المنح والعطاء، هو المنعم على العباد، يهب بغير عوض ويعطي الحاجة بغير سؤال، ويبدأ بالعطية، كثير النعم، يعطي بلا وسيلة وينعم بلا سبب ولا حيلة، والله جل جلاله هو الوهاب، يكثر العطاء ويهب ما يشاء بلا غرض، ويسبغ على عباده الأفضال، نعمه كامنة كاملة في الأنفس، وظاهرة في سائر المخلوقات.

و”الوهاب” من أسماء الله الحسنى، ثابت في الكتاب بصريح القرآن ورد ذكره في كلام الله ثلاث مرات و”وهاب” صيغة مبالغة تطلق على الله وحده لأنه تبارك وتعالى يملك كل الموجودات، قال تعالى: “رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، “آل عمران:8”، وقال: “أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ.” “ص:9”، وقال جل جلاله: “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”، “ص:35”.

هذا بجانب عدد من الآيات التي ورد فيها الفعل يهب، مثل قوله تعالى: “لِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذّكُورَ”، “الشورى:49”، وقوله: “وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأَتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا”، “مريم:5”، وقوله تعالى: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء”، “آل عمران:38”.

 

يقول المفسرون، لو استقصينا الأدلة التي تتحدث عن هبات اللَّه جل جلاله في القرآن والسنة لا نكاد نحصيها كثرة وتعددا وتنوعا واختلافا من كثرتها، فما من مخلوق أُعطي رزقا إلا والله هو الذي أعطاه، وما من عبد وهب نعمة إلا والله هو الذي وهب له، والوهاب جزيل العطاء، كثير المن والأفضال، هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابه، أي من غير طلب للثواب من أحد، هو المتفضل بالعطايا الذي ينعم بها لا عن استحقاق عليه، بل محض تفضل منه، وما دفع أحد من خلقه ثمنا لها ولا كافأه عليها تبارك وتعالى الوهاب الذي يجود بجزيل العطاء كثير اللطف والإقبال، ولا يقطع الآمال، فالولد الصالح هبة، قال عز وجل عن نبيه داود: “ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ”، والأهل هبة، إذ قال تعالى في نبيه أيوب: “وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا”، والنبوة هبة، إذ قال عن إسحاق ويعقوب: “وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً”.

 

والأخلاق الطيبة هبة، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت”.

وأعظم الهبات التي يهبها الله سبحانه وتعالى هي الرحمة والهداية والتوفيق، فقد يعطي الدنيا لمن أحب ولمن كره، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب، كما أخبر عز وجل عن أهل الإيمان إذ يقولون: “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”، فهم يتوسلون إلى الله باسمه الوهاب أن يهب لهم الرحمة وأن يعطيهم إياها، بلا مقابل منهم، فهداية قلوبهم، ورحمته وثوابه على ذلك هبة من الله.

وأول هبة وهبها الله للإنسان هي الوجود ثم الإمداد، فالله أوجدنا من عدم ثم أمدنا بأسباب الحياة من مأكل وملبس وهواء وماء ومأوى وغيرها، ثم طلب منا عبادته وشكره وحمده على هذه النعم الجليلة والعظيمة التي لا تعد ولا تحصى.

وقال الإمام الغزالي، الهبة هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، فإذا كثرت العطايا بهذه الصفة سمي صاحبها وهابا وجوادا، ولن يتصور الجود والهبة حقيقة إلا من الله تعالى، فإنه الذي يعطي كل محتاج، لا لعوض ولا لغرض عاجل ولا آجل.

وجاء في تفسير القرآن للشعراوي، والله تبارك وتعالى الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك، ويعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد، أما هبة المخلوق فهي هبة مجازية لأنه يهب ما هو موهوب له من الله، كما أن هبة المخلوق قلما تكون بلا مقابل، فإن لم يكن الوهاب يبغي من هبته مقابلا دنيويا فإنه لا محالة يبغي جزاء الآخرة.

والحق سبحانه وتعالى هو الوهاب أزلا وأبدا، فحين خلقنا من العدم كان ذلك هبة منه، فبدن الإنسان وعقله وسمعه وبصره وقلبه هبات، والكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه للإنسان، فالهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والطعام الذي تخرجه لنا الأرض، والدواب التي تحملنا إلى الأماكن المتباعدة، والشمس التي تمدنا بالدفء والضوء، والقمر الذي نسير على أشعته ليلا، كلها هبات، والرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلى سواء السبيل هبة منه جل وعلا، والهداية والانتقال من الكفر إلى الإيمان هبة منه.

والله يهب بالمنع والعطاء كل حسب طبيعته فقد يعطي الله بالمنع ما لا يعطيه بالبسط، فعندما يلح الإنسان بالدعاء لحاجة ما ولا يستجاب له فقد يكون هذا لمصلحته إما لأن هذه الحاجة فيها ضرر له على المدى الطويل أو أن الله يدخرها له في الآخرة وعندما يرى الإنسان ما ادخر له يوم القيامة يود لو أن الله لم يعطه أيا من حاجاته في الدنيا أو أن الله يبدله بشيء خيرا من حاجته أو أن الله يحب أن يستمع لدعاء عبده ووقوفه على بابه فيجزيه بذلك الخير الكثير.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 81 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,716