اشتهرت النساء العربيات بالفصاحة، إذ حكي عن أبي عبدالله النميري أنه قال: كنت يوماً مع المأمون في الكوفة فركب للصيد ومعه سرية من العسكر، فبينما هو سائر إذ لاحت له طريدة فأطلق عنان جواده، كان على سابق من الخيل، فأشرف على نهر ماء من الفرات، فإذا هو بجارية عربية وكأنها القمر ليلة تمامه وبيدها قربة ماء قد ملأتها وحملتها على كتفها وصعدت من حافة النهر، فانحل وكاؤها (ما يربط به الكيس وغيره) فصاحت برفيع صوتها: يا أبت أدرك فاهاً قد غلبني فوها لا طاقة لي بفيها قال: فتعجب المأمون من فصاحتها ورمت الجارية القربة من يدها فقال لها المأمون: يا جارية من أي العرب أنت؟ قالت: أنا من بني كلاب.
قال: وما الذي حملك أن تكوني من الكلاب؟ فقالت: والله لست من الكلاب وإنما من قوم كرام غير لئام، يقرون الضيف ويضربون بالسيف، ثم قالت: يا فتى من أي الناس أنت؟ فقال: أوعندك علم بالأنساب؟
قالت: نعم، قال: أنا من مضر الحمراء، قالت: من أي مضر؟ قال: من أكرمها نسباً وأعظمها حسباً وخيرها أماً وأباً ممن تهابه مضر كلها. قالت: أظنك من كنانة، قال: أنا من كنانة، قالت: فمن أي كنانة؟ قال: من أكرمها ولداً، وأشرفها محتداً وأطولها في المكرمات يداً، ممن تهابه كنانة وتخافه، فقالت: إذاً أنت من قريش؟ قال: أنا من قريش، قالت: من أي قريش؟ قال: من أجملها ذكراً وأعظمها فخراً ممن تهابه قريش كلها وتخشاه، أنت والله من بني هاشم، قال: أنا من بني هاشم، قالت: من أي هاشم؟ قال: من أعلاها منزلة وأشرفها قبيلة ممن تهابه هاشم وتخافه.
قال: فعند ذلك قبّلت الأرض وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، قال: فعجب المأمون وطرب طرباً عظيماً، وقال: والله لأتزوجن بهذه الجارية، لأنها من أكبر الغنائم، ووقف حتى تلاحقته العساكر، فنزل هناك وخطبها من أبيها وتزوجها وعاد مسروراً وهي والدة ولده العباس.
ولادة بنت المستكفي:
أَلا هَــــــل لنا من بعد هذا التفرّق
سبيلٌ فيشكو كــــلّ صبّ بما لقي
وَقد كنت أوقــات التزاورِ في الشتا
أبيتُ على جمرٍ من الشوق محـــرقِ
فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة
لَقد عجّــــل المقدور ما كنت أتّقي
تـــــمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي
وَلا الصبر مــن رقّ التشوّق معتقي
سَقى اللَه أرضـاً قد غدت لك منزلاً
بكـــلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ
ساحة النقاش