عمرو أبوالفضل ـ الإمام السخاوي أحد كبار العلماء في تاريخ الإسلام، وكان موسوعياً في علمه، متعدداً في مصنفاته، وانتهت إليه الريادة في معظم علوم عصره لا سيما التاريخ والحديث.

ويقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد - وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق لشؤون الدعوة - وُلد محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن أبي بكر شمس الدين أبوالخير السخاوي بمدينة القاهرة بحارة بهاء الدين على مقربة من باب الفتوح، في ربيع الأول سنة 831 هـ - 1428م، في أسرة أصلها من بلدة سخا من أعمال محافظة الغربية شمال مصر، ولما بلغ الرابعة من عمره انتقلت أسرته إلى منزل بجوار دار ابن حجر العسقلاني، فكان لهذا الجوار أكبر أثر في حياة شمس الدين السخاوي الذي بدأ الاتصال به في سنة 838 هـ، وهو طفل في الثامنة من عمره ولازمه وانتفع به وتخرج به في الحديث. وعندما توفي أستاذه سافر إلى دمياط ودرس على يد شيوخها حيناً، وأرسله أبوه إلى المؤدب الشرف عيسى بن أحمد المقسي الناسخ فأقام عنده فترة قصيرة، ثم نقله أبوه إلى زوج أخته الفقيه الصالح البدر حسين بن أحمد الأزهري أحد أصحاب الشيخ يوسف الصفي المالكي فقرأ عنده القرآن، وأخذ عن الفقيه الشيخ الشمس محمد بن أحمد النحريري السعودي الضرير، ومؤدب البرهان بن خضر والجلال بن الملقن وابن أسد وغيرهم من العلماء الكبار في ذلك العصر، القراءات وعلوم التجويد، وحفظ فوائد ونوادر في الأدب، وقرأ بعض الحديث، ووجهه السعودي الضرير إلى الشيخ الشهاب بن أسد، فحفظ عنده كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبدالغني المقدسي، وكتاب التنبيه-، وكتاب المنهاج الأصلي وألفية بن مالك وكتاب النخبة، وكذلك قرأ عليه القرآن بقراءة أبي عمرو وابن كثير المقرئ.

دفعه الشوق إلى زيارة الأراضي المقدسة والاستزادة من طلب العلم، فسافر إلى مكة وأدى فريضة الحج في سنة 870 هـ، ومكث هناك فترة يتلقى العلم على يد شيوخ مكة والمدينة وطاف بقاعها، ولما عاد إلى مصر سافر إلى الإسكندرية وقرأ بها حيناً وزار عواصم الوجه البحري، ثم قام برحلة إلى الشام زار فيها فلسطين وبيت المقدس والخليل ونابلس، ثم دمشق وحمص وحماة واستقر حيناً في حلب يقرأ على أعلام وعلماء هذه البلاد ويدرس القرآن والنحو والعروض واللغة والفقه والحساب والميقات والمنطق، ولما عاد إلى القاهرة عكف على تدريس الحديث أحياناً بمنزله وأحياناً بالخانقاه المعروفة باسم خانقاه سعيد السعداء. كما قام بالتدريس في معظم مدارس القاهرة، ثم درس حيناً بمكة المكرمة وقرأ بالمسجد الحرام بعضاً من تصانيفه وتصانيف غيره ولما عاد إلى القاهرة تبوأ مركز الزعامة الذي كان يشغله أستاذه ابن حجر العسقلاني.

وقرر السخاوي اعتزال التدريس بالأماكن والمعاهد والمدارس العامة، وقصره على بيته فقط، وانكب على التأليف والتصنيف وذاعت شهرته في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، حيث تلقى العلم على يديه مئات الطلاب والعلماء، وخلف تراثاً علمياً قيماً في العلوم الشرعية والحديث والفقه والأدب والتاريخ، ومن أهم مصنفاته “الأخبار المكللة في الأحاديث المسلسلة”، و“تخريج أربعين النووي”، و“تكملة تخريج ابن حجر للأذكار”، و“تخريج أحاديث العالين لأبي نعيم”، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث”، “وشرح التقريب للنووي”.

مؤلفات تاريخية

وضع السخاوي قائمة من المؤلفات التاريخية حظيت باهتمام الباحثين والدارسين لعل أهمها موسوعته “الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع” التي تقع فيما يقرب من عشرة مجلدات عن تراجم العلماء والقضاة والخلفاء والأمراء والأدباء وغيرهم في البلاد الإسلامية المختلفة من سنة 801 حتى 897 هـ، وكتابه “التبر المسبوك في ذيل السلوك” الذي وضعه كذيل لكتاب تقي الدين المقريزي وتناول فيه تاريخ دول المماليك المصرية حتى سنة 844 هـ، كما تناول في كتابه الذي ألفه بناء على رغبة الدودار يشبك بن مهدي وزير السلطان الظاهر خشقدم “تاريخ مصر الإسلامية” تاريخ مصر من سنة 845 هـ - 857هـ، كما ألف أيضاً كتاباً يعد ذيلاً على كتاب ابن حجر العسقلاني “رفع الإصر عن قضاة مصر” تناول فيه تراجم القضاة المصريين حتى عصره عنوانه “ذيل رفع الإصر”، ومن مؤلفاته أيضاً كتاب “الشافي في وفيات الأمم”، و”القول التام في فضل الرمي بالسهام” وكتاب “الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ”، واعتبر عملاً غير مسبوق في فلسفة التاريخ وتميز أسلوبه بالنزعة النقدية، حيث ارتفع بالتأليف التاريخي من الرواية المجردة إلى عمل نقدي يشبه الأعمال الحديثة، وتوفي - رحمه الله - في سنة 902 هـ- 1497م، في مجاورته الأخيرة بالمدينة المنورة.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 25 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,878