دخل عبدالله بن جعفر على الخليفة عبدالملك بن مروان وهو يتأوه، فقال:
ما علتك يأ أمير المؤمنين؟
قال:هاج بي عَرق النّسا في ليلتي هذه فبلغ مني.
فقال له ابن جعفر: إن لي مولّى يُدعى بُديح، كانت أمّه بربرية، وكانت تَرقِي من هذه العِلَّة، وقد أخذ ذلك منها.
قال: فادْعُ به.
فلما مضى الرسول، سُقط في يَدَي ابن جعفر، وقال في نفسه:
كِذْبة قبيحة عند أمير المؤمنين!
فما كان بأسرع من أن طلع بُديح. فقال له عبدالملك:
كيف رُقيتك من عِرق النّسا؟
قال: أرقَى الخلقِ يا أمير المؤمنين!
فسُرِّيَ عن أبي جعفر لأن بُديحاً كان صاحب فكاهة يُعرف بها.
وجعل بُديح يتفُل على ركبة عبد الملك ويُهَمْهِمْ، ثم قال:
قم يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك.
فقام عبد الملك لا يجدُ وجعاً. فقال: الله أكبر! وجدتُ والله خَفّاً! يا غلام، ادعُ فلانة الجارية حتى تكتب الرُّقية، فإنّا لا نأمن هيجتها بالليل فلا نَذْعَر بُديحاً.
فلما جاءت الجارية، قال بديح: يا أمير المؤمنين، امرأتي طالق إن كَتَبْتها حتى تٌعَجِّل صِلَتي.
فأمر له بأربعة آلاف درهم. فلما صار المال بين يديه قال:
امرأتي طالق إن كَتَبْتُها أو يصير المال إلى منزلي.
فأمر به فُحمل إلى منزله. ثم شرعت الجارية تكتب “بسم الله الرحمن الرحيم”. فقال بديح:
ليس فيها باسم الله الرحمن الرحيم!
قال عبد الملك: كيف تكون ويلَك رُقيةٌ ليس فيها باسم الله الرحمن الرحيم؟!
قال بديح: هو ذاك، امرأتي طالق إن كنتُ قد قرأت على رِجلك إلا بيت نصيب:
ألا إن ليلى العامرية أصبحت
على النَّأي منِّي ذَنْبَ غَيْرِي تنقِمُ!
قال عبد الملك:
ويلك، ما تقول؟
قال: هو ذاك!
فطفق عبد الملك ضاحكاً يفحص برِجْلَيْه.
نسيب عريضة:
أوهِ ألَم يُكتَب هذا القَلم
إلا بأن يَشكو الأسى والألم
يا قلَمي الشارِبَ خَمرَ الشَجا
والمُسمِعَ الطِرسَ صرِيرَ النِقَم
من أيِّ غُصنٍ قصَّك المُبتري
من أيِّ غَيمٍ قد سَقَتكَ الدِيَم
أفي حمى الغِربانِ ثُقِّفتَ أم
بين خَوافيها ألِفتَ الظُلَم
ساحة النقاش