عمرو أبو الفضل ـ ابن اياس أحد أهم المؤرخين في تاريخ الحضارة الإسلامية، وآخر رواد مدرسة التاريخ الذين أرخوا لمصر عبر مراحلها التاريخية وخاصة الإسلامية حتى تاريخ عصر السلاطين الشراكسة في مصر وبلاد الشام.

ويقول الدكتور زكي عثمان- أستاذ الدراسات الإسلامية والدعوة بجامعة الأزهر- وُلد محمد بن شهاب الدين بن أحمد بن إياس، الملقب بأبي البركات الحنفي، بالقاهرة في سنة 855 هـ/1448م، وينتمي إلى قبيلة الأباظية الشركسية، وعاصر حكم السلطان قانصوه الغوري لمصر، وكان أبوه متصلاً بالأمراء وأرباب الدولة، وجده الأمير اياس الفخري الظاهري الذي كان يعمل لدى السلطان الظاهر سيف الدين برقوق الشركسي، وعمل دواداراً في عهد الناصر فرج بن برقوق، ونُشأ محباً للعلم وبدأ تلقي دروسه بحفظ القرآن الكريم وعلوم اللغة والفقه والحديث، ووجد ميلاً إلى دراسة الجغرافيا، ووجد شغفاً بالتاريخ والسير والأخبار، فعكف على الدراسة والأخذ عن كبار مشايخ مصر وأبرزهم جلال الدين السيوطي، والعالم الأديب زين الدين عبد الباسط بن الغرس خليل بن شاهين.

التفرغ للقراءة

ذكرت المصادر أنه عاش متفرغاً للقراءة والدراسة والتصنيف، ولم يتزوج ولم يكن له أولاد، ولم يفارق القاهرة سوى مرة واحدة حين حج سنة 882 هـ، وأعانه على التفرغ للتأريخ وتدوين الحوادث التاريخية بموضوعية وحرية أنه ورث اقطاعاً زراعياً يدر عليه دخلاً مالياً وفيراً، غير أن السلطان الغوري صادر كل الاقطاعيات الممنوحة لأولاد الأمراء، ومنهم ابن اياس، ومنحها لمماليكه، وفي العام الثاني تمكن ابن اياس من مقابلة السلطان الغوري وشكا إليه حاله، فأمر السلطان برد اقطاعه إليه سنة 915 هـ، فامتدحه بقصيدة أرسلها إليه بطريق أحد خواصه.

 

وكان ابن اياس محباً لعقد جلسات العلم التي يحضرها كبار العلماء والشيوخ ورجال الدولة في بيته وتتركز حول التاريخ والنوادر والسير والأخبار، وأعانته هذه الجلسات كثيراً في كتابة مصنفاته التاريخية، حيث زودته بذخيرة هائلة من الحكايات والأخبار اليومية عن السلطان والدولة والشارع المصري من واقع ثقافة عصره في بداية القرن العاشر الهجري.

وبرع ابن اياس في علوم شتى، وكان على اطلاع واسع بعلوم عصره وعلمائه، وأدبائه، ومتصوفيه، وعلى معرفة بعلم الفلك، والهيئة، والجغرافية، ومطلعاً على عدد كبير من الكتب التاريخية وعارفاً بمؤلفيها، وأمضى حياته في التصنيف والتأليف، وترك عدداً من المؤلفات ذات الطابع التاريخي منها “مرج الزهور في وقائع الدهور” وهو في تاريخ الرسل والأنبياء، و”نشق الأزهار في عجائب الأقطار و”انصب على تواريخ الأمم، وذكر فيه أغرب ما سمعه، وأعجب ما رآه، من عجائب مصر وأعمالها، وأخبار ملوكها القدماء، ومن أخبار النيل والأهرام، وعرض فيه معلومات عن علم الفلك والهيئة وجغرافية مصر والعالم، وطرفا من أخبار بعض الأقطار الأخرى كالحجاز والأندلس.

تاريخ العالم

أهتم علماء الغرب بهذا الكتاب في القرن التاسع عشر وترجموه ونقلوا منه، وله أيضاً “نزهة الأمم في العجائب والحكم” ويتناول تاريخ العالم، ونسخته لازالت مخطوطة في إسطنبول، و”جواهر السلوك في أخبار الخلفاء والملوك”، منتظم بدع الدنيا وتاريخ الأمم”، و”عقود الجمان في وقائع الأزمان” في تاريخ مصر، و”الجواهر الفريدة والنوادر المفيدة”، وتميز تدوينه للوقائع التاريخية بالنزاهة والموضوعية واثبات الحقيقة بلا محاباة أو تحيز لأحد.

وتعتبر موسوعته التاريخية المسماة “بدائع الزهور في وقائع الدهور” من أشهر مؤلفاته، وتقع في أحد عشر مجلداً كبيراً، وعرفت بتاريخ ابن اياس، وغطت التاريخ المصري والعربي والإسلامي، وبدأ كتابة هذا السفر الضخم في سنة 901 هجرية، وفرغ منه سنة 928 هـ، ومات بعده بعامين.

وظهرت براعته من خلال تدقيقه في كتابة تاريخ السابقين وتلخيص الروايات عن أكثر من مؤرخ، حيث عمد إلى تجميع الروايات المختلفة في رواية واحدة ويكتبها، مما يدل على قراءته النقدية المتفحصة والمتعمقة، وبدأ موسوعته بالتعريف بمصر ومدنها وفضائلها ودخولها في الإسلام وتاريخ المسلمين من الخلفاء الراشدين وغيرهم إلى أن وصل إلى تاريخ الدولة المملوكية قبل عصر السلطان قايتباي أي سنة 872، وهذا التأريخ لنحو تسعمئة عام أوجزه ابن اياس في 1886 صفحة تقريباً، وفي تأريخه للعصر الذي عايشه توقف معه بالتفصيل لكل ما يراه مهما من الأحوال السياسية والاجتماعية، فقد أرخ للمدة فيما بين عام 872 إلى عام 928، وفي هذا القسم برزت البراعة في العرض، والدقة في الملاحظة، والمقدرة على فهم أغوار الأنفس والعواطف، وجعلت معاصرة ابن إياس للفتح العثماني لمصر من كتابه مصدراً مهماً لهذه الفترة، حيث اعتبره الباحثون أنفس ما كتب عن دولة المماليك التي استمرت قرابة خمسة قرون وبداية الدولة العثمانية في الشرق، كما اعتبر وثيقة فريدة تقترب من أن تكون سجلات يومية يدون فيه الحوادث والأساليب الرسمية والعبارات ومختلف مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العصر.

وقد أضاف لتعمقه في القراءة الشمولية في قراءة ما كتبه المؤرخون السابقون، لذا نراه قد وضع لها كتباً خاصا تمثل مجمل اطلاعاته الشاملة على تواريخ السابقين، ولاتزال تلك الكتب مخطوطة حتى الآن، وتوفي رحمه الله سنة 930هـ/ 1523م بالقاهرة ودفن بها.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,512