سأعتذر سلفا من كل المهووسين بالموسيقا الكلاسيكية الذين يتمايلون وعيونهم مغمضة لسماع تموجات السيمفونيات العظيمة لأبطال الموسيقا الكلاسيكية مثل بيتهوفن في "ضوء القمر" و "من أجلك يااليز" ..

 أو الذين يدوخون ويهتزون بنشوة لدى سماع مقطوعات موتزارت وشتراوس أو موسيقا عصر الباروك .. لأنني سأقطع عليهم انسجامهم وأقول بأنني بالرغم من مودتي للموسيقا الكلاسيكية وتأرجحي على سلالمها الموسيقية .. الا أنني هذه الأيام أطرب لسماع عزف الصواريخ السورية بعد أن تعبنا من طبول وصنجات المايسترو حمد بن خليفة في سيمفونية الربيع العربي بقيادة المايسترو عزمي بشارة الذي عزف لنا لحن كسّارة البندق الاحتفالية بالنصر .. وبعد ان قرفنا من اناشيد الاسلاميين وفرقة اردوغان للأشعارالاسلامية الصوفية .. 

لقد سئمت أذناي صوت التكبير في سيمفونية همجية اسمها الربيع العربي لم تطرب لها روحي .. لأن صوت المآذن وكلمة الله أكبر باتا مسروقين ويباعان على أرصفة اليوتيوب بابتذال كما تباع ألحان واغاني "الكراجات" على الأرصفة مع أغاني فضل شاكر العبسي .. حتى ميشيل كيلو صار يبيع الأذان بالكيلو والاوقية وينادي عليه في البازار في موسكو..ميشيل البليد وثقيل الظل والمتثاقف صار صوفيا اسلاميا وعبقريا في تداول الأشياء أكثر من محي الدين بن عربي في كتاب "عقلة المستوفز".. 

لكن جاء العزف على الصواريخ في المناورات السورية ليرد لي نشوتي ولأغمض عيني وأنتشي .. كما كنت أنتشي بعد سماعي للحن سوناتا "الكاتيوشا" لحسن نصرالله عام 2006 

احتفالي بسيمفونية الصواريخ السورية ليس قادما من فراغ ولا من استعراض بل هو قادم مما انقشعت عنه الزوايا المظلمة من جدال ونقاش وخلافات تدل على المأزق الذي دلفت اليه الثورة السورية .. فالمناورات السورية لم تكشف القوة التدميرية الهائلة لسلاح الصواريخ السوري فحسب بل أظهرت بشكل جلي الجدل المحتدم الذي كان يجري بالتساوق معها عبر مناورات بالاجتماعات المغلقة والمكثفة والصاخبة بالمناقشات في باريس لدراسة الأخطاء التي وقع فيها الربيع السوري .. لأن الأداء الرفيع والمتناغم لسلاح الصواريخ السوري والتكنولوجيا الجديدة كسر الترويج والادعاء بأن الجيش السوري منهار ومتهالك ومرهق ومستنزف ومنشق على نفسه وأنه مأزوم .. وبدت لعبة الاستنزاف هي التي يلعبها الجيش السوري مع المتمردين والقوى الغربية والاقليمية الداعمة .. وأهم نقاط الجدال هذه الايام والذي أطلقته موجات الصواريخ هي البحث عن سبل تحاشي ماسيسببه صمود النظام السوري من كوارث للمشروع الغربي الذي يستميت للبقاء على قيد الحياة.. 

صوت عزف الصواريخ التي أريد لها ان تموت بالسكتة القلبية بتفكك الجيش السوري تسبب بنوع من الاكتئاب في الدوائر الغربية كما صار يتردد في كل الصالونات السياسية..انها السيمفونيات التي تثير الأعصاب والنزق في الغرب واسرائيل.. 


لاأدري ماذا يعني الربيع العربي لصانعيه من غير أن يورق في سورية حتى الآن؟؟.. مايحدث الآن في المنطقة يشبه مايفعله رعاة البقر من اصطياد للثيران واحدا واحدا لتوشم ظهورها بالوشم الثوري الاسلامي .. لكن لايهم كم ثورا تم اصطياده مالم يوقع الرعاة بذلك الجواد السوري البري الذي لم يدخل سياج المزرعة.. ولن يدخل .. 

يتحدث الدارسون للاحداث عن معضلة ولادة حقيقية لمواليد الربيع لأن المولود السوري يعاني الاختناق ولاأمل بخروجه الا قطعا .. وفصل التوأم بالسكين عن أشقائه سيقتله وسيقتلهم ..وتركه عالقا سيترك مسرح الأحداث بلا نهاية ..وسيبقى الواقفون بانتظار مواليد أحفاد سايكس بيكو ينتظرون والمسرح مليء بالفوضى والدم .. الأم الشريرة لاتستطيع النهوض ورجلاها معلقتان في السماء فيما جراحو الناتو بدؤوا يتشاءمون ويغادر بعضهم مسرح العمليات وتتبعهم ممرضات قطر .. 

بالفعل لاأدري ماذا يعني الربيع العربي لصانعيه من غير أن يورق في سورية؟؟.. 

يتدارس المتابعون للأحداث الخلل الذي تعرض له السيناريو الكبير في الشرق الأوسط ..هذا الخلل تمثل في اطلاق التوقيت والقاطرة الأولى .. فالأحداث بدت وقد انطلقت من تونس وانتهت في سورية .. لكن المحطات التي توقف فيها الربيع جعلت رحلة القطار باتجاه المحطة السورية متأخرة بشكل كاف لاطلاق صفارات الانذار من وجود لصوص على متن القطار وان عملية خدعة كبرى وسطوا دوليا تتم عبر هذه الرحلات والمحطات المتتابعة ..فتنبهت روسيا والصين والأهم أن سورية تنبهت للعبة القذرة .والسؤال الجدي هو: لماذا لم يفكر أصحاب الربيع العربي بأن يبدأ العزف الثوري من سورية بدل تونس أو ليبيا قبل انكشاف أوراق اللعبة؟ 

هناك اجتماعات تجرى هذه الأيام في باريس وكان السؤال الرئيس فيها هو: ماهو حجم الخطأ في اتجاه الربيع العربي ورسم مساره من تونس الى سورية بدل العكس ..أي من سورية الى تونس؟؟ ان هذا الخطأ لايغتفر..لأنه الخطأ القاتل .. 

المدافعون عن اتجاه الربيع نحو سورية كمحطة نهائية قدموا مبرراتهم بأن المعارضة السورية كانت ضعيفة للغاية وأن التمرد على الدولة وهيبتها كان مستحيلا مالم يتقدم نموذج براق ناجح يعصف بالعقول والعواطف ويشحن الهمم لدى الاسلاميين السوريين وباقي قوى المعارضة على ضعفها .. الرغبة بالتمرد دوما في بلد سلطته المركزية قوية ومتماسكة مثل سورية تشبه البارود الرطب الذي لايحترق .. وهذه الدفعة من المشاعر والزخم في الربيع العربي المجاور هي كل ماكنا نحتاجه لنتابع اطلاق الثورة السورية ..مشاعر عبر الجزيرة التي بدت وكأنها تجفف البارود الرطب كما يجفف باللهب في الجوار .. ولذلك اختيرت سورية كمحطة نهاية حيث يجف البارود فيصبح قابلا للاشتعال والانفجار .. 

الغاضبون من هذا التفكير كانوا ساخطين ويلمحون الى أن قدرا كبيرا من السذاجة قد خرب قدرا كبيرا جدا من التخطيط والاعداد..خطأ بسيط في الحسابات تسبب في خراب عمل استغرق مالا ووقتا لايقدر بثمن ..بل وأحرق الكثير من الأوراق التي كان من الممكن استمرار استعمالها ..مثل الدور الناهض لقطر والاعلام الخليجي ورجال الدين المسلمين الذين تم تغليفهم وتعليبهم على مدى سنوات .. والذين صار الاسلام بهم مجرد معلبات ووجبات ماكدونالد كل مافيها قيم مستوردة .. 


حجة هؤلاء أن اقامة حكومات اسلامية أو عميلة من تركيا الى شمال افريقيا كان يجب أن تبدأ من سورية فلم يكن السوريون قد درسوا مايحدث حولهم بعمق ودقة وتنبهوا الى انقلاب قطري وتركي بدأ في غزو ليبيا ..أما مصر وتونس وليبيا فكان تغيير الحكم في هذه الدول سهلا في أي وقت لأن الغرب متواجد بكثافة في هذه الساحات بطبيعة العلاقات الخاصة مع قادة هذه الدول ومؤسساتها المخترقة من البرج الى الجذر.. علاوة على ذلك كان الروس سيؤخذون على حين غرة ولن يكونوا قادرين على سبر النوايا الا بعد ان درسوا الدرس الليبي الذي استغرق أشهرا .. والذي بدا أنه كشف اللعبة الغربية بحذافيرها .. ولو بدأ السيناريو بسورية ونجحت خطة المنطقة العازلة في درعا او ادلب لكانت عملية الربيع العربي قد تابعت دون عقبات نحو ليبيا في الوقت الذي سقطت فيه سورية أو صارت تحت وصاية مجلس الأمن بالمناطق العازلة ..وهي بداية النهاية لها مهما طال الزمن .. 

الفريق الاول يرى في هذا التفكير اغفالا لعامل مهم وهو ان القواعد التي أرسيت في شمال افريقيا كلها استعملت لأمداد المشروع السوري بالقوة عبر الموقف السياسي بما يحمله من ثقل جماهيري يغطي جانب مايسمى بالمؤامرة ..كما أن موارد بعض هذه الدول سيصب في خدمة المشروع ..فهناك مقاتلون واموال وتبرعات لصالح الثورة السورية تعطيها مشروعية كبرى وأخلاقية لم تكن لتحظى بها من غير هذا الزخم الشعبي القادم من شمال افريقيا .. 

الورطة التي تسبب بها التعثر في الوصول الى المحطة السورية بنجاح ليترجل رجال العصابات ويعلنون نهاية الرحلة ورطة كبيرة ..وهي أن بقاء سورية خارج الجناح الاسلامي (المعلب غربيا) سيعطي قوة ومددا للقوى اللااسلامية في شمال افريقيا والتي لاشك ستجد في الجذر السوري مددا لها وأملا في العودة والتمرد على الربيع العربي الذي بدا يفقد قدسيته في النفوس.. 

هذه قصاصة من النقاشات الدائرة الآن والتي تسببت بها سيمفونية الصواريخ السورية لأن العزف بالصواريخ غير العزف باليوتيوب طبعا .. وسيمفونيات الصواريخ أصدق انباء من عنتريات الجيش الحر .. سيمفونيات هذه الأيام الصاروخية أعظم من فالس الدانوب الأزرق ليوهان شتراوس وأجمل من كسارة البندق للروسي تشايكوفسكي .. وأجمل حتى من ضوء القمر لبيتهوفن .. وخاصة أن الكثير من الأهداف التي كانت بعيدة المنال صارت قريبة لنا مثلما كانت حيفا وما بعد بعد حيفا قريبة من صواريخ حسن نصرالله .. لقد جعلتنا الصواريخ أقرب الى كل المدن والأهداف ..بما فيها استانبول وتل أبيب والدوحة .. وتحديدا قصر حاكم الدوحة الذي لاأرى حرجا من التعبير عن تمنياتي بالعزف بالصواريخ على أوتاره .. وقد نقول مثلما قيل سابقا اننا سنصل الدوحة ومابعد بعد الدوحة .. حيث حمد النذل الذي قد يستيقظ يوما على معزوفة صاروخية في قصره المنيف .. وعندها لاينفعه دعاء قرضاوي ولا فلسفات عزمي بشارة .. ولاموز الدنيا كلها ..ولا كل قاعدة العيديد وسكانها .. لأننا سنعزف له معزوفة "كسارة البندق" السورية ..باسم "كسّارة الخائن"..

المصدر: سورية الآن
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 84 مشاهدة
نشرت فى 16 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,049