سعيد ياسين

مثلما لم يحصل المطرب الراحل محمد قنديل، الذي يعد صاحب مدرسة غنائية خاصة، وأحد أفضل الأصوات في العالم العربي، في حياته على حقه من الشهرة رغم الإشادات الكثيرة وشهادات التكريم التي نالها، لم يحصل على التكريم اللائق به بعد وفاته، حيث مرت ذكرى رحيله الثامنة من دون أي احتفاء به، سواء بعرض أغنياته، أو أفلامه التي شارك فيها بالتمثيل والغناء.

امتلك قنديل صوتاً قوياً وجميلاً ومميزاً لم يختلف عليه أحد، وأشاد به كبار الموسيقيين والشعراء، إضافة إلى زملائه الذين أثنوا عليه. وصنفه المتخصصون بأنه كان صاحب خصوصية في فنون الأداء، نتج عنها فرادته وتميزه بنكهة خاصة لا توجد عند غيره من الأصوات، حيث يُعرف من أول آهة أو علامة موسيقية تصدرها حنجرته، وأن صوته كان هو بصمة تعريفه للناس، إضافة إلى العلم الذي امتلكه وجعله مطرباً نادراً.

الأغنية الشعبية والموال

ولد قنديل محمد حسن الذي اشتهر لاحقاً باسم محمد قنديل في 11 مارس 1929 في حي شبرا بالقاهرة، لأسرة تعشق الموسيقى وتهوى الغناء، فجدته المطربة سيدة السويسية، وكان والده محمد حسن عازفا ماهرا بآلة القانون ومدرساً بمعهد الموسيقى، وابن عمته المطرب عبداللطيف عمر، وزوج عمته الملحن محمد عمر، في حين كانت والدته من المستمعين المميزين. وظهرت موهبته الغنائية في سن مبكرة، واشترك وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة في أغنية “القطن” مع أم كلثوم في فيلم “عايدة” عام 1942، والتحق بعد ذلك بمعهد الاتحاد القومي للموسيقى بعدما أوصى به محمد عبدالوهاب، وشارك في الغناء في ركن الإذاعة، ولحن له أستاذه الموسيقار علي فراج أغنية “يا ميت لطافة يا تمر حنة” وحققت نجاحاً كبيراً. وقدم العديد من البرامج الغنائية الإذاعية ومنها “سوق بلدنا” من كلمات صلاح جاهين وتلحين أحمد صدقي، و”تلاتة في المغارة” لإبراهيم رجب وأحمد صدقي، و”الصديق” من كلمات عبدالفتاح مصطفى وتلحين محمد فوزي، و”الرجل السعيد” لإبراهيم رجب وأحمد عبدالقادر.

كما قدم بعد ذلك عشرات الأعمال التي تراوحت بين الأغنية الشعبية والموال والدور والموشح والأغنية السينمائية والاغاني الوطنية والصور الغنائية ومنها “السوق “ و”العباسة” و”الموكب” و”الصديق” و”أم شناف” و”العين والعافية” و”المدمس”.

مع كبار الملحنين

وسارع كبار الملحنين في ذلك الوقت لتقديم ألحان له من دون انتظار المقابل المادي، حيث غنى لمحمود الشريف “تلات سلامات”، ولكمال الطويل “يا رايحين الغورية” و”يا غاليين عليَّ يا أهل إسكندرية”، ورياض السنباطي “اتحداك” و”دعاؤنا قسم”، ومحمد فوزي “عشان سواد العين” و”ياللي جمالك عجب” و”يا غزالة”، وأحمد صدقي “سماح” و”إن شاء الله ما أعدمك” و”رمش الغزال يانا”، وعبدالعظيم محمد “ماشي كلامك” و”خلينا ع البال”، وأحمد عبدالقادر “جميل وأسمر”، و”سحب رمشه” لعبدالعظيم عبدالحق. وغنى أيضاً لزكريا أحمد ومحمد الموجي وبليغ حمدي، ولحن لنفسه الكثير من الأغنيات منها “أبو سمرة السكرة”.

كما تعاون مع غالبية شعراء الأغنية الكبار من أمثال فؤاد حداد وأحمد رامي وصلاح جاهين وعبدالرحيم منصور وعبدالرحمن الأبنودي ومرسي جميل عزيز وعبدالوهاب محمد وصلاح فايز وعبدالفتاح مصطفى وبخيت بيومي.

أغنيات دينية

وقدم العديد من الأغنيات الدينية منها “ألفين صلاة ع النبي” من ألحان عبدالعظيم عبدالحق، و”عاشق جمالك يا نبي” و”بعودة يا رمضان” لرضا حمدي، وغنى لثورة يوليو “الراية المصرية” و”ع الدوار”، وغنى أثناء العدوان الثلاثي “يا ويل عدو الدار”، وللوحدة بين مصر وسوريا “وحدة ما يغلبها غلاب” عام 1958، وكان الشعب السوري يرقص على نغماتها، كما غنى للثورة الجزائرية “أخوانا في الجزائر محتاجين سلاح”.

وغنى في كثير من الأفلام مثل “العيش والملح” و”مليون جنيه” و”ارحم دموعي”، وظهر بصورته في فيلم “زنوبة” و”ابن ذوات” وغنى ديالوج مع شادية في فيلم “البطل” ورقصت ناهد صبري على غنائه في “فلاحة بلدنا” في فيلم “القاهرة في الليل” وشارك في بطولة فيلمي “شاطئ الأسرار” و”صراع في النيل” من إخراج عاطف سالم، وقام بالبطولة أمام حورية حسن في فيلم “صحتك” إخراج عباس كامل 1955، وشارك أيضاً في أفلام “عبيد المال” و”عرق جبيني” و”عزيزة” و”رجل في حياتي”، و”عندما نحب” عام 1967 وكان آخر أفلامه، وتوقف بعده فجأة عن المشاركة في السينما، وعلل توقفه بأن الغناء هو مهنته وأن التمثيل كان مجرد محطة عابرة في حياته.

صاحب أفضل صوت

وفي حديث إذاعي شهير أجري مع كوكب الشرق أم كلثوم عام 1965 سئلت عن صاحب أفضل صوت في الوطن العربي فقالت على الفور: إنه محمد قنديل، وبعد ذلك أكد محمد عبدالوهاب في حديث آخر أنها لم تقل غير الحقيقة، أما عبدالحليم حافظ فقال عنه إنه المطرب الوحيد الذي لا يخدع الأذن، لأن قدراته الغنائية تصل إلى ألف في المئة، وتتجاوز الستين مقاماً، في حين لا تتجاوز قدراتنا 20 مقاماً”، وقال عنه فريد الأطرش إن القرن العشرين لم يشهد مولد مطرب واحد بقوة صوته “لأنه ببساطة صاحب أقوى حنجرة صوتية وعلينا جميعا التكاتف للحفاظ عليه لأنه جوهرة يجب صيانتها”.

وتزوج قنديل مرتين الأولى من الفنانة رجاء صاحبة الملهى الليلي “كيت كات” بعدما اشترط عليها اعتزال العمل الفني وإغلاق ملهاها، والثانية من ربة منزل توفيت قبله بعدة سنوات، ولم ينجب من المرأتين.

وأصيب عام 1996 بجلطة في الشريان التاجي، وسافر الى الولايات المتحدة للعلاج وبعد عودته إلى مصر، كان يتنقل بين بيته ومستشفى الانجلو لوجود مياه على الرئة.

وشارك في إحياء الليلة المحمدية عام 1999 وفي نفس العام سجل للإذاعة قصيدة “النيل مهرجان”.

آخر أغنياته

قبل وفاة محمد قنديل بعام، وتحديداً في عام 2003 غنى آخر أغنياته، وكانت عبارة عن تيترات المقدمة والنهاية لمسلسل “الأصدقاء” لفاروق الفيشاوي وصلاح السعدني ومحمد وفيق وتأليف كرم النجار وإخراج اسماعيل عبدالحافظ، وكتب كلمات الأغنية سيد حجاب ولحنها ياسر عبدالرحمن، وحققت نجاحاً مدوياً وكان يرددها الجميع، وتحديداً مطلعها الذي كان يقول “أدي إيدي.. مد ايدك.. جرحي جرحك.. عيدي عيدك.. ود صافي نبع وافي.. شيء كأنه نيل موافي” وتوفي في التاسع من يونيو 2004 عن عمر يناهز 75 عاماً، ودفن في مدافن الأسرة في الإمام الشافعي.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 722 مشاهدة
نشرت فى 11 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,277,083