تتكاثر جميع الأسماك جنسيًّا. وفي التكاثر الجنسي يتحد حيوان منوي (نطفة) مع بيضة في عملية يطلق عليها الإخصاب أو التلقيح وتكوّن البيضة المخصبة فردًا جديدًا. وتُنتج الذكور المني، والإناث البيض في جميع أنواع الأسماك تقريبًا. وفي أنواع قليلة، ينتج الفرد نفسه المني والبيض جميعًا.
تجهز أنثى التروتة في منتصف الشكل الأعلى عشًا لبيضها وتستخدم لذلك ذيلها لتحفر عشها على القاع المغطى بالحصى ولا يساعد ذكر التروتة، على يسار الشكل، في تجهيز العش.
ويتم إخصاب بيض معظم الأسماك خارج جسم الأنثى، وتطلق الأنثى بيضها في الماء في الوقت نفسه الذي يطلق فيه الذكر المني. وتتّم عملية الإخصاب عندما يتلامس بعض المني ببعض البيض. ويطلق على هذه العملية الإخصاب الخارجي ويطلق على العملية كلها التي يتم خلالها إطلاق البيض والمني وإتمام إخصاب البيض عملية إطلاق الأمشاج وتتكاثر كل الأسماك العظمية تقريبا بهذه الطريقة.
وبعد تجهيز العشّ، يتحرك الذكر بمحاذاة الأنثى، وبينما تضع الأنثى بيضها يطلق الذكر المني الخاص به. ويتحد المني مع البيض داخل العش.
وتتكاثر القروش والشفنين والكمير وعدد قليل من الأسماك العظمية كالجبي وسمك البعوض بطرق مختلفة، فيتّم إخصاب بيض هذه الأسماك داخل جسم الأنثى وهي عملية تسمى الإخصاب الداخلي، وينبغي أن تتزاوج الذكور مع الإناث لإتمام عملية الإخصاب الداخلي. ويكون للذكور أعضاء معّينة لنقل المني إلى الأنثى. وبعد عملية الإخصاب، تُطلق أناث بعض الأسماك بيضها في الماء قبل الفقس. ويفقس بيض بعض الأسماك الأخرى داخل أجسامها، وبذلك تضع صغارًا. وتشمل الأسماك التي تحمل صغارًا حية أسماك القرش والشفنين والجبي وأسماك أبي منقار وعقرب البحر.
وبعد ذلك، تغطي الأنثى العش لتحميه، حيث تواجه تيار الماء برأسها وتهز ذيلها في الحصى فيحمل التيار الحصى المحرر ليعود ويغطّي العشّ.
ويناقش هذا الجزء عملية التزاوج (إطلاق البيض والمني) وهي الطريقة التي تتكاثر بها معظم الأسماك.
الاستعداد لإطلاق الأمشاج. لمعظم الأسماك موسم معين لوضع البيض كل عام يمكن خلاله أن تبيض الأسماك مرات عدة، ولكن بعض الأسماك الاستوائية تتكاثر طوال العام. وتبيض معظم الأسماك في الربيع أو الصيف المبكر، حينما يكون الماء دافئًا واليوم طويلاً. ومع ذلك، فقد تبيض أسماك المياه الباردة مثل تروْتّة الغدير في الخريف أو الشتاء.
صغير قرش الليمون يُولَد وهو متصل بالأنثى بوساطة الحبل السُرّي وقد يفقس بيض بعض أنواع أسماك القرش داخل جسم الأنثى ويضع بعضها الآخر البيض في الماء.
وتعود معظم الأسماك إلى منطقة التزاوج عامًا بعد عام. ويلزم الكثير من أسماك المياه العذبة قطع مسافات قصيرة للوصول إلى مناطق إطلاق أمشاجها. فقد يكون ذلك مجرد انتقال الأسماك من المياه العميقة لأحد الأنهار أو البحيرات إلى المياه الضحلة القريبة من الشاطئ ولكن قد تهاجر أنواع أخرى من السمك لمسافات طويلة جدًا لتبيض، فمثلاً، يقطع أنقليس المياه العذبة الأوروبية نحو 5,000 كم في المحيط ليصل إلى مناطق إطلاق أمشاجه في غربي المحيط.
الأسماك التي تحمل بيضها وصغارها في الفم (الأسماك الفموية) تحتفظ بالبيض داخل أفواهها حتى يفقس ويحمل هذا الذكر للسمكة ذات الفك ملء فمه من البيض وتحمل إناث بعض الأنواع وذكور أنواع أخرى البيض في أفواهها.
الأسماك التي تحمل بيضها وصغارها في الفم (الأسماك الفموية) تحتفظ بالبيض داخل أفواهها حتى يفقس ويحمل هذا الذكر للسمكة ذات الفك ملء فمه من البيض وتحمل إناث بعض الأنواع وذكور أنواع أخرى البيض في أفواهها.
ذكور وإناث بعض أنواع الأسماك في أزواج لتبيض في مناطق تزواجها، ولكن من بين الأنواع الأخرى تطلق الذكور والأناث أمشاجها في مجموعات. وتتعرف الذكور والأناث بعضها على بعض باختلاف في مظهرها، فإناث بعض الأنواع تكون أكبر من ذكورها. وتكتسب ذكور الأنواع الأخرى ألوانًا زاهية فريدة في موسم التزاوج. وخلال بقية العام، تشبه ذكور هذا النوع إلى حد كبير الإناث من النوع نفسه. وقد تبدو الذكور والإناث مختلفة جدًا أحيانًا حتى إن العلماء اعتقدوا لسنوات كثيرة أنّها تنتمي لأنواع مختلفة. ومن بين الأسماك الأخرى، تبدو الأجناس متشابهة تماما بحيث لا يمكن التمييز بينها إلا باختلاف سلوكها فقط. فمثلا، تتخذ بعض الذكور نمطًا خاصًا من التودد لجذب الإناث. فقد يسبح ذكر منهمكًا في الغزل حول الأنثى عدّة مرات، أو يؤدّي رقصة مثيرة ليجذب انتباهها.
ومن بين الأنواع، بما فيها سمك القدّ والسمك السيامي المقاتل وبعض أنواع القوبيون وأسماك أبو شوكة، يعلن أحد الذكور عن منطقة نفوذ لإطلاق الأمشاج ويقاتل أيّ ذكر دخيل آخر. ويبني الكثير من الأسماك، وبخاصة تلك التي تعيش في المياه العذبة، أعشاشًا لتضع فيها بيضها. فمثلاً، يستخدم ذكر القاروص زعنفته الذيلية لكي يجوف عشًا في قاع البحيرة أو النهر.
ذكر السمكة السيامية المقاتلة ينفخ فقاقيع يلتصق بعضها بالبيض ليكون عشا للبيض الذي تضعه الأنثى، وبعد ذلك يجمع البيض في فمه ثم ينفخه داخل العش.
إطلاق الأمشاج والعناية بالبيض. بعد إتمام الاستعدادات كلها تتلامس الذكور والإناث بطريقة خاصة أو تؤدي بعض الحركات بزعانفها أو أجسامها، وقد تضع الأنثى عددًا قليلاً أو كثيرًا من البيض -أحيانًا الملايين من البيض ـ وهذا يتوقّف على النوع خلال موسم التزاوج. ويبلغ قطر بيض معظم الأسماك نحو 3 ملم أو أقل.
وقد تترك بعض الأسماك مثل سمك القد والرنجة بيضها بعد عملية إطلاق الأمشاج، وقد تضع أنثى سمك القد عددًا كبيرًا قد يصل إلى تسعة ملايين بيضة خلال موسم إطلاق أمشاج واحد. وبيض القد كبيض الكثير من الأسماك البحرية الأخرى يطفو فوق سطح الماء أو ينتشر بمجّرد وضعه، وقد تأكل المفترسات الكثير من البيض وقد ينجرف بيض آخر إلى مياه ذات برودة شديدة لا تناسب الفقس، ولا ينمو من بين ملايين البيض لسمك القد، سوى عدد قليل ليصل إلى الطور اليافع. وتضع أنثى سمك الرنجة نحو 50,000 بيضة في الموسم الواحد، ولكن بيض الرنجة وأسماك بحرية معينة أخرى يغوص نحو القاع وله غطاء لزج يساعده على الالتصاق هناك. ونتيجة لذلك يفقس بيض الرنجة بنجاح على الأرجح.
وتبيض أسماك البترلنج بطريقة فريدة، إذ تستخدم الأنثى أنبوبة طويلة تسمى حاملة البيض (عضو وضع البيض الخاص بها) لتضع بيضها داخل بلح البحر أو في محار آخر. ويمتص المحار نطاف الذكر ويحدث الإخصاب داخل المحار.
ويقوم عدد من الأسماك بحماية بيضه. ومثال ذلك أسماك المياه العذبة التي تبني أعشاشها، مثل سمك القاروص وسمك السالمون وبعض أنواع معينة من سمك أبي شوكة والتروتة. وتضع أناث هذه الأنواع عددًا أقل بكثير مما تضعه مجموعات سمك القد والرنجة. ومثل بيض الرنجة يغوص بيض الكثير من أسماك المياه العذبة التي تبني أعشاشًا وتكون مغطاة بغطاء لزج، ولكن لديها فرصة أفضل للبقاء حيث إنها تحصل على بعض الحماية.
وتتغير كمية ونوعية الحماية؛ فتغطي أسماك السالمون والتروتة بيضها المخصب بالحصى، ولكنها سريعًا ما تترك العش بعد ذلك. ويقوم ذكر القوبيون الشائع بحماية البيض حتى يفقس. ومن بين الأسماك البحرية، تضع إناث فرس البحر والسمك الأنبوبي بيضها في كيس على السطح البطني للذكر ويفقس البيض داخل كيس الذكر. وتحمل بعض الأسماك، بما فيها بعض أسماك السلور البحرية وسمكة ديك البحر، بيضها في الفم طوال فترة الفقس. ويحمل الذكر البيض في بعض أنواع الأسماك وقد تحمله الأنثى في أنواع أخرى.
الفقس والعناية بالصغار. يفقس بيض معظم أنواع الأسماك في أقل من شهرين ويفقس البيض الذي وُضع في مياه دافئة أسرع من ذلك الذي وضع في مياه باردة. ويفقس بيض الأسماك الاستوائية في أقل من 24 ساعة. ويلزم بيض بعض الأنواع من أسماك المياه الباردة أربعة أو خمسة شهور ليفقس. وتقوم ذكور أنواع قليلة من الأسماك بحماية صغارها لفترة قصيرة بعد الفقس. وتشمل هذه الأسماك سمك القاروس كبير الفم. والبوفن وقد الأنهار البُنِّي والسمك السيامي المقاتل وبعض أسماك أبي شوكة. ولكن لا توفر معظم الأسماك الحماية لنسلها.
ساحة النقاش