د/ حسام حسن عباس

أستاذ مساعد قسم بحوث الأحياء المائية

       المركز القومي للبحوث

تعتبر إستاكوزا المياه العذبة من نوع بروكمبارس كلاركى أكثر أنواع عائلة كامباريدي إنتشاراً بصورة عامة وتمثل حوالي 90% من حجم المحصول السنوي لهذا النوع من القشريات في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وقد ظهر هذا النوع مؤخراً بكثافة غير عادية في مياه النيل بمصر وإنتشر إنتشاراً سريعا في معظم محافظات الجيزة و من الولايات المتحدة الأمريكية القاهرة والدلتا والشرقية وجميع محافظات الوجة البحري، وإجتاح جميع القنوات والفروع الرئيسية من النيل والبحيرات الصغيرة ومزارع الأسماك، بالاضافة إلي الشواطئ الطينية وجميع الراضي الزراعية المطلة علي هذه الفروع.

ولكن ما كان محيراً هو متي وأين بدأ غزو هذا الحيوان القشرى مياه النيل. وكان الأمر المحتمل هو أن هذا المقاتل العنيد قد دخل مياهنا من جهة الجنوب حيث ان وجوده في مياه السودان كان معروفاً للعلماء منذ زمن إضافةً إلي عديد من بلاد حوض النيل في وسط أفريقيا. ورغم ذلك لم يوجد لهذا النوع أثراً في مياه النيل في مصر العليا ( جنوب الجيزة). وقد توصل العديد من الباحثين المصريين إلي أن نقطة البداية لإنتشار هذا النوع هي عدة مئات من أفراده تم إستيرادها أوائل الثمانينات من الولايات المتحدة الأمريكية لإستزراعها في أحد المزارع السمكية في منطقة منيل شيحا بمحافظة الجيزة. ورغم أن هذا المشروع قد توقف بعد قليل إلا أن القدرات البيولوجية غير العادية لهذا الحيوان القشرى قد أتاحت له بل ومكنته من أن يستقر وينتشر خلال السنوات الأخيرة في البيئة المائية المصرية. ومن محافظة الجيزة تسلل إلي معظم المحافظات الشمالية مروراً بمحافظة القاهرة.

ويمثل بروكمبارس كلاركي أحد مصادر الغذاء الهامة لإحتوائه علي نسبة عالية من البروتين ويبلغ وزن عضلات البطن 10-40% من وزن الجسم إعتماداً علي حجمة ودرجة نضجه. وإضافة إلي ذلك فهو يستخدم كطعم في صيد الأسماك وكنموذج لتشريح المفصليات في مختبرات الجامعات.

ومن ناحية أخري فقد سبب هذا النوع مصاعب لعمليات الصيد، فهو يهاجم الأسماك الصغيرة والكبيرة خصوصا البلطي، مفترساً إياها بما قد يشكل تأثيراً سلبياً علي المحصول السنوي من هذه الأسماك، إضافة إلي تمزيق الشباك المستخدمة في الصيد وتلك التي كانت تستخدم في إستزراع الأسماك بنظام الأقفاص.

ومما سبق تكمن أهمية الدراسات البيولوجية لهذا الحيوان الطارئ حديثاً علي بيئتنا ودراسة ما يتعلق ببيئته وتوزيعه وسلوكه وغذائه وتأثير هذه البيئة الجديدة علي صفاته الخارجية وقياساته وقدرته التكاثرية وتكوينه من البيضة حتي مراحل النضوج، حتي يتسني لنا معرفة كيف تتم مواجهته أو إستغلاله.

ويعيش هذا الحيوان في حفر يحفرها بنفسه يلجأ إليها هرباً من أعدائه أو أثناء البيات الشتوي. كما تلوذ بها الأنثي أثناء وضع البيض. وهو عادة يكمن خلال النهار ثم يخرج ليلاً بحثاً إما عن الطعام أو للتزاوج.

ويمكن التعرف علي النشاطات المختلفة لهذا الحيوان من مشى وعوم وتسلق وحفر والقدرة علي تجديد ما يفقد من أطرافه خلال عراكه مع أقرانه أو أعدائه، ومواقفه الدفاعية والهجومية وأحياناً العدوانية علي غيرة من القشريات أو الأسماك ولجوئه إلي إغتيال أفراد جنسه في حالة الجوع عند عدم توافر الغذاء.

وقد وجد أن الإستاكوزا النيلية حيوان شرة يلتهم كل شئ بنهم وبغير تمييز لنوع الغذاء ويتكون غذاؤه أساساً من النباتات المتحللة المختلطة بالطحالب والفطريات والأوليات، إضافة إلي النباتات الحية والحبوب كالأيلوديا والخس وجريش الذرة التي يتغذي عليها في المعامل. وقد وجد أيضاً أن الأسماك الصغيرة ودود الأرض تمثل أهمية يعتد بها في غذائه. ويبين الفحص الخارجي للحيوان أن لون الحيوان يتغير بالسن فيكون بنياً مخضراً أو أخضراً في الصغار، بينما يتراوح لون الحيوان الناضج بين البني المحمر والأحمر أو الأسود. وقد وجد أن أكبر حجم وصل إليه الذكر والأنثي هو 13سم بالنسبة للطول و81 جم بالنسبة لوزن الذكر، 57 جم بالنسبة لوزن الأنثي، وقد وجد أن إختلاف الأوزان بين الذكر والأنثي يرجع أساساً لزيادة حجم الكابلات في الطرف الأمامي للذكر في الأنثي .

يتميز الذكر بكلاباته الكبيرة والزوائد التناسلية علي البطن والأشواك الخطافية علي الزوجين الثالث والرابع من أرجل المشي، كما تقع الفتحة التناسلية علي القدم الأولية للزوج الأخير من أرجل المشي. ويميز الأنثي مستقبل منوي يقع بين قواعد الزوجين الأخريين من أرجل المشي وتقع الفتحة التناسلية علي القدم الأولية للزوج الثالث من أرجل المشي.تتراوح الأستاكوزا النيلية في المياه المفتوحة في كل الشهور خصوصا شهر مايو حيث تختزن الأنثي الحيوانات المنوية في المستقبل المنوي لمدة طويلة تصل إلي ثمانية أشهر حتي يحين موسم التبويض.

ويبدأ وضع البيض بكثافة عالية في أخر شهر سبتمبر أو أوائل شهر أكتوبر ولكنة يمتد حتي أبريل وتضع الأنثي حوالي 300 بيضة ويزداد هذا العدد أو يقل متراوحاً بين 100-700 بيضة إعتماداً علي حجم الأنثي. وبعد إخصاب البيض تحمل الأم البيض المخصب الأسود في كيس علي بطنها حتي الفقس. وتستغرق عملية القفس حوالي 20 دقيقة. وتتضمن دورة الحياة سبعة أطوار للصغار ويظل الصغير مرتبطاً بالأم بواسطة خيط دبري إضافة إلي كلاباته خلال الطور الأول والثاني وحتي جزء من الطور الثالث، ثم يأخذ الصغار في الإستقلال عن الأم والإعتماد علي جهدها.

ويعتبرالطور الثالث هو أول أطوار الغذاء والتي تبدأ أفراده بتناول الغذاء بشكل حقيقي. وفي الطور الرابع يظهر الزوج الأول من أرجل السباحة في كلا الجنسين كحلمات صغيرة جداً علي العلقة البطنية الأولي. ويبدأ التميز الجنسي في الطور الخامس، وفي الطور السادس ينمو الزوج الأول من أرجل السباحة في الذكر كزوائد صغيرة مع تحور محدود في الزوج الثاني. وعندما يبلغ الصغير طواره  السابع يظهر أول زوجان من أرجل السباحة كأرجل تناسلية. بعد الطور السابع يأخذ الحيوان في النمو حتي يقترب الذكر من مرحلة النضج وعندها يصل طولة إلي 50 مم وفي هذا الطور تظهر بوضوح الأشواك الخطافية علي العقل القاعدية للزوجين الثالث والرابع من أرجل المشي كما تتخذ الأرجل التناسلية شكلها النهائي. وفي البيئة الطبيعية في مياه النيل تمتد فترة التكوين (من بداية وضع البيض حتي النضج) من 3 إلي 6 شهور إعتماداً علي درجة الحرارة والغذاء وكمية الأكسجين المتوفرة في الماء في الأماكن المختلفة وهم من العناصر الهامة جداً لإتمام عملية التكاثر في إستاكوزا الماء العذب.

ومما سبق نجد أن هذا الحيوان القشري له قدرة غير عادية علي تحمل الظروف البيئية المتغيرة ولة قدرة مذهلة علي الإنتشار السريع، لذا فإنه قام بغزو كل مياه النيل المصرية، بما فيها مياه مصر العليا.

وأن أهميته الإقتصادية كمصدررخيص للبروتين الحيواني للإنسان ودوره في التحكم البيولوجي لقواقع البلهارسيا والأعشاب المائية وطبيعته الغذائية التي تلعب دوراً كبيراً في تحسين جودة المياه وسرعة تكاثره وإمكانية إستغلال مخلفات إستاكوزا الماء العذب بعد تجفيفها وطحنها في إنتاج علائق الأسماك والدواجن كقيمة مضافة لتعظيم الإستفادة منها وعدم قدرتنا علي التخلص من هذا الحيوان الغازي. لذا يمكن ترشيحه لأن يكون من أهم الأنواع التي يمكن إستزراعها في مصر مع دراسة أساليب وتكنولوجيا الصيد الخاصة به وعمل نشرات إرشادية مبسطة لتعريف الناس بها وكيفية تناولة وأهميتها الغذائية وفتح أسواق جديدة لها.

وفي النهاية يجب أن توضع قواعد وقوانين وتشريعات شديدة لمنع دخول أي كائن حي من أي دولة إلا بعد أن يخضع هذا الكائن لدراسات عديدة بيئية وبيولوجية وغيرها مثلما يحدث في كل الدول المتقدمة ومعرفة ما قد يسببه وجود هذا الكائن في بيئتنا وثرواتنا الطبيعية.

إعداد/ مني محمود


المصدر: مجلة عالم أسماك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العدد 11
allfish

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

allfish
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,432,885