"لا تهرب.. فلتكن لديك الشجاعة للتحديق في نفسك".. هل أقدمت يوماً على الاستقالة؟ الاستقالة من منصب يقيدك، ينغصّ عليك، من وظيفة لا تحقق طموحك.. لا تشعر فيها بذاتك، الاستقالة من علاقة مجهِدة مع شريك يسمم حياتك، من صداقات تثبطك عن متابعة آمالك، تسفه قدراتك وإمكاناتك.

الاستقالة من مدينتك لمطاردة أحلامك؛ لتحقق أقصى تطلعاتك، الاستقالة من التخبط والتشتت والكسل وتأجيلات تبدد بها عمرك وتحطم بها همتك، من أوهام لا تفضي إلى شيء، من إحساس بالعجز في مواجهة مخاوف وعقبات تقف بينك وبين سعادتك، من قيود وأصفاد ما زالت إلى الآن تقيد بها نفسك وتخنق بها روحك.

أنت فعلاً تريد الاستقالة، تنشد التغيير ولكنك لا تستطيع.. لا تستطيع الخلاص من ارتباط بمدار حياة أنت رسمته لنفسك متوهماً أن هذا أفضل ما تستطيع وأقصى ما تملك، أو لعلك مرتبط بمدار حياة أحدهم؛ يختار لك فيه دوراً صغيراً، مجرد ترس في منظومته يدور بكل قوته رغماً عنه ليتحطم ويُستبدل.

ولأنك غير قابل للتطور، غير قادر على اكتشاف الفكرة، فقد شربت ما قدمه لك أحدهم جاهزاً ونهائياً.

ولكن لطالما سمعت الصوت الذي يهمس بداخلك -(أنا لست سعيداً، لكم أتمنى أن تتحسن حياتي عما هي عليه)- حياتك لن تتحسن بمفردها، أنت لا تهرب من شيء قدر هروبك من نفسك، أنت مريض، قد لا يكون ذنبك ولكن عليك تقع مسؤولية التحرر من مرضك.

أنت عاجز عن انتزاع ما هو حق لك في هذه الحياة، تنتظر شيئاً ليحيل حياتك إلى مغامرة؟ لا تنتظر.. الأمور في هذا العالم لا تحدث ما لم يُحدثها أحد، وما دمت أنت نفسك فقد وقع عليك مسؤولية تغيير حياتك والأخذ بزمام عالمك.

الاستقالة ليست كلمة سيئة كما تبدو أو فعلاً خارجاً عن نطاق المألوف، الاستقالة من الجهة الأخرى حياة جديدة، فتح باب كبير للفرص والتجارب الحياتية المختلفة، الوقوف على حقيقة نفسك.. إمكاناتك وماهية الشيء الذي وُجد لك لتفعله في الحياة، التعرف على هذا المجهول الذي يحمل بين طياته المغامرة والإثارة، يحمل أحلاماً جديدة.

شيئان عن طريقهما ستتغير حياتك:
الشيء الأول: أن يفاجئك شيء غير متوقع، أن تحصل على فرصة جديدة، هدف ملهم يظهر أمامك، شخص جديد يدخل حياتك، أن تهبط عليك ثروة من السماء.. كل هذه عوامل خارجية قد تأتي وقد لا تأتي، انتظارها لا يجدي نفعاً ويهدر وقتاً ويدعك عاجز الهمة خائر القوى.

والشيء الثاني: شيء جديد ينبع من داخلك، من صميم روحك؛ شجاعة جديدة، حماسة متقدة، نهج جديد، رؤية مختلفة، إيمان بنفسك وبقدراتك، إرادة قوية، رغبة في أن تذهب إلى أبعد مما وصلت إليه.. وهذه الأشياء مسؤولية حدوثها تقع على عاتقك، وتعتمد على تفكيرك، وحجم خيالك، ومستوى التزامك.

إن الإنسان يكره التغيير بفطرته، ومن أرسخ عقائده التشبث بالقديم، فتجده نادراً ما يغادر بيته القديم حتى يتداعى فوق رأسه، فإذا بحثنا وجدنا للنكوص أسباباً ولإرادة التغيير معوقات، نذكر منها أشدها وأشيعها، ومنها:

1- "التأجيل"
حسناً سأفعل، سأتغير يوماً ما، هذه خدعة الوقت المناسب، سأفعل غداً، سأبدأ من الأسبوع القادم، من الشهر المقبل، سأتغير في غضون الثلاث سنوات المقبلة.

لا يوجد، ولن يكون هناك يوم تنهض فيه من فراشك قائلاً إن هذا هو أفضل الأيام لبدء التغيير.. لتقديم الاستقالة، غالباً ستموت وما زال لديك مهامّ لم تكملها، أعمال لم تنجزها، مقابلات لم تحضرها، رسائل لم ترد عليها، أنت لا تملك غير اللحظة التي تعيشها الآن، لا تتصرف كما لو كنت ستعيش ألف سنة، الحياة قصيرة وغير متوقعة.

2- "لكن"
نعم سأتغير.. ولكن، هذه الكلمة الصغيرة تفتح لك آفاقاً من التبريرات كي لا تقم بأي فعل، تجعلك تلقي باللوم على أسباب خارجة عن إرادتك، تحاول أن تقنع نفسك ومن حولك بأنك لطالما حاولت وبذلت أقصى ما بوسعك، ولكن يبدو أن الحياة تناصبك العداء، "لكن" تبقيك في الركن المظلم مقيداً، تحجزك خلف مخاوفك، لتقف وتستكين.

ولكي تتخلص من المعوقات التي لطالما استنزفت عمرك، ليكن لديك رؤية واضحة لما ستفعله.
حدّد ما هو أصعب شيء سيحدث لك لو تحركت الآن في اتجاه أحلامك؟

ودعني أسألك: إذا لم تعش حياتك كما هو مقدَّر لك.. فما البديل؟
البديل هو أنك ستعيش حياة ليست لك، متظاهراً بأنك حي، ستعيش تعيساً بائساً، وستفقد ذاتك، وسنفقد كلنا عبقريتك المتمثلة في تفرُّدك بالقيام بالدور الذي لم تقم به.

أؤمن بأن كلاً منا أتى إلى هذه الحياة ليقدم شيئاً فريداً، لن يستطيع غيرك عمل ما هو مقدر لك أنت لتعمله، لن يؤلف أحد الكتاب الذي تودّ تأليفه، لن يكمل أحد الدراسة المفترض أن تكملها، لن يُكوّن أحدٌ الأسرة التي ستُكوّنها، لن يبني أحد مصنعك.

"فإذا لم نفعل ما نحن أهلٌ لنفعله، وإذا لم نكن نسهم بنصيبنا في حركة تقدم العالم، باذلين ما نحن جديرون ببذله حقاً، فسوف نسمع صوت التعاسة يرن في أعماق أنفسنا، وسوف يعلو هذا الصوت مع الزمن حتى لا يعود في الوسع تجاهله" (دوروثي براند).

ولن أخدعك قائلاً إن التغيير سهل...
الحياة صعبة شاقة، وتزداد المشاقّ كلما قارب الإنسان مقصده الذي يسعى إليه.. نعم، التغيير صعب، ولكنه مع هذا مثير، وهذا الشغف وهذه السعادة لا ينموان إلا في رحم الصعوبات، وبوجود غاية نسعى إليها تشتعل حماستنا، ويزدهر نشاطنا؛ إذ إن بداخل كل منا ذخائر من الطاقة لا يمكن أن تثيرها حياة هادئة رتيبة وإنما توقظها حياة متدفقة مثيرة.

فها هنا في معمعة الحياة ندرك فعلاً أننا نعيش، وأننا خُلقنا للنضال، فينبغي أن نسهم في الحياة بما هو لنا فنطبعها بطابعنا، وبذلك يغدو كل منا بطلاً.
وكلما كانت المعركة أصعب كان النصر أحلى.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 262 مشاهدة
نشرت فى 6 مايو 2017 بواسطة aliabdelmotaleb

على محمد على

aliabdelmotaleb
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

868