القبض علي قاتل القمح


3/24/2009 12:24:31 AM

اضغط للتكبير

 

ارسال حفظ طبع

دكتور قاسم ذكي:

 

نجح مجموعة من العلماء -ينتمون لجهات دولية عديدة- في مهمتهم لإنقاذ قمح العالم من أشرس عدو تعرض له خلال الأعوام الماضية، حيث استطاع الباحثون التوصل لأصناف مقاومة لمرض خطير يطلق علية "قاتل القمح"، وهو سلالة شرسة من مرض صدأ الساق الأسود، والتي بدأت غزوها للحقول في أوغندا ثم انتقلت لبقية دول شرق إفريقيا، ثم ظهرت فجأة في إيران، مصيبة العلماء بالذعر ومقلقة للمنظمات العالمية ودول العالم قاطبة، بسب شراسة تلك السلالة والتي لم يقف في طريقها أي من أصناف القمح العالمية.

وأعلن عالم القمح الأول في العالم، وأبو الثورة الخضراء د. نورمان بورلاج  مساء أمس 17مارس 2007، عن نجاح فريق متعدد الجنسيات من العلماء في استنباط أصناف جديدة من الأقماح، تقاوم السلالة الشرسة لمرض صدأ الساق الأسود، إضافة إلى تميزها بإنتاجية عالية، وذلك في مؤتمر علمي عالمي جمع كبار المهتمين بزراعة وإنتاج القمح في العالم من أكثر من 40 دولة بالمكسيك.

واشترك في هذه الأبحاث عديد من الجهات الدولية منها المركز الدولي لتحسين القمح والذرة (CIMMYT) بالمكسيك، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA) بسوريا، وجامعة كورنيل الأمريكية، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، والمركز الاستشاري الهندي للبحوث الزراعية (ICAR)، والفريق الاستشاري للبحوث الزراعية الدولية (CGIAR)، وغيرها الكثير، وقد كان نصيب النجاح في استنباط تلك الأصناف لكل من CIMMYT, ICARDA والمعهد الكيني للأبحاث الزراعية (KARI)، والمعهد الإثيوبي للأبحاث الزراعية (EIAR).

"قام علماؤنا بإنجاز رائع وسريع، لكن يجب ألا تقودنا الأوهام، فوقوع أزمة غذاء عالمية لا يزال احتمالا واردا لو فشلت الحكومات والجهات الدولية في دعم مهمة الإنقاذ".. هكذا عبر بورلاج عن مخاوفه من التهاون في تنفيذ ما أسماه "بمهمة إنقاذ" محاصيل القمح، حيث يرى أنه رغم ضآلة الموارد الحالية فلا تستطيع الحكومات المخاطرة بمحصول يمنح شعوب العالم 20% من احتياجاتها الغذائية من السعرات الحرارية.

أصيب العالم نورمان بورلاج الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1970 خلال زيارته لكينيا عام 2004 بصدمة شديدة حين شاهد أكثر من 90% من أصناف القمح العالمية متضررة بشدة أثناء اختبارها لمقاومة السلالة القاتلة، ولا تستطيع الصمود، لذا أطلق مبادرة لإنتاج أصناف جديدة تقاوم هذا المرض القاتل.

وأحزنه أيضا أنه رأى الأصناف عالية الإنتاج التي استنبطها وفريقه بالمكسيك، وحققت نجاحا باهرا في مطلع الستينيات فيما يعرف بالثورة الخضراء، مستسلمة وواهنة ومريضة أمام تلك السلالة القاتلة من الصدأ، ومن هنا جاءت الطامة الكبرى والخوف من انتشار السلالة في بقاع كبيرة من العالم محدثة كارثة للأمن الغذائي.

آتت مبادرة بورلاج العالمية لمقاومة صدأ القمح أكلها، فها هي مراكز البحوث العالمية وعلماؤها الذين يمثلون 40 دولة يلتقون في المكسيك، بناء على دعوته.

وقد أعلن الدكتور رافي سينج (Ravi Singh) وهو المتخصص في وراثة وأمراض القمح بمركز (CIMMYT) والمعد الرئيسي للدراسة أن التوصل وبشكل سريع لأصناف القمح شديدة المقاومة لسلالة صدأ القمح الأسود الشرسة Ug99 كان عبر برنامج تربية دولي مكثف أسماه "برنامج التربية المكوكي".

حيث تم إنتاج تلك الأصناف في كل من المكسيك وسوريا، وتم الاختبار المبدئي لها في حقول المكسيك، وكذا في سوريا، ثم تم إرسالها لاختبار ميداني في كينيا وإثيوبيا، حيث تم تعريضها لسلالة Ug99في ظروف حقيقة، ثم أعيدت إلى المكسيك وسوريا لمزيد من الصقل، ثم عادت إلى كينيا وإثيوبيا لتتعرض أكثر فأكثر لظروف العدوى الحقيقة.

من خلال هذا النهج، الذي وصفه العلماء بأنه تطبيقات "مكوكية بين القارات"، أنتجت أصناف جديدة عالية الغلة من القمح وتحتوي على "عدة جينات بسيطة لمقاومة المرض " “multiple minor genes”.

ويعتقد أن هذه الطريقة تلزم الفطر للتغلب على مجموعة كبيرة من الحواجز الوراثية الجديدة لكسر المقاومة، مما يوفر أصنافا مقاومة من القمح ذات حماية طويلة الأمد ضد إمكانية حدوث طفرات جديدة في الفطر المسبب لمرض الصدأ في المستقبل.

 

ويتعرض القمح للعديد من الأمراض والآفات، يقف على رأسها الإصابة بفطريات الصدأ المختلفة، لذا كان دوما هدف مربي النبات وقايتها من أمراض الأصداء، وعليه توجد عديد من الأصناف العالمية والمنتشرة زراعتها على المستوى الدولي، مقاومة لتلك الأمراض وسلالاتها المرضية المختلفة، والتي غالبا تنتج كل فترة سلالة جديدة تسبب هذا المرض، وبالتالي يلهث العلماء لإنتاج أصناف مقاومة لها، فهو نوع من صراع الخير والشر.

وما حدث في أوغندا عام 1999م كان سابقة خطيرة لسلالة شرسة وقاتلة، صعب على كل أصناف القمح الموجودة على سطح البرية تحمل ضراوتها، وأطلقت عليها منظمة الأغذية والزراعة "قاتل القمح" فهي سلالة شرسة تسبب مرض ساق القمح الأسود.

مرض صدأ الساق الأسود في القمح Black Stem Rust مرض فطري يسببه فطر بكسينيا جرامينس تريتساى Puccinia graminis f. sp. Tritici، ويصيب هذا المرض أصنافا عديدة من الأقماح في جميع أنحاء العالم وللفطر سلالات عديدة.

وقد أقرت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) عام 2007م أن مرض صدأ الساق الأسود في القمح خطر على الأمن الغذائي العالمي، فهو واحد من أخطر الأمراض التي تصيب القمح، ويسبب خسائر جسيمة للمحصول، حيث يؤدى أحيانا لتدميره تماما.

الكائن المسبب لهذا المرض هو عبارة عن "فطر" له خيوط وجراثيم عديدة، يتكاثر بصورة مذهلة وينتشر بالرياح عبر قارات العالم، وتظهر الإصابة على كل الأجزاء الخضرية من النبات (أوراق – أغماد – سنابل – قنابع – السفا)، ويأتي معظم الضرر نتيجة إصابة الساق ولذلك يسمى بصدأ الساق.

وتظهر الإصابة على شكل بثرات مسحوقيه مرتفعة قليلا عن سطح الورقة تترك أثرا في اليد عند ملامستها على هيئة مسحوق بني داكن أو أسود -والبثرات ليس لها شكل منتظم أي مبعثرة- تلتحم مع بعضها.

الرطوبة العالية وتواجد طبقة خفيفة من الماء الحر على سطح النبات تعد الظروف الجوية المناسبة لحدوث العدوى وتطور الإصابة بصفة عامة، حيث تساعد تلك الظروف على إنبات الجرثومة ودخول أنبوبة العدوى في النسيج النباتي، ويساعد على تهييء تلك الظروف وجود الشبورة أو نزول الندى أثناء الليل وفى الصباح الباكر، كما يناسبه أيضا درجة الحرارة من 25 إلى 35 درجة مئوية ± 2 درجة مئوية.

ومما يذكر أنه قد أطلق على السلالة الفتاكة للفطريات القمحية الجديدة من مرض صدأ ساق القمح اسم 99UG بعد أن تم اكتشافها في أوغندا في العام 1999 حيث انتشر المرض من شرق القارة الإفريقية (أوغندا وكينيا وإثيوبيا) ثم انتقل إلى اليمن والسودان وفي أواخر العام 2007 إلى إيران، وذكرت منظمة FAO أن البلدان الواقعة شرق إيران مثل أفغانستان والهند وباكستان وتركمانستان وأوزوبكستان وكازاخستان وجميعها من المنتجين الرئيسيين للقمح في العالم تتعرض إلى أشد تهديدات فطر هذا المرض.

علما بأنه لا يوجد في الوقت الحاضر ما يدل على انتشار هذه الفطريات في أي بلد آخر، غير أن دراسة ميدانية تمت عام 2007، مولتها جامعة كورنيل بالولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت أن مثل هذا المرض لا يوجد في الهند وباكستان ومصر والصين حاليا، بينما كانت حقول المزارعين في إثيوبيا وكينيا قد تعرضت لوباء صدأ القمح الخطير عام 2007 مما خلف سلسلة من الخسائر الجسيمة في حجم الإنتاج، لذا ذكرت منظمة الـ FAO التابعة للأمم المتحدة أن إفريقيا عرضة للإصابة بهذا المرض الذي يسببه الفطر، خاصة أن بقايا صدأ القمح تحملها الرياح في الغالب لمسافات طويلة أو عبر القارات.

ويقدر أن أكثر من 80% من جميع أصناف القمح المزروعة في آسيا وإفريقيا هي عرضة للإصابة بالسلالة الجديدة من المرض المذكور، وفي الغالب تنقل الرياح جراثيم (أبواغ) صدأ القمح عبر مسافات طويلة أو عبر القارات وهذه السلالة الشرسة باستطاعتها أن تحدث أضرارا جسيمة بمحصول القمح وتشكل تهديدا خطيرا للأمن الغذائي العالمي.

ويبلغ إنتاج العالم من القمح 626 مليون طن، وتتصدر قائمة المنتجين كل من: الصين والهند وأمريكا وروسيا وفرنسا وكندا وأستراليا وألمانيا وباكستان وتركيا، وفي عالمنا العربي تأتي مصر كأكبر دولة مستوردة للقمح، فهي تنتج قرابة 7 ملايين طن وهذا يكفي بالكاد نصف استهلاكها والذي تعوضه بالاستيراد من الخارج والذي يشكل أكبر مشكلة في الاقتصاد المصري.

ويمثل القمح نسبة عالية في التجارة الدولية، وغالبا ما يستعمل وسيلة ضغط على الدول المستوردة لتتبنى مواقف سياسية معينة.

 

 

الدكنور قاسم ذكي أحمد -أستاذ الوراثة جامعة المنيا- رئيس الجمعية الافريقية للمحاصيل الزراعية- عضو رابطة الاعلاميين العرب.

المصدر: بقلم الأستاذ الدكتور / قاسم زكي أحمد حامد & (أستاذ و رئيس قسم الوراثة و مدير مركز الهندسة الوراثية و التكنولوجيا الحيوية - كلية الزراعة - جامعة المنيا- المنيا- مصر، و الرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية و عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين،) • مواليد 8 أغسطس 1958 بمحافظة أسوان
aliabdallah77

الحمـدلله

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 619 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2011 بواسطة aliabdallah77
aliabdallah77
إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر فلا ينجو إلا من تعلم السباحة فالله لا يحابي الجهلاء فالمسلم الجاهل سيغرق والكافر المتعلم سينجو »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

629,605

لا تنسى ذكر الله

اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ