المتحف الإسلامي في القاهرة.. يستعيد بريقه في مئويته الثانية
أنشأه الخديوي عباس حلمي الثاني ويضم 80 ألف قطعة أثرية نادرة
|
مائة عام من الفن والتاريخ عاشها المتحف الإسلامي بمنطقة باب الخلق بالقاهرة، مواجها تقلبات الزمن، وراويا ببراعة مسيرة الحضارة الإسلامية عبر مختلف عصورها، وهو ما تعكسه مقتنيات المتحف في ثوبه الجديد الذي سيتم الاحتفال بافتتاحه بالتزامن مع الاحتفال بمئويته في منتصف العام الجاري.
يعد المتحف الإسلامي من أقدم المتاحف في الشرق الأوسط بعد المتحف المصري، بل يكاد يكون الأول من نوعه المتفرد بعدد القطع الأثرية، وطريقة عرضها. وبعد افتتاحه سيكون الأول من نوعه في العالم.
وحسبما هو مقرر، سيضم المتحف عقب افتتاحه نحو 80 ألف قطعة فنية أثرية نادرة، تمثل الحضارة الإسلامية منذ فجر الإسلام، وحتى نهاية العصر العثماني، كما يضم قاعتين جديدتين للنسيج والعملات الذهبية والفضية النادرة والنياشين الملكية.
وتتزامن احتفالية مئوية المتحف الإسلامي مع الثوب الجديد الذي سيرتديه بعد انتهاء أعمال الترميم الجارية له.
تتضمن عملية تطوير المتحف تهيئة قاعاته وفقا للتسلسل التاريخي، وعرض مقتنياته بطرق حديثة، وفق أحدث سيناريوهات العرض العالمية، وإعداد حديقة المتحف بالشكل الذي يتناسب مع تاريخه، فضلا عن تهيئة المنطقة المحيطة بحرم المتحف بما يترافق مع تنشيط حملة علمية للتوعية بالآثار الإسلامية. كما سيتم تزويد المتحف بوسائل تأمين حديثة لحمايته من السرقة، وتأثير العوامل المناخية.
واستهدفت عملية التطوير الحفاظ على المبنى كقيمة تاريخية، إضافة إلى ما يضمه من كنوز أثرية، ومخطوطات علمية، وقطع أثرية، ولوحات تحكي التاريخ الإسلامي عبر حقبه التاريخية المتفاوتة.
وتعتبر أعمال الترميم أكبر توسعة للمتحف، بشكل يفوق تلك التي جرت للمتحف في عام 1953، وشهدت إضافة للقطع الأثرية، التي تم جمعها من أشخاص ومؤسسات وأماكن شتى، حتى أصبح المتحف يضم فنونا وقطعا نادرة من الهند وتركيا وإيران، وغيرها من الدول، التي كانت أسرة محمد علي قد جمعتها من دول العالم، وقامت بتأميمها ثورة يوليو (تموز) 1952.
وكما هو معروف تاريخيا، فإن المتحف ظل يعرف حتى منتصف القرن الماضي باسم «دار الآثار العربية»، وظل مقسما إلى قسمين، الأول هو «المتحف الإسلامي»، والثاني «دار الكتب العامة» التي كانت تعرف باسم «دار الكتب الخديوية»، ثم «السلطانية». وترجع بداية إنشاء المتحف إلى عهد الخديوي إسماعيل، عندما قرر جمع التحف لتحفظ في الإيوان الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله في عام 1881، إلى أن أنشئ مبنى في صحن الجامع الحاكم بأمر الله، أطلق عليه اسم «دار الآثار العربية».
وظلت هذه الدار مقرا أو نواة للمتحف الحالي، ومقرا أيضا للجنة حفظ الآثار العربية. وفي عهد الخديوي عباس حلمي الثاني كان وزيره علي باشا مبارك قد بدأ في إنشاء المبنى الحالي، ليضم بين جنباته الفنون الإسلامية المختلفة التي تعود إلى جنسيات عدة يجمعها الفن الإسلامي، فيما تم استقطاع جزء من المتحف ليكون أحد أقسام دار الكتب والوثائق القومية، التي تجاور المتحف، وتم افتتاحها قبل عامين.
وضع تصميم المتحف وأشرف على إنشائه المهندس الإيطالي «هرتس»، وتم افتتاحه في الثامن والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1903، الموافق التاسع من شوال عام 1321 هجرية.
ويقال إن لبناء المتحف حكاية أخرى، وأن فكرة بنائه كانت للمهندس «سالزمان» الذي اقترح على الخديوي إسماعيل إنشاء المتحف، إلا أنه لم ينفذ إلا في عهد الخديوي توفيق، الذي أخذ المبادرة بجمع القطع الفنية الإسلامية في جامع الحاكم بأمر الله، في الوقت الذي تم فيه بناء المتحف في باب الخلق أثناء عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي انشأ أيضا «المتحف المصري» بالتحرير.
وفي عام 1952 تم تغيير اسم المتحف من «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامي»، باعتبار أن الاسم الجديد يعطيه عمومية أكثر، نظرا لوجود إبداعات إسلامية أخرى من دول غير عربية، مثل الأندلس، وإيران، وأفغانستان، وتركيا. لذلك، كان الاسم الجديد للمتحف أكثر قبولا في مختلف الأوساط آنذاك.
يضم المتحف قرابة سبعين نوعا ما بين مخطوطات لياقوت المستعصمي أشهر الخطاطين، والشيخ عبد العزيز آخر الخطاطين العظماء في مصر، إضافة إلى برديات ترجع إلى العصور الإسلامية الأولى. وتصل جملة المخطوطات في المتحف إلى 1170 مخطوطة. وما بين مقتنيات أخرى في مجالات عدة.. يثبُت تفوق المسلمين في مختلف فروع المعرفة والعلم.
ففي مجال الفلك والرياضيات، تشير مقتنيات المتحف إلى الكيفية التي استطاع بها المسلم قياس الزمن من خلال المزولة، واستطاعته قياس المسافات من خلال الساعات، كذلك فإن المتحف يدل على براعة الفنان المسلم في تحديد القبلة، حيث توجد بالمتحف علبة من النحاس كان يتم استخدامها في تحديد اتجاه القبلة قبيل الصلاة، إضافة إلى علبة من الخشب بداخلها مؤشر وإبرة مغناطيسية كانت تستخدم لتحديد اتجاه مكة المكرمة والقبلة من كل الاتجاهات، وعلى قسمها العلوي صورة للكعبة المشرفة.
ويضم المتحف نماذج من الزجاج المعشق التي تعكس إبداع الفنان المسلم في هذا المجال، حيث يوجد الزجاج المعشق الهندي المعبر عن الارتفاع والانخفاض واستنباط الأنماط الزخرفية الهندسية، ويعبر عن علاقة الروح بالعقيدة في هذه الأنماط.
أما في مجال الطب، فقد سبق أن أهدى الدكتور هنري أيمن عوض الطبيب المصري المتحف مجموعة من الأدوات التي تعكس براعة المسلمين في الطب ومعرفتهم له، مثل أدوات علاج الأنف، والجراحة، وخياطة الجروح، وعلاج الأذن، وملاعق طبية، وضاغط للسان، إضافة إلى رسومات تبين جسم الإنسان ودور كل عضلة من العضلات، ورسائل في علم الصيدلة والطب، ورسائل طب الأعشاب. وفي داخل المتحف قاعات خاصة للأسلحة التي ترتبط بأسماء السلاطين والخلفاء، منهم السلطان محمد الفاتح، وسيفه الذي تقلده عند فتحه للقسطنطينية، وهو سيف عليه كتابات تدعو إلى العدل.
وفي المتحف لوحة تشير إلى التسامح الإسلامي، وفيها يأمر القائد صلاح الدين الأيوبي وزيره ببناء دار للضيافة، حتى يتم فيها استقبال الطلبة الوافدين من شمال أفريقيا والدول الأخرى، الراغبين في الدراسة.
وبالمتحف منبر «طاطا» الحجازية، وهو المنبر الذي ينتمي إلى أسرة السلطان قلاوون، إضافة إلى منبر آخر يعبر عن قيمة فنية غاية في الروعة، يجمع بين زخرفة العمارة الإسلامية التي أبدع فيها الفنان المسلم، والغرض التطبيقي من تشكيلها، وهو أن تصبح تحفه فنية.
أما مجموعة السجاد التي تضمها قاعات المتحف، فهي تعد من أندر أنواع السجاد الموجود في العالم، ويتميز بأسلوب العقدة، ومنه ما هو مصري، أو من بلاد الأناضول، أو إيران.
وهذه المجموعة تعبر في معظمها عن السجاد المملوكي والآخر التركي، إضافة إلى مجموعة الخزف التي تتوزع بكثرة في المتحف، وتعكس التقدم والحضارة للفنون الإسلامية، وتعد أكبر مجموعة في العالم، وتمثل صناعة الخزف من أقصى بلدان العالم الإسلامي إلى أقصاه. وحسب الدراسات الأثرية، فإنه من الناحية التقنية لم تستطع مراكز الأبحاث أن تصل إلى سر ذلك النوع من الخزف الذي استخدم فيه الفنان الكيمياء، واستطاع أن يصنع أطباقاً وأواني من الخزف لها بريق الذهب، وذات لمعان من النحاس الأحمر. ومن أحدث مقتنيات المتحف كنوز لسيدات حملت بعض البيوت الأثرية بالقاهرة أسماءهن، مثل السيدة زينت خاتون. ومن هذا المنزل تم اقتناء العملات الذهبية والفضية، وكنز آخر يسمى كنز درب الأزازي، إضافة إلى ما يستخدم من إهداءات، تقوم بإهدائها شخصيات عربية وإسلامية للمتحف، وتم عرضها جميعا ضمن مقتنيات المتحف في ثوبه الجديد.
ساحة النقاش